أفراح المهزومين .. دلائل حرب
بقلم/ احمد طلان الحارثي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الخميس 16 يونيو-حزيران 2011 07:11 م

ليلة الخميس 9 يونيو 2011م هي ليلة الاحتفال بالهزيمة والإعلان عن سقوط رأس النظام علي عبدالله صالح .. إذ كان النظام برمّته يتكتم على حالة السقوط بدءاً بوعدهم إلقاؤه خطاباً بعد ساعات من إصابته ثم بوعدهم عودته بعد أيّام قلائل إلى أرض الوطن بعد أن غادر سراً للعلاج متأثراً بإصابات بليغة ... الخ.

كل هذه الوعود انتهت باحتفالات بقايا النظام في كافة محافظات الجمهورية في تلك الليلة ، احتفالات على تلك العادة التي كرّسها رأس النظام في السنين الماضية ، احتفالات تكلف الشعب اليمني مئات المليارات من الريالات ، ولكن هذه المرة زادت التكلفة وتعدت حدود المال العام لتصل إلى استهلاك الدماء والأرواح ، فكان من نتائجها حصد عدداً من الأرواح البريئة الطاهرة بالإضافة إلى أعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين وحالات الإجهاض علاوة على الخوف والهلع الذي لحق بسكان العاصمة وعواصم المحافظات ومدن وقرى كثيرة في أرجاء الوطن جراء إطلاق النار في الهواء وبشكل عشوائي تعدى حدود أدب الاحتفاء وإن كان في جوهره احتفاءً وهمياً لا أقل ولا أكثر .

وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها نظام صالح هزيمته منذ قيام الثورة الشعبية السلمية مطلع شهر فبراير من هذا العام ، بعد أن تبين لأزلامه أنه غير قادر على العيش كرئيس لهذا النظام لأنه أولاً فقد مقومات الصحة والعافية نظراً لكثرة الإصابات وخطورتها على مستقبل حياته وثانياً لأنه خرج من البلاد مذموماً مدحوراً تحت ضغط الثورة الشعبية السلمية التي أصرّت على سقوط عرشه وطالبت بتنحيه ، ورغم أساليب البطش والإرهاب التي مارسها خلال أيام الثورة ، ورغم التضحيات التي قدمها الثوار ، إلاّ أنهم ضلوا صامدين والثورة مستمرة ومتطورة حتى قضّت مضجع النظام برمّته وتآكل من داخله وسلّط الله بعضه ضد بعض ، وهكذا يكون مصير الطغاة والمستبدين ومن تربّى على أعينهم وترعرع في أحضانهم ، وللتاريخ في هذا الشأن مظاهر وأحداث.

إن احتفالات بقايا رموز النظام في تلك الليلة هي في حقيقتها إعلان الانهزام التام ، لأنها توجهت إلى البقية الباقية من أبناء الشعب الذين آثروا البقاء داخل منازلهم منتظرين ماذا ستسفر عنه الثورة السلمية من نتائج ، ولا شك أن هذه الظاهرة السيئة التي مارستها مليشيات نظام صالح دفعت وستدفع بالمزيد من المواطنين إلى ساحات التغيير وميادين الحرية إيماناً منهم بأن هذا النظام قد تجاوز الحدود المسكوت عنها خلال الفترة الماضية ، وأنه آن الأوان لمناصرة الثوار عملياً لكي تحقق الثورة بقية أهدافها بعد أن تحقق هدفها الأول المتمثل في سقوط رأس النظام ومغادرته البلاد فاقداً للبصر والبصيرة ، يتمنى لو أنه أطاع شعبه في بداية الثورة وتنحى عن السلطة بصورة طوعية ، ولكنها الشقاوة أبت على أهلها ولله في كل شئ حكمة واقتدار.

لقد أصرّ أولئك المهزومين على أن يجعلوا من تلك الجموع الشعبية النائمة ظهيراً مناصراً وسنداً قوياً للثورة وثوارها من خلال توجههم با لدعاء إلى الله عز وجل بإنصافهم ممن أزهق الأرواح البريئة وأسال الدماء الطاهرة الزكية ، في حين توجهت تلك المليشيات لإعلان حالة الحرب على المواطنين الآمنين في ديارهم الفارين بأرواحهم من بطش النظام المتواصل ضد ثوار الساحات والميادين ، وحتى المواطنين الآخرين خارج تلك الساحات لم ينجو من ذلك البطش والإرهاب برغم بعدهم عن معمعة الثورة وحلبة الصراع ، إلاّ أن قوات صالح طالتهم بالعقاب والتعذيب والقتل والتشريد بنيران الدبابات والمدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة ، وحتى خارج حدود الاعتصامات المتواجدة داخل العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات ، ومن جهة ثانية فإن كثافة النيران في تلك الليلة تدل دلالة قاطعة على أن نظام البطش والإرهاب قد بيّت النية لإغراق البلاد في حرب أهلية مدمرة ، وذلك بتحويل كافة عواصم المحافظات ومدنها وقراها إلى ثكنات عسكرية لبلاطجة ومليشيات النظام المتهالك مدججة بكافة أنواع الأسلحة ، في حين يقتضي النظام العام منع دخول الأسلحة الشخصية إلى هذه المدن ، فضلاً عن الأسلحة المتوسطة والثقيلة التي تم استخدامها للتعبير عن تلك الأفراح المزعومة بإطلاق وابل من الرصاص الحي الذي أسفر عن مئات الجرحى والمصابين وحالات أخرى من الوفيات جرى هذه الأعمال الصبيانية الطائشة ، ومع هذا كله فقد رفض الشعب الثائر هذه الأساليب القذرة وأصر على الخيار السلمي للثورة مهما كان الثمن ، غير أن من حق المتضررين من هذه الأعمال الطائشة أن يطالبوا بحقوقهم في دمائهم وأرواحهم كحقوق شخصية لا يمتلك أي كان التنازل عنها بالوكالة ، باعتبارها جرائم لا تسقط بالتقادم.