من اجل اليمن هل يرضى الثوار موقتا بنصف انتصار؟
بقلم/ د: حسين عبدالقادر هرهره
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 13 يوماً
الجمعة 10 يونيو-حزيران 2011 08:42 م

تتشابه الثورة اليمنية مع الثورات العربية الداعية الى الحرية في الدعوة الى التخلص من الظلم والاستبداد ونهب المال العام واعادة الاعتبار للقانون واحترام كرامة الانسان ولكنها تختلف معها في عمق جذور النظام اليمني في البنية العسكرية والسياسية اليمنية.

فالرئيس صالح كان قد اعد نفسه جيدا لهذه الثورة بطريقة يصعب معها اجتثاث نظامه، واذكر جيدا حديثه للصحفي احمد منصور في برنامج بلا حدود حيث وجه له سؤالا كان يغيض اليمنيين ويثار من قبل المعارضة اليمنية وهو لماذا يقوم الرئيس بالسيطرة على مفاصل الجهاز العسكري والامني من خلال ابنائه وابناء اخوته واقاربه وازواج بناته واصهاره؟ وكانت اجابته على هذا السؤال ان ذلك شيء طبيعي وان للرئيس ان يختار من يثق بهم لشغل الوظائف الحساسة في الدولة، واستدل ان الدول التي لاتفعل ذلك فانها تشهد اضطرابات وانقلابات بينما الدول التي يقوم الرئيس بالسيطرة على جهازها العسكري والامني من خلال اقاربه تشهد استقرارا وان هذا هو السبب الذي دعاه الى ذلك.

واذا حللنا هذا التوجه وربطناه بالاحداث التي تشهدها بلادنا فاننا نجد ان كل الصعوبات التي تجدها ثورة التغيير اليمنية ترجع اسبابها الى سيطرة اقارب الرئيس على الدولة من خلال الجيش والامن والكثير من الشركات والوزارات ويمكن رصد اهم هذه المواقع ممثلة في الحرس الجمهوري بجهوزيته العالية التي تفوق الجيش وقيادة القوات الخاصة وقيادة اركان الامن المركزي والحرس الخاص  والقوات الجوية وقيادة اللواء السادس وقيادة المنطقة الشمالية و المنطقة الجنوبية المنطقة الشرقية وقيادة اللواء 35 مدرع بالضالع وكذلك الشركات الحكومية ذات الاثر المالي المؤثر مثل النفط والمؤسسات الايرادية .

ان هذا الوضع شكل عقبة كبيرة امام اي محاولة للتغيير، وان اهم هدف يجب ان تضعه المعارضة السياسية وشباب التغيير في اليمن هو اعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتغيير عقيدتها من الدفاع عن النظام الى الدفاع عن الدولة، وكذلك اجتثاث اقارب الرئيس من مواقع الثروة التي يسيطرون عليها، ولعل هذا مايجعل مخرجات ونتائج ثورة التغيير في اليمن قد تختلف عن ثورة الشعوب العربية التي  نجد فيها ـاثير الرئيس وعائلته هامشيا مقارنة بسيطرة صالح واسرته كما ان الجيش في تلك الدول لم يتحمل مماطلة الرئيس الا في حدود لاتسمح بانهيار الدولة وهذا ما حدث في مصر وتونس، بينما تصعب على الثوار عملية التغيير الكامل والمثالي في الانظمة التي تتجذر فيها سيطرة الرئيس واقاربه على المؤسسة العسكرية مثل ليبيا واليمن والى حد ما سوريا حيث نجد ان اجتثاث هذه الانظمة في غاية الصعوبة وهذا يتطلب من الثوار تنازلات حتى لاتنزلق البلد الى حرب اهلية طاحنة ويتم تدويل الازمة وتتدخل القوى الكبرى بطريقة لاتسمح للثور بالتحكم في مسار الثورة.

وبالعودة الى الوضع في اليمن فأن الوضع المعقد الناتج عن خرق الرئيس للدستور ولكل القوانين والاعراف التي قامت عليها الجمهورية من خلال تحويله النظام الجمهوري الى نظام (جملوكي) خاص به وباسرته فأن الامر بالضرورة يتطلب التدرج في الحل، اذ انه لايمكن المطالبة بالاصلاح دفعة واحدة حيث ان تحقيق هذا الامر دونه انهار من الدماء ودمار وخراب يعيد اليمن الى عصور ماقبل التاريخ .

ومن خلال تحليل الواقع اليمني وما فيه من تعقيد وتشابك فان المنطق يقتضي القبول بانتصار ناقص وفق المعطيات الحالية في الساحة اليمنية والمتمثله بانقسام الجيش وتوازن القوى بين معسكر الثوار ومعسكر الحكومة من الناحية العسكرية، حتى يمكن الخروج بالازمة الى بر الامان والذي يمكن بعدها لليمنيين توجيه دفة السفينة الى وجهتها الصحيحة من خلال عامل الوقت والزخم الثوري المتمثل في الاصرار على عملية الاصلاح بالضغط المستمر على المؤسسات الدستورية باصلاح اوضاعها الفاسده من خلال استغلال عامل الزمن الكفيل باصلاح الخلل الناتج عن سيطرة الرئيس واقاربه على هذه المؤسسات، الا اذا حدث انهيار في المؤسسة العسكرية التابعة للرئيس مما يخلط الاوراق ويعجل بالحلول الجذرية لصالح الثوار.

ان مفهوم التدرج في طلب الاصلاح لايعني السماح لمراكز القوى التابعة للرئيس بالاستمرار في سيطرتها على مؤسسات الدولة ولكن الذي اعنيه هو ان نرضى بتسليم نائب الرئيس للسلطة خلال الفترة القانونية التي تعقبها انتخابات رئاسية وبرلمانية تؤدي الى التغيير السلمي مع تحمل الثوار موقتا لكل الخسائر التي تعرضوا لها من بلاطجة النظام حتى تقف الدولة على اقدامها ويتحقق فيها تطبيق القانون واستقلال القضاء ليتم بعد ذلك تقديم من يثبت عليهم ارتكاب الجرائم للمحاكمات، مع بقاء الثوار في ساحاتهم معتصمين حتى تتحقق مطالبهم ولكن بنصف قوة الزخم الحالي حتى لاتتعطل مؤسسات الدولة وتتوقف عجلة الاقتصاد عن الدوران وبذلك تكون الثورة قد حققت كل اهدافها.