فورين بوليسي: هل حاولت السعودية استغلال التظاهرات في العراق؟

الأربعاء 09 أكتوبر-تشرين الأول 2019 الساعة 03 صباحاً / مأرب برس - وكالات
عدد القراءات 2816

في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” عن دور التدخل الأجنبي في التظاهرات الدموية التي يشهدها العراق، رأى الكاتب أحمد تويج أن عزل “قائد عسكري” لعب دورا في قتال تنظيم “الدولة” كشف عن الضغوط الأجنبية على السياسة العراقية.

وقال الكاتب إن عبد الوهاب الساعدي الذي يعترف بدوره في قتال تنظيم “الدولة” ليس معروفا خارج البلاد إلا أن مساهمته في هزيمة التنظيم كانت مهمة. ولكنه عزل من منصبه في الجيش العراقي ونقل إلى وظيفة إدارية في وزارة الدفاع. ويعتقد الكاتب أن تجريد القائد المعروف من مناصبه أغضب أنصاره وأدى إلى موجة من التظاهرات القاتلة التي لم يشهد العراق والشرق الأوسط مثلها في السنوات الماضية. وكان الجنرال ذو الثلاث نجوم قائدا لقوات النخبة في مكافحة الإرهاب المعروفة باسم “الفرقة الذهبية”، وهي التي أنشأها الأمريكيون لتكون وحدة قوات خاصة بدون الاعتماد على الهوية الطائفية أو العرقية. وظلت الفرقة تحظى بدعم أمريكي وتدريب طوال الحرب على تنظيم “الدولة”.

وقبل هجوم الموصل في عام 2017 تقدم 300.000 شخص للحصول على وظائف في الفرقة ولم يتم اختيار منهم سوى ألف مرشح للأكاديمية التي تديرها القوات الأمريكية والعراقية. ووكلت الفرقة بمهمة القتال في الخط الأمامي ضد تنظيم “الدولة” وتحت الراية العراقية مقارنة مع قوات الحشد الشعبي المكون من ميليشيات يحظى معظمها بدعم من إيران. وهو ما دفع رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي لمنع مقاتليها من المشاركة في الهجوم على الموصل وتلعفر.

ويرى الكاتب أن دور الساعدي في الحرب جعله في مركز مختلف عن قادة العراق السياسيين الذين يقيمون في المنطقة الخضراء ويتهمون بالفساد والعجز، بل وتم نصب تمثال للساعدي في الموصل اعترافا بدوره في المعركة ضد تنظيم “الدولة”. ويعلق الكاتب أن حصول الفرقة الذهبية على دعم وتدريب أمريكي لم يعجب الجماعات التابعة للحشد الشعبي والتي تحظى بدعم إيراني، مثل الميليشيا التي يقودها هادي العامري وتدعمها قوات الحرس الثوري الإيراني والجنرال قاسم سليماني.

ويقال إن زيارة الساعدي إلى السفارة الأمريكية في بغداد زادت من مظاهر قلق هذه الجماعات، مع أنه ذهب إلى هناك للحصول على تأشيرة سفر لإلقاء كلمة في هارفارد. وهو أمر منطقي لأنه تحدث في الجامعة نفسها قبل عام. ورغم دوره العسكري إلا أنه يحصل على تأشيرة مدتها سنة ويجب تجديدها كل مرة يرغب فيها بزيارة الولايات المتحدة. وعلى ما يبدو فالموقف الخائف من علاقة الساعدي مع الولايات المتحدة والضغوط من إيران أدت إلى عزله من منصبه. وتكشف الحادثة عن إمكانية لتفكيك الجيش العراقي في ظل محاولات الحشد الشعبي تعزيز تأثيره داخل مؤسسات البلد ووضع شخص مؤيد لإيران بدلا من الساعدي.

وبنفس السياق فقوة الجنرال وتأثيره الشعبي مخيفان للحكومة العراقية التي تنظر إليه كتهديد وخطر تنظيمه انقلابا. واحتجاجا على عزله من منصبه، قام الساعدي باستخدام منابر التواصل الاجتماعي ووصف الطريقة التي عاملته فيها الحكومة العراقية بـ”الإهانة” و”العقاب”. ولأن موقع الساعدي كبطل بين أنصاره، فقد أدى عزله لحالة من الغضب وخرج الكثيرون إلى الشوارع وعبروا عن رفضهم من خلال منصات التواصل الاجتماعي. ويمكن العثور على مستوى الدعم له من خلال متابعة المنشورات التي وضعت على منابر التواصل وانتشر عدد منها بشكل واسع.

ويرى الكاتب أن معظم المشاركين في الاحتجاجات كانوا من الشيعة وحملوا شعارات تعيد ذكرى الأئمة الشيعة، وكلها تعبر عن سخط من التدخل الإيراني في العراق، وهي نفس المشاعر الساخطة التي برزت في الاحتجاجات التي هاجمت القنصلية الإيرانية في البصرة.

   السعودية تحاول الاستفادة من الوضع وإثارة التوتر، وترى فيها فرصة للإطاحة بالحكومة المؤيدة لإيران.

ويعتقد الكاتب أن السعودية تحاول الاستفادة من الوضع وإثارة التوتر، وترى فيها فرصة للإطاحة بالحكومة المؤيدة لإيران. وبدأت الرياض باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتأكد من استمرار الاحتجاجات العنيفة في العراق. وتم استحداث روبوتات إلكترونية لاستهداف المؤسسات الإعلامية الغربية من قبل مستخدمي منابر التواصل الاجتماعي السعوديين والدعوة إلى “إنقاذ شعب العراق” و”إخراج إيران” رغم الحجب الذي مارسته الحكومة العراقية على الإنترنت.

وتحاول السعودية التي استخدمت منابر التواصل لملاحقة نقادها والناشطين السياسيين تكرار نفس الأمر في العراق ونشر المواد المعادية لإيران. ولكن الوضع يتدهور وليست إيران هي الهدف الوحيد. وقال دبلوماسي إن المقذوفات الصاروخية التي أطلقت على المنطقة الخضراء وسقطت قرب السفارة الأمريكية، خلال فترة حجب الإنترنت، تشير إلى أن الاحتجاجات بدأت تستهدف أي دولة تتدخل في العراق سواء كانت إيران أو السعودية والولايات المتحدة.

ويطلق المحتجون على تظاهراتهم بالحركة المدنية، أي في مرحلة ما بعد تنظيم “الدولة”، ومحاولة لتجاوز مرحلة العنف الطائفي الصادمة. وكانت فترة الهدوء بعد سقوط تنظيم “الدولة” مؤقتة في ظل التوتر المتصاعد ضد الفساد. وبعد سقوط تنظيم الدولة لم يعد العامل الموحد بين العراقيين قائما، وبالتالي فقد العراقيون تسامحهم مع الحكومة الفاسدة التي لم تنجز لهم شيئا.

ويقول الكاتب إن الجذور التي أدت للمظلومية لم تعالج بعد. فعندما يعود مسلحون ومقاتلون مدربون إلى بيوتهم ليواجهوا المشاكل اليومية من نقص الطعام وغياب الوظائف وانتشار الفساد، يعد كل هذا وصفة للنزاع المدني. ومن هنا كان عزل الساعدي القشة الأخيرة التي أعطت العراقيين المبرر للثورة ضد الحكومة المركزية. وفي الوقت الذي زاد فيه الدخل القومي في المرحلة بين 2018-2019 بنسبة 8% إلا أن هذا لم يترجم على شكل تحسين الخدمات وفتح فرص عمل جديدة وتوفير الأمن لغالبية العراقيين في ظل استمرار فساد النخبة الذي لا يخفى على عين. ولم تؤد مشاريع الإصلاح وخصخصة الصناعات العراقية لفتح أبواب العمل حيث انخفضت معدلات التوظيف بنسبة 28% عام 2018 وهناك واحد من كل أربعة من أطفال العراق يعيشون في ظل الفقر.

ولم تؤد المصادر الطبيعية الوافرة في العراق لتحسين البنى التحتية في مجال الطاقة، حيث يواجه السكان انقطاعا مستمرا في التيار الكهربائي أو معالجة المياه والعناية الصحية. وهناك نسبة 90% من الأطفال ممن هم في سن التعليم خارج النظام التعليمي. وكما هو الحال في انتفاضات الربيع العربي، فهذه الحركة في العراق تفتقد القيادة وحتى المطالب الموحدة، مما قاد رئيس الوزراء لوصف أفرادها بالمشاغبين وقلل من أهمية مظلوميتهم. فعدم مشاركة الجماعات المؤيدة لإيران فيها يشير إلى أن طهران لم توافق عليها وشجعت على دعم الوضع القائم. أما سكان المدن السنية فلم يشتركوا فيها بعد لأنهم في مخيمات اللجوء أو خوفا من توجيه تهمة الإرهاب لهم.

وردت حكومة عبد المهدي التي تؤثر عليها بشكل كبير جماعات الحشد الشعبي بيد من حديد وأطلقت النار على المحتجين مما أدى لمقتل أكثر من 100 شخص وقامت بحجب الإنترنت، كل هذا في وقت زعم فيه رئيس الوزراء أنه وحكومته سيحاولون البحث عن أسباب التظاهرات، مع أنهم هم السبب الرئيسي لها. وكان الرد القمعي على التظاهرات من حكومة عبد المهدي مقارنة مع رد سلفه العبادي على احتجاجات البصرة إشارة إلى أن رئيس الوزراء الحالي يخشى من الإطاحة به.

ويجب في النهاية على الحكومة التعلم أنها في النهاية محاسبة من شعبها بدلا من الاعتماد على التدخلات الخارجية. فالنخبة السياسية أصبحت منفصلة عن الحياة اليومية للشعب العراقي. فالمظلومية التي أدت إلى الحرب الطائفية عام 2007 والنزاع المدني في عام 2011 وظهور تنظيم الدولة عام 2014 وتظاهرات البصرة الأخيرة لم يتم حلها أو معالجتها.