واذكري في فرحتي كل شهيد
بقلم/ غادة محمد أبولحوم
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 3 أيام
الخميس 24 مايو 2012 12:05 ص
 
الشهيد محمد ابو لحوم
 

قبل عام رحلت عنا في مثل هذا اليوم تحديدا، كنت قبله حي ترزق مليء بالحياة و الطموح. قبل هذا اليوم الأسود كنت تجلس بيننا نتابع أخبار ما يجري و نظرتك تلك التي لا تفارقنا و أنت تتحدث عن المستقبل، أصبحت شبحا يلاحق خطوات الثورة و ما آلت عليه من إستسلام حتى تركت أهم ما خرجنا نطالب به و هي العدالة. حديثك عن الثورة و نبرة صوتك التي كانت مليئة بالحماس كأنها أناشيد ثورية تلهب الحماس في قلب من يستمع إليها.

أتذكر كيف كان حديثك عن الشهداء، و ألمك يفوق آلمنا و كلامنا جميعا و متابعتك لهم ولقصصهم وحديثك عنهم يجعل من الشهادة أمل يسكن قلب من يستمع لك. كنت تردد دوما أنك شهيد الثورة وبريق يملئ عينيك كلما تحدثت عن الشهادة، و شوق لقدر محتوم وقتها كنا نجهله. رفضت كل رجاء لنا بمغادرتك اليمن رغم ان السبب كان قوي و يستدعي ذهابك لكنك رفضت ترك اليمن و هو ثائر يواجه الموت.

يوم مسيرة التلفزيون كان هناك شهيد ينزف نتيجة إصابه في عنقه، كان الغضب والألم يزداد مع كل مشاهدة لك لذلك المنظر و كنت تردد لن تذهب دمائكم هدر لن تذهب دون عقاب. كان شغلك الشاغل الثورة، ومعاناتك لكل إنسان يسكن ارضنا و همومك كل ركن في اليمن، كنت ترفض الحديث عن مبادرات و تعتبرها خيانة للشهداء و إستهتار بالجرحى و التفاف على وطن.

خيمتك في ساحة التغيير كانت ملاذ الحرية لك ولرفاقك الثوار، كنت تذهب إليها في شغف و تعود منها وتأتي بكل أمل وحلم و طموح لكل ثائر هناك، للتحدث عنها والبهجة تنير وجهك. لم تتوقف لحظة عن العمل و تدوين الأحداث و الأفكار. كنت في كل ورقة ترسم مستقبلك و مستقبل يمن للجميع. لم تدخر جهدك او ترددت عن فعل شيء يخدم الثورة و يعود بنفع علي مسار خطوناه بإتجاه هدف سامي لكل ثائر حر و هو اليمن بما فيه و من عليه. عشت أخر أيامك لليمن خالصا مخلصا حتى ذهبت فداء له لتكون شهيد من شهداء هم خيرة أبناء الوطن وأكثرهم شجاعة و قدرة علي العطاء.

العام لم يكن مر علي زواجك وأنت بإنتظار طفلك الاول، "لا اصدق اني ساكون اب" تلك هي كلماتك. كنت تشاهد ملابس الأطفال و السعادة تملىء و جهك وأنت تفكر فيه. إبتساماتك كانت مشرقة مليئة بالحياة والأمل مبشرة بمستقبل لازلت تتطلع إليه. كنت صاحب قلب طيب متسامح لا يعرف كيف يحمل ضغينة و مع هذا كنت رجل صاحب كلمة تحب أن تسير الأمور بدقة و حزم و صرامة.

قبل عام خرجت تطلب الحياة للشعب والأمن و الرخاء للوطن، خرجت تريد عزة و كرامة ليمن جديد لا يكون ثمنه أرواح تستحق العيش وتأبى أن تعيش في إستبداد. خرجت ترتدي الزي التقليدي الجنبية و ساعة و في جيبك هاتفك النقال، خرجت تارك السلاح حامل شعار السلمية لثورة تريد ان تولد دون سفك دماء.

خرجت دون وداع لتغادر البيت دون عودة، رحلت عنا دون سابق أنذار لتترك خلفك حزن يفوق الوصف يجتاح حدود الزمان والمكان. إصابة غادرة بصاروخ أراد ان يقتل الجميع وإرادة الله اختارتك انت ضمن قلة مقارنة بالكم الذي كان موجود. شظية صاروخ دفع ثمنه الشعب من قوته و دخله ليكون سلاح يحمي اليمن فإذا به يستخدم لقتل أبنائه. شظية كسرت راس الجنبية لتستقر في قلب من كان قلب البيت و نبضه، فارقت الحياة علي اثرها لتكون شهيد العز والكرامة و فقيد الأهل و الأصدقاء و خسارة اليمن الذي كان بحاجة لك ولأمثالك الشهداء الذين هم دعائم البناء والمستقبل الذي ولد علي دمائهم.

رحل ابن الخامس و العشرين عام ليترك فراغ لا يستطيع ان يسده احد، رحل و هو شهيد في موكب من الشهداء ليكونوا هم الحزن الذي لا ينتهي و الأمل الذي دفن.

لازال " جهازك" بجنبية مكسورة معلنة غياب صاحبها و رحيله رحيل لا عودة بعده الا لجنة الخلود و هاتفك غارق بدمائك، رائحة عطرك ظلت دافئة طرية لأيام. عادت الساعة التي بيدك توقفت عقاربها مع توقف انفاسك الغالية التي توقفت معها انفاس لحياة مختلفة قبل رحيلك. عاد الجاكت الذي كنت تردي مليء بتراب صاروخ كأنه رماد أسود مخلوط بدماء جفت لتترك قلوبنا تنزف كل يوم ألم لا يجف. عادت كلها و انت ياغالينا لم تعود.

رحل الاخ و الابن و الصديق و رحلت معه فرحة بتحقيق ثورة، لازالت تطالب بعدالة تضمن لليمن الإستقرار و المضي قدما نحو تحقيق طموح ثوار استشهدوا لنحيا جميعا رافعين رؤوسنا بيمن سعيد يتحقق علي أيادينا. ثورة كلما ردننا بعدها نشيدنا الوطني توقفنا إجلال و إكرام و حزن وإشتياق و نحن نقول:

واذكري في فرحتي كل شهيد"

رحمة الله على الشهيد الغالي محمد بن محمد بن عبدالله أبولحوم