33عاماً من التحدي واليمن تحترق.
بقلم/ صفوان الفائشي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر
الأحد 24 يوليو-تموز 2011 06:25 م

إنّ من قاموا بثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر ثائرين على الظلم والقهر والجهل والفقر والاستعمار، لم يكونوا يعلمون أنّ صرخات المعذبين والمظلومين ستظل تدوي في أصقاع الأرض اليمنية حتى يومنا هذا، وان أهلها مازالوا يئنون تحت وطأة الرعب والقهر والإذلال والقتل والتشريد، وانّ سجل (حاكم 17يوليو) سيفوق بمراحل سجل الاحتلال البريطاني والحكم العثماني والدولة الملكية الفاسدة، بل ويتجاوز كل الحدود المتصورّة.

لقد أصبح القتل لدى هذا الحاكم وزبانيته نمط حياة مستمراً، ومستقراً ومنهجياً، قد تتعدد وتتنوع أساليب هذا القتل من ( التجويع، إلى التشريد، وما بين الاغتيال ، والقصف، والتعذيب، والتدمير) كما قد تتعدد وسائل وأدوات القتل هذا بين قتل بالرصاص الحي، على الطعن بالخناجر(الجنابي)، وبقذائف الدبابات والمدفعية، وصواريخ الكاتيوشا، وقطع الكهرباء عن المستشفيات، واحتجاز الوقود وإخفاء الغاز، أو بأجنحة الطائرات) لكن كل تلك الوسائل وان تعددت فإنّها في النهاية تفضي إلى إزهاق الأرواح ومفارقة أصحابها للحياة.

أما أسباب ودواعي قتل الأنفس المحّرَّمة وسفك الدماء المعصومة، فإنها تختلف وتتنوع بحسب مبررات ورغبات (نظام 17يوليو) وأنصاره، فالمطالبة بالحقوق عقوبتها القتل، والخروج في مسيرات أو مظاهرات للمطالبة بالعدالة والحرية والكرامة يعاقب من قام بها بالقتل أيضا، كما أن الاحتفال بنجاح عملية الزعيم يؤدي إلى القتل، وظهور الزعيم البطل يوزّع القتل كذلك !، وهكذا تستوي المأساة والملهاة، لدى أنصار النظام في هذا البلد، لكن يظل قتل الأبرياء والعُزَّل هو السمة الأبرز لهم والعلامة التي يتميزون بها عن غيرهم من البشر!.

كيف لا؟ وزعيمهم صاحب نظرية (التحدي بالتحدي)، ولا نعلم عن أيِّ تحدٍ يتحدث بعد أن أمضى 33 عاماً يوزع الفقر والجوع والقتل على شعبه ليخرج علينا بعد كل هذه العقود بنظرية التحدي، التي برهانها سفك دماء الأبرياء وإزهاق أرواحهم، وتوزيع القتل كوجبات يومية على اليمنيين في مختلف المحافظات اليمنية.

فعن أيِّ تحدٍ يتحدث هذا المتسلل من خارج الوعي والتاريخ والذاكرة؟ لقد كان الأحرى ب هان يواجه تحدي الفقر الذي طوّره خلال 33عاماً، وتحدي البطالة التي أنعشها خلال 33 عاماً، وجعل خريجي الجامعات يتسكعون في الجولات والطرقات أسوأ حالٍ من الشحاذين.

لقد كان الأحرى به أن يواجه تحدي عمال الحراج الذين تكتظ بهم الجولات في مختلف المحافظات اليمنية.

إنّ التحدي يفترض وجود خصم وخصمك يا صالح ليس إلا الاقتصاد المنهار الذي دمرت كل مقوماته، وجعلت من اليمن شعب الحضارة، مجاميع من المتسولين في الداخل والخارج، حتى أنّ المنجزات التي تتحدث عنها تتلاشى تماماً عندما لا تجد مشفىً تتعالج أنت فيه فكيف الحال بالمواطنين؟!.

فأيِّ تحدٍ ستواجه ؟ هل تحدي عصابات الفساد والهبر؟ أم تحدي مصاصو الدماء والقتلَّه الموتورون الذين يعيثون في البلاد قتلاً وتشريداً ونهباً وترويعاً ؟.أم تحدي آكلي لحوم الشعب اليمني،الذين لا يرقبون في يمنيٍ إلاً ولا ذمّة ؟.

أم تحدي صُنّاع الأزمات، وتجار الحروب، وطفيليات الدم البشرية ؟.

لقد خرج الشعب اليمني مطالبا إياكم أنْ تتركوه وشانه يقرر مصيره كيفما يشاء، فقابلتموه برصاصات الغدر وأعيرة الخيانة، وقذائف الموت، وممارسات المغول والتتار، وحمم النار والمدار، وبحرائق طالت الأجسام والبنيان، فعن أيِّ تحدٍ يتحدث هؤلاء الساديون القتلَّه ؟! هؤلاء القادمون من الخلف، جاءوا حاملين إرث أحقادهم وغضبة آبائهم، وتاريخ عائلات تخشى أن تندثر بفعل التغيير المنشود والذي هو سنة كونية من سنن الله في خلقه، فتسللوا من الأبواب الخلفية للثار من هذا الشعب الذي آواهم وسترهم، وأطعمهم وملأ كروشهم وخزائنهم وثبَّتَّهم على كراسيِّهم، ليتهكموا ويتطاولوا ويتآمروا ويمتصوا دماء الشعب.

وللأسف فإنّ هذا الشعب اليمني الذي يعاقبونه اليوم بأقذر وأبشع الأساليب، هو من صنعهم وحولهم إلى قادة، فتعملقوا بعد أن كانوا مجرد أقزام في الحياة العامة، وهاهم اليوم يوسعوهُ تعذيباً وتقتيلاً وتشريداً، وحرقاً وتنكيلاً.

في بلد الإيمان والحكمة الذي لم يكن ليشهد في تاريخه القديم منذ ولج إليه نور الإسلام، مثل هذا الدمار والإستهانة بأرواح الناس، وقتلهم بدم بارد، وتهجيرهم من منازلهم وقراهم وتحويلهم من سكان مقيمون في وطنهم على نازحين وغرباء عن وطنهم، وهو مشهدٌ لم تألفه الذاكرة اليمنية ولم يشاهده الإنسان اليمني غلا في الأرض المحتلة (فلسطين)، وما كان كل ذلك ليتم إلا يوم تسلَّط هؤلاء على رقابنا وأسلْمونا للأعداء قبل الأصدقاء، فهل هذا هو التحدي الذي يقصدونه ؟!

لقد خرجت غالبية فئات الشعب اليمني تخاطبهم وتناشدهم حياة آمنة، كريمة يسودها العدالة والحرية والمساواة في الحقوق، لا حروب فيها ولا غنائم، ولا صفقات، .. لكنهم صمّوا آذانهم عن كل تلك الصيحات والمناشدات، لأنهم يحسبون أنّ اليمن ومنْ عليها مزرعة خاصة بهم .. وحقلاً يقطفون ثماره دون سواهم .. والويل كل الويل لمن قال (لا) .. هذه المفردة التي لا وجود لها في قاموسهم .. ومادمنا مُصرِّين على إنتزاع حقوقنا ونيل مطالبنا .. هنا يبرز حرف اللام مشرعاً فوق فوهات المدافع والدبابات، وقاذفات الصواريخ، وأجنحة طائرات الموت، إنهم يسقون الناس الموت الأحمر، وهذا هو التحدي في مفهومهم، يواجهون الكلمات بالرصاص، والورود بالقنابل السامة، وخيام الفقراء وأكواخهم بصورايخ الكاتيوشا وقذائف النيران، واجتياح المدرعات والمصفحات وكأننا في مخيم جنين أو جباليا!!

ثم يقول زعيميهم أنّه سيواجه التحدي بالتحدي ، فهلاّ واجه اسطوانة الغاز المعدومة والتي تنعدم قبيل كل موسم أو مناسبة دينية؟ وهلاّ واجه الظلام الذي أغدق به على اليمنيين؟ 33 عاماً من الظلام السلطوي وهو يوعد اليمن بالظلام والظلام وحده !

33 عاماً واليمن تحترق بنظرية التحدي تلك، ولأنه المهندس الحقيقي لافتعال الأزمات وإشعال الحرائق فقد اكتوى بتلك النار التي أشعلها، فهو الجاني على اليمن والمجني عليها، جردّها من أمنها واستقرارها، وبث الرعب والخوف في أبنائها، ونشر القتل والدمار في كل مدنها وقراها، ويتحدث دونما خجل عن الأمن والاستقرار !!

لقد كان الأحرى به أنْ يواجه تحدي استعادة السيادة المنتَهَكة، والأرض المستباحة، بحراً وبراً وسماءً.

أم أنه لا يستحضر التحدي إلا أمام الفقراء والمستضعفين والعُزَّل ؟!

ختاماً: حُقَّ للإعلام السلطوي أن يطبّل ويزمر، وحُقّ لزبانية السلطة في السبعين أن يجعلوا جمعةً باسم (جمعة الإمتنان والعرفان للملك عبد الله) وهم صادقون في هذا فآل سعود أوفياء لحاكم نصّبوه على اليمن طيلة 33 عاماً، وقدّم لهم ثلث الأرض اليمنية، ومن المناطق الغنية بالثروة النفطية، لذلك فإن وفاء آل سعود يجب إلا يتوقف عند هذا الحد، بل يجب عليهم أنْ يجعلوا له نصباً تذكارياً كأحد رواد الدولة السعودية الحديثة، فلقد بذل جهد في توسيع مساحتها لا يقل عن الجهد الذي بذله الملك فيصل، لذلك لا نستغرب وفاء الرياض مع (حاكم 17يوليو)، لأنه كان وفيَّاً لها ولم يكن كذلك مع الشعب اليمني، إلا بإعلان التحدي بالتحدي، الذي معناها قتل الأبرياء والعزل في الشوارع والطرقات وفي المنازل، بل وحرقهم في الخيام، ودهسهم بعجلات بالمدرعات والأطقم العسكرية، لذلك يستحق عن جدارة لقب مخترع نظرية( التحدي) في شعب بائس، مشرَد، نازح، مهجّر، ينام خائفاً ويستيقظ مفزوعاً، يتضور جوعاً، لا مأكل ، ولا مسكن ، ولا لباس، أوضاع اقتصادية في غاية السوء والتدهور، ومستوى معيشة أدنى من الحيوانات في العصر الحديث، إضافة إلى القتل والتدمير والحرائق في كل المحافظات،وصدق الشاعر عندما قال :

أسدٌ عليَّ وفي الحروب نعامةٌ *** ربداء تجفل من صفير الصافر