الحوثيون يبيعون «الوهم» لأتباعهم

الأحد 16 ديسمبر-كانون الأول 2018 الساعة 10 صباحاً / مأرب برس- الشرق الأوسط
عدد القراءات 2779

 


حاولت الجماعة الحوثية منذ عودة وفدها المفاوض من السويد إلى صنعاء، مساء السبت، تصوير مشاركتها في المشاورات التي رعتها الأمم المتحدة والدول الراعية للعملية السياسية في اليمن، على أنها نوع من الانتصار السياسي على الحكومة الشرعية، فيما يبدو أنه ضمن مسعاها للتغطية على خسارتها بالموافقة على الانسحاب من موانئ الحديدة ومدينتها وإتاحة المجال أمام الإشراف الأممي لتنفيذ الاتفاق الذي حظي بمباركة مجلس الأمن.

ففي حين سارع رئيس حكومة الانقلاب غير المعترف بها عبد العزيز بن حبتور إلى إرسال برقية يبارك فيها لزعيم الجماعة الحوثية بنجاح المشاورات، استقبل رئيس مجلس حكمها الانقلابي مهدي المشاط أمس، عدداً من أعضاء وفد الجماعة المفاوض للثناء على أدائهم خلال المشاورات.

وفي الوقت الذي أفشل فيه وفد الجماعة الجهود الرامية إلى تحقيق اتفاق بشأن الملفات الاقتصادية ومطار صنعاء ورواتب الموظفين، نقلت المصادر الحوثية الرسمية عن المشاط قوله للوفد إن «ما تحقق خلال المشاورات من نتائج، خطوة إيجابية في اتجاه تحقيق تطلعات الجماعة».

أما بن حبتور فكان قد عد نتائج المشاورات في برقيته إلى الحوثي «إنجازاً وطنياً ودولياً كبيراً»، وقال إن الاتفاق «يمثل خطوة أولى مهمة في مسار العملية السلمية في اتجاه السلام الذي يحقق لليمن وشعبه الأمن والاستقرار ويصون سيادته ووحدته وسلامة أراضيه»، على حد زعمه.

ووصف ناشطون يمنيون محاولة الجماعة «تسويق الوهم لأتباعها بأنها حققت انتصاراً سياسياً خلال المشاورات» في الوقت الذي «وافقت فيه (الجماعة) في حقيقة الأمر على تدويل موضوع الحديدة ومينائها من خلال موافقتها على وجود قوة دولية للإشراف على وقف إطلاق النار وعلى انسحاب الجماعة، على الرغم من أنها تدعي أنها تناهض الوجود الأجنبي وتصفه بالاحتلال».
وذكر ناشطون أنه كان الأحرى بالجماعة الحوثية تسليم الحديدة وموانئها إلى الحكومة الشرعية والانسحاب منها دون الحاجة إلى وجود قوة أممية للإشراف على تنفيذ الاتفاق وعلى إدارة الموانئ.
في غضون ذلك، ردت الحكومة اليمنية الشرعية على انتقادات وجهت إلى وفدها المفاوض في السويد، وأوضحت في تصريحات على لسان مدير مكتب الرئيس عبد ربه منصور هادي ونائب رئيس الوفد عبد الله العليمي، أن «اتفاق استوكهولم بخصوص الحديدة يؤدي في محصلته إلى خروج الميليشيات الحوثية من الحديدة وتسلم السلطة الشرعية مسؤولية الأمن وإدارة المؤسسات بشكل كامل». وقال العليمي في تغريدات على «تويتر» إن مسألة انسحاب الجماعة من الحديدة هو «أمر يفهمه كل العالم باستثناء الوفد الحوثي الذي لا يزال يسوق الوهم لأتباعه وحليفته إيران».
وتابع العليمي في تغريداته بالقول: «إن مشاورات السويد كشفت للعالم كله حقيقة المتاجرة بالوضع الإنساني من قبل الميليشيات الحوثية، وإن فتح الحصار عن تعز لم يكن بالأساس بحاجة لاتفاقات، وكل ما في الأمر أن يسمح الحوثيون برفع الحصار ومرور الناس من المعابر وتنتهي معاناة أبناء تعز».
وأكد مدير مكتب الرئيس هادي أن تعامل الوفد الحكومي في موضوع الأسرى والمعتقلين كان إنسانياً صرفاً، وأن الوضع الإنساني المتردي وتقارير التعذيب في سجون الميليشيات تجعل الحالة الإنسانية ذات أولوية على الوضع القانوني الذي يفصل بين أسير الحرب والمحتجز والمعتقل.
وذكر العليمي أن الفريق الحكومي وافق بالمثل على المقترحات المقدمة من المبعوث الأممي إلى اليمن في معالجات الوضع الاقتصادي ودفع مرتبات الموظفين المدنيين في كل المحافظات اليمنية، مشيراً إلى أن تشدد الانقلابيين أفشل تلك المساعي.

وقال إن الانقلابيين «لم ينظروا إلى معاناة الناس في وضع مطار صنعاء الذي وافق وفد الحكومة على مقترح المبعوث بفتحه فوراً، بل نظروا إلى إمكانية سفر قياداتهم وتحقيق مصالحهم الخاصة»، مضيفاً أن «هناك فرقاً شاسعاً بين من ينظر لمصلحة الشعب ومن يقدم مصلحة العصابة وقيادتها».

وفيما يتعلق بالإطار العام للمشاورات، قال العليمي إن «الإطار العام للمشاورات الذي قدمه المبعوث الأممي يشير إلى المرجعيات الثلاث في مقدمته، ولكنه يتعارض مع بعضها في بعض التفاصيل، ونحن نؤكد دائماً أهمية الالتزام بالمرجعيات، ونعيد التأكيد مجدداً وبوضوح لا لبس فيه، لن نسمح بتجاوزها أو الانتقاص منها أو الالتفاف عليها».

من جهته، قال وزير الإعلام في الحكومية اليمنية معمر الإرياني، إن رضوخ الميليشيات الحوثية للمسار السياسي يؤكد أن القوة العسكرية والإرادة السياسية والفاعلية الإدارية والاقتصادية والدعم والإسناد للتحالف بقيادة الأشقاء في المملكة العربية السعودية هي السلاح الفعال والقادر على إجبار هذه الميليشيات على الرضوخ للسلام وإنهاء الانقلاب.

وفي سياق سرد الإرياني إيجابيات الاتفاق، أوضح أن «الاتفاق أكد التزام الميليشيات الحوثية بمواصلة المشاورات في يناير (كانون الثاني) مطلع العام المقبل، دون قيد أو شرط، ووفقاً للمرجعيات الثلاث لينهي مسلسل الابتزاز الذي مارسته الميليشيات على الحكومة الشرعية وتحالف دعم الشرعية والمجتمع الدولي في كل دورة مفاوضات».

وقال الإرياني إن «تدفق الإمدادات الإنسانية والإغاثية عبر ميناء الحديدة سيسقط أسطوانة الحصار الاقتصادي ومتاجرة الميليشيات الحوثية بتردي الأوضاع الإنسانية لليمنيين بهدف إطالة أمد الانقلاب»، إلى جانب أن «استعادة إيرادات موانئ الحديدة للخزينة العامة سيؤثر في مصادر تمويل الميليشيات الحوثية الإيرانية ويدعم تنمية إيرادات الدولة ويسهم في تسديد مرتبات الموظفين».

ويرى الإرياني أن من إيجابيات الاتفاق أنه نص على إزالة الألغام من مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وهو دليل على إدانة الميليشيات وتأكيد لجوئها لزراعة الألغام في المناطق السكنية والمصالح العامة والخاصة دون اكتراث بالأوضاع الإنسانية وحياة المواطنين».

وبحسب الوزير اليمني، فإن الاتفاق «شدد على المرجعيات الثلاث للحل كمرجعية ثابتة ومعترف بها دولياً لأي تسوية سياسية في الملف اليمني، وألزم الميليشيات بالانسحاب الكامل من مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة في المرحلة الأولى والانسحاب من محافظة الحديدة في المرحلة الثانية».

وكان كثير من المراقبين اليمنيين شككوا في إمكانية انصياع الجماعة الموالية لإيران في تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في السويد مع الحكومة الشرعية للانسحاب من الحديدة، أو حتى الاتفاق حول تسليم الأسرى والمختطفين، إذ يتوقعون أن تتعمد الجماعة عرقلة التنفيذ عبر المراوغة المستندة على تفسيرها الشخصي لبنود الاتفاق.

ولوح وزير الخارجية اليمني خالد اليمني، عقب انتهاء المشاورات بأن الحكومة الشرعية لن تذهب مجدداً إلى أي جولة من المشاورات إلا بعد تنفيذ الجماعة الحوثية لما تم الاتفاق عليه في مشاورات السويد التي كانت لقيت زخماً دولياً وحرصاً أممياً غير مسبوق على نجاحها في الحد الأدنى على الأقل.

ولم يحدث أي اختراق في مشاورات السويد في شأن التوافق على الإطار العام للحل الذي يتضمن الترتيبات الأمنية والعسكرية والسياسية والنهائية، إذ تم ترحيل هذا الملف إلى جولة المشاورات المقبلة التي من المقرر أن تعلن الأمم المتحدة عن تحديد مكان انعقادها في أوقات لاحقة.