مسيرة اللصوص وشماعة الانقلاب.. جرعة حوثية قاتلة جديدة تفضح أكاذيب الحصار والعدوان (تقرير)

الإثنين 04 يوليو-تموز 2022 الساعة 08 مساءً / مأرب برس - وحدة التقارير
عدد القراءات 3704

"هؤلاء لصوص لا عهد لهم ولا ميثاق" بهذه الجملة الغاضبة رد المواطن سعيد صلاح (اسم مستعار) على سؤال طرحه عليه "مارب برس" عبر تطبيق التراسل "ماسنجر"‌‎ بشأن الجرعة الجديدة التي فرضتها مليشيا الحوثي على أسعار المشتقات النفطية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، تزامناً مع اقتراب حلول عيد الأضحى المبارك.

يقول سعيد، وهو أحد سكّان صنعاء، إنه كان متفائلاً بأن هذا العيد سيكون مميّزاً ومختلفاً عن الأعياد السابقة في ظل الهدنة وانسيابية الحركة التجارية في ميناء الحديدة، إلا أن إعلان الجرعة نغّص فرحته وقوّض ترتيباته لقضاء إجازة العيد مع أهله وأقاربه كما خطط لها.

ويضيف في حديثه لـ"مارب برس" إنه لم يتمكن في الأعياد السابقة من زيارة أرحامه وأقاربه أو الخروج بعائلته في نزهة إلى المناطق المفتوحة المحيطة بصنعاء، في ظل أزمات المشتقات النفطية المتوالية وارتفاع أسعارها في الأسواق السوداء التي تملأ شوارع صنعاء ومداخلها.

يعمل سعيد، في وظيفة متوسّطة لدى منظمة مجتمعية بصنعاء، ولديه سيارة دفع رباعي "برادو"، ويقول إنه كان يأمل أن تضاعف سعادة عائلته خلال أيام العيد في ظل توقف الحرب وتدفق الوقود عبر ميناء الحديدة بانتظام، فقد كان سابقًا لا يتحرّك بالسيارة إلا للضرورة القصوى.

جرعة مفاجئة

ومؤخراً، أعلنت شركة النفط بصنعاء، الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي، قراراً مفاجئاً بإضافة جرعة جديدة في أسعار المشتقات النفطية تبدأ من صباح الأحد (3 يونيو 2022).

وقضت الجرعة برفع سعر الصفيحة البنزين 20 لتر إلى 14,000 ريال, والديزل إلى 17,500 ريال في محطات التوزيع العام والتي تعد بالأصابع وتحيطها الأسواق السوداء.

وتعد ثالث جرعة حوثية منذ بداية سريان الهدنة الأممية بتاريخ 2 أبريل الماضي، حيث كان سعر اللتر البنزين حينها ٤٢٥ ليصل حالياً إلى ٧٠٠ ريال.

كما تعد خامس جرعة منذ بداية العام الجاري، وفقاً لما أكّدته مصادر مطّلعة لـ "مارب برس".

وشهدت صنعاء، أولى أزمات الوقود بعد أقل من شهر على انقلاب مليشيا الحوثي واجتياحها للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، ومن حينها توالت الأزمات والجرعات السعرية، وبدأت السوق السوداء في الظهور والتوسّع، وتزايد أسعار الوقود إلى مستويات قياسية.

معاناة إضافية

كان إعلان الحوثيين للجرعة مفاجئاً وصادماً لسكان المناطق الخاضعة لسيطرتهم؛ كونها تأتي مع استعدادهم لاستقبال عيد الأضحى المبارك، والذي تزداد فيه حاجتهم إلى الحركة والتنقّل سواء للتسوق أو لزيارة الأقارب والأرحام والخروج في نزهات عائلية خارج المنزل.

وقال مواطنون في صنعاء لـ"مارب برس" إن هذا المبلغ الذي وصل إليه سعر الصفيحة البنزين يفوق القدرة الشرائية لمعظم السكّان الذين يعانون شظف العيش في ظل استمرار الحرب وانقطاع المرتبات وانعدام العمل واحتكار المساعدات الإغاثية والإنسانية من قبل الحوثيين. فضلاً عن أسعار السوق السوداء التي يصل فيها سعر الصفيحة 20 لتر إلى نحو 30 ألف ريال.

ولاقت الجرعة رفضاً واسعاً من قبل السكان في صنعاء وغيرها من المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية؛ وكتب مواطنون ونشطاء تدوينات ساخطة على مواقع التواصل الاجتماعي، أكدّت في مجملها على أن ظروف وتوقيت الجرعة يؤكّد تجاهل الحوثيين لمعاناة المواطنين وتعمّدهم الإضرار بهم ومضاعفة أعباءهم وتقييد حركتهم خصوصاً في أيام العيد.

وأشاروا إلى الأضرار التي تسببت بها الجرع الحوثية المتوالية على السكّان من خلال انعكاسها على أسعار الخدمات والسلع الأساسية والتي أكدوا أن أسعارها تتزايد بصورة شبه يومية.

وتساءلوا عن مبرر الحوثيين لفرض الجرعة الأخيرة في ظل توقف الحرب وتدفق الوقود واستقرار سعر العملة وانتفاء ذريعة "الحصار"، في الوقت الذي كان ينتظر منهم صرف المرتبات وتقديم المساعدات الإنسانية للمتضررين باعتبارها الغرض الأهم للهدنة الأممية.

شماعة الجرعة

ولليوم الثالث على التوالي، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي تظاهرات صاخبة لمواطنين ونشطاء من مختلف المكونات السياسية والفكرية والاجتماعية، مذكّرة مليشيا الحوثي بشعاراتها أثناء حصارها لصنعاء ومن ثم اجتياحها في 21 سبتمبر ٢٠١٤م تحت ذريعة إسقاط الجرعة.

وكانت حكومة "الوفاق الوطني" قد أعلنت في يوليو 2014 إضافة ألف ريال على أسعار الوقود في مسعى لتخفيف العبء على موازنة الدولة، وحينها كان سعر صفيحة البنزين 20 لتر 2500 ريال، الأمر الذي استغلّته مليشيا الحوثي للاحتجاج المسلّح وفرض حصار على صنعاء لأسابيع قبل أن تجتاحها بقوّة السلاح وتسقط مؤسسات الدولة تحت ذريعة إلغاء الجرعة وإقالة الحكومة.

ورغم تراجع الحكومة عن قرارها، وتخفيضها أسعار الوقود إلى 3 ألف ريال، إلا أن مليشيا الحوثي أصرّت على انقلابها وما تزال تسيطر على مؤسسات الدولة حتى الآن.

وللسنة الثامنة على التوالي، احتكرت المليشيا الحوثية استيراد وبيع المشتقات النفطية، وفرضت عشرات الجرع السعرية على البنزين دون مراعاة لمعاناة المواطنين الذين استغلّت معاناتهم ذريعة لاجتياح صنعاء.

وفي تعليقه على الجرعة الجديدة، دعا الأكاديمي والإعلامي ياسر الشرعبي، إلى تذكير الناس بأن "الحوثي يتاجر بالشعارات وأنه تسلل تحتها إلى صنعاء ثم عاث فيها فساداً".

وأضاف في تغريدة بحسابه على تويتر: "ذكروا الناس أن هذا شعار كان يرفعه الحوثي قبل دخول صنعاء... وقولوا لهم انتصروا للفقراء والمظلومين والجياع من جرعات الحوثي ولصوصه وارفضوا ممارساته".

واعتبر النشطاء في تدويناتهم على مواقع التوصل الاجتماعي شعار إلغاء الجرعة الذي رفعته المليشيا الحوثية كمبرر لاجتياح صنعاء، بمثابة "أم الجرع" التي ولّدت أزمات متوالية في الوقود، وسلسلة جرع، ومعاناة إنسانية تستغلّها الجماعة لاستعطاف المجتمع الدولي.

أكذوبة الحصار

واعتبر الناشط جميل الحنجري، الجرعة الحوثية في أسعار المشتقات النفطية "في ظل هدنه ورغم فك الحصار ورغم عدم احتجاز السفن في البحر".. معتبراً "التسعيرة الجديدة عبثيه لا مبرر لها لأن الحرب متوقفة والحصار مرفوع والسفن غير محتجزه حتى لو حاول البعض أن يبرر السبب".

ومن جانبه، قال الصحفي غمدان اليوسفي، إن الحوثيين "تذرعوا بإغلاق ميناء الحديدة، وحين فتح الميناء رفعوا أسعار الوقود لمرتين خلال 3 أشهر.. مضيفاً: "يكذبون على الناس بأن سعر الدولار مستقر.. متسائلاً: "ماذا يعني استقرار الدولار في حين تصل سعر دبة البنزين إلى 26 دولارا؟ ماهي الذرائع اليوم أمام لصوص دولة المشرفين!!".

وقال اليوسفي، في تغريدة أخرى بحسابه على تويتر: عشرات مليارات الدولارات من موانئ واتصالات ومعونات ومساعدات وضرائب وجمارك وجبايات في مداخل المدن، وفي كل محل وبسطة وعربية، ومع ذلك لم يدفعوا حتى أربعة رواتب طوال السنوات السبع، وفوق هذا يأتي سادة القهر ليضيفوا جرعة على الناس ويرفعون سعر المشتقات قبل أيام من عيد الأضحى.

وفي السياق ذاته، قال الشاعر زين العابدين الضبيبي، إن الحوثيين كانوا "يتعذروا بالحصار والعدوان حين يعلنون عن جرعة سعرية جديدة. والآن جرعة جديدة لنج وما فيش حصار والبترول يدخل بر وبحر والجو مفتوح وهدنة والحرب واقفة".

وأضاف في تغريدة بحسابه على تويتر: "هذي جرعة عيدية للمواطن والشعب اليمني العظيم وإلى جيب عبدالملك. وكمان المواشي في عليها جرعة ضريبية وجمركية على كل رأس".

وإلى ذلك قال الصحفي عادل النزيلي، إن الجرعة التي فرضها الحوثي على المشتقات بعد دخول السفن لميناء الحديدة، وجرعة اسعار مؤسسة المياه التي تتكفل بنفقتها التشغيلية الأمم المتحدة، كلها تؤكد أن كل تدابير تخفيف الوضع الإنساني لا تصل للمواطن وتصب بخزينة الحوثي في غياب ألية محايده لإيصال الخدمات للمستفيدين والرقابة عليها.

مسيرة اللصوص

وتداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لخطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، وهو يرفع شعار معاناة المواطنين ومحاربة الفساد، ويهدد بإسقاط الحكومة بسبب جرعة الـ"500 ريال"، وكذا صور دعائية رفعها الحوثيون أثناء حصارهم صنعاء أواخر 2014، مذكّرين قادة الجماعة بشعاراتهم "الزائفة" عن الفساد والجرع السعرية.

واستذكر النشطاء أساليب مليشيا الحوثي لافتعال أزمات الوقود للإضرار بالمواطنين ونهب مدّخراتهم ومنها منع دخول شحنات الوقود إلى صنعاء، وآخرها احتجازهم أكثر من 600 مقطورة في الجوف، وفرض رسومًا وجبايات غير قانونية عليها، وإجبار أصحابها على بيعها لتجّار السوق السوداء.

ولفت النشطاء إلى تحقيقات فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، ومنها تقريره السنوي للعام 2021، الذي كشف عن وجود نمط تصاعدي في واردات الوقود عبر ميناء الحديدة، مؤكداً وقوف مليشيا الحوثي وراء اختلاق أزمات المشتقات النفطية وإدارة السوق السوداء لمضاعفة أرصدتها المالية.

وكان فريق الخبراء قد أكد في ذات التقرير أن الحوثيين "يخلقون ندرة مصطنعة للوقود من أجل إجبار التجار على بيعة في السوق السوداء التي يديرونها وجمع الرسوم غير القانونية المفروضة على المبيعات".

وكشف عن حصول الحوثيين على إيرادات رسمية من واردات الوقود (أي رسوم الجمارك وغيرها من الضرائب عبر ميناء الحديدة) فاقت 70 بليون ريال يمني.

وفي تقريره للعام 2020، قال فريق الخبراء، إن واردات الوقود المستمرة تعتبر "مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الحوثيين". موضحاً أنه خلال الفترة من يناير إلى نوفمبر 2019، بلغت واردات الوقود عبر الحديدة مليون و991 ألف و158 طن من الوقود.

وبيّن أن مجموع إيرادات الجمارك والضرائب السنوية المتأتية من واردات الوقود في العام ذاته تقدر بـ 22,5 مليار ريال يمني.

وأكّد النشطاء في تعليقاتهم على أن الجرعات التي فرضها الحوثيون منذ بدء الهدنة الأممية تؤكّد حقيقتهم بأنهم عصابة لصوص ولا يمكنهم أن يقدّموا خدمة للمواطنين وإن توفّرت لهم الأسباب.