قريباً.. رحلات جوية بين مطاري القاهرة والريان و مباحثات لاستئناف رحلات المصرية إلى مطار عدن تأجيل موعد انتخابات اتحاد كرة القدم اليمني دولة خليجية تسحب الجنسية من 1145 امرأة باليستي فرط صوتي وصفه بوتين بأنه ''الصاروخ الذي لا يُقهر'' دول تعلن انها ستعتقل نتيناهو تنفيذًا لقرار الجنائية الدولية بصورة نهائية وعقوبات رادعة.. مأرب تحظر حركة الدراجات النارية إنهيار متواصل للعملة المحلية أمام الريال السعودي في عدن اليوم بقنابل وصورايخ خارقة للتحصينات… ضربة جوية قوية في قلب بيروت وترجيح إسرائيلي باغتيال الشبح عربيتان تفوزان بجوائز أدبية في الولايات المتحدة قوات كوريا الشمالية تدخل خط الموجهات والمعارك الطاحنة ضد أوكرانيا
يلتقي السفير الأمريكي بقادة المعارضة، و"أنصار الثورة"، فيقول لهم ما يريدوا سماعه "يجب نقل السلطة فوراً". ويلتقي بأركان نظام علي عبدالله صالح فيقول لهم أيضاً ما يريدوا سماعه وأكثر. "الحل الوحيد الذي تدعمه الولايات المتحدة في اليمن هو الجلوس على طاولة المفاوضات". وبعض الناس كما في المثل الشعبي "يسكر بزبيبة"!!
يدرك جيداً أي إنسان يمتلك وعياً سياسياً عميقاً أن ما تقوله الإدارة الأمريكية في العلن شيء وما تقوله في الغرف المغلقة شيء آخر، بل وربما "عاكس خط". ومؤخرا كشفت الوثائق الليبية أن الولايات المتحدة الأمريكية التي قاتلت مع التحالف الدولي لإسقاط نظام القذافي قدمت، وبكل إخلاص في الخفاء، عبر سفيرها في طرابلس للعقيد القذافي إلى قبل سقوطه بـ3 أسابيع فقط نصائح ومعلومات قيمة لتقليل أثر الضربات الجوية بل واقترحت عليه بعض المناورات السياسية لإبقائه في السلطة مدة أطول.
لا ينتمي هذا السلوك إلى النفاق السياسي طبعاً وإنما إلى تقاليد وأعراف الدبلوماسية الأمريكية التي تحتفظ، دائماً وفي معظم دول العالم، بصلات وثيقة مع كافة القوى وتقف على مسافة متقاربة من أطراف المعادلة السياسية. إنه وضع برجماتي مثالي بالنسبة للدول الكبرى. حتى في الصراع العربي الإسرائيلي ورغم انحيازها المسبق، والمعلن، لإسرائيل أبلغت الولايات المتحدة السفير اللبناني لديها، كنصح أو كتحذير، أن الجيش الإسرائيلي سيجتاح جنوب لبنان قبل اجتياز الحدود بـ36 ساعة فقط بحسب الوثائق الأمريكية.
وبينما تنتقد تقارير الخارجية الأمريكية سنوياً التعذيب في السجون العربية، وبخاصة المصرية والأردنية والسورية، كانت محطة ألك –وحدة تعقب بن لادن- في المخابرات الأمريكية CIA ترسل، طوال 6 سنوات، بعض معتقلي تنظيم القاعدة إلى أكثر السجون العربية احترافاً في التعذيب: المصرية والأردنية والمغربية، وحتى السورية، لانتزاع اعترافات قسرية تحت التعذيب ضمن ما عرف ببرنامج "الترحيل السري" سيء الصيت.
أحياناً أصدم حين أعبر لسياسيين "كبار" عن انزعاجي من الموقف الأمريكي والتباسه. يقتربون منك ويقولون لك بلهجة وثقة من يعلم الغيب "أمريكا مع الثورة" هكذا قاطع مقطوع. متجاهلين حقيقة أن الإدارة الأمريكية في الثورة المصرية تصاعد خطابها تدريجيا من نقل السلطة إلى المطالبة بالتنحي الفوري فالرحيل تماشيا مع إيقاع الشارع المصري. فلم يكد يمضي الأسبوع الأول إلا وأوباما يقول بصريح العبارة "على مبارك الرحيل" بينما ما زالت الإدارة الأمريكية في اليمن حتى اليوم متوقفة عند مصطلح "نقل السلطة" الفضفاض والإشكالي في تأويلاته كمصطلح "خلق القرآن". ربما لأن المعارضة اليمنية "تسكر بزبيبة".
كان الموقف الأمريكي في مصر يتطور يومياً وفق تطورات ميدان التحرير. في مصر ميدان واحد بينما اليمن كلها ميادين وساحات اعتصام ورغم هذا الامتياز والتفوق لم تعد ساحات التغيير، منذ أشهر، هي من يؤثر في القرار الأمريكي والدولي واتجاهه بقدر تأثير القوى السياسية و"أنصار الثورة". ومع الوقت انتقل الجهد الدبلوماسي من الشباب إلى النخب، ومن التنحي الفوري إلى مطمطة المبادرة الخليجية، ومن ثورة خرجت لتغير قواعد اللعبة إلى لعبة جديدة بقواعد قديمة كحديث البيت الأبيض الآن عن"انتخابات مبكرة" دعا إليها قبل شهور الرئيس صالح فرفضت بالإجماع، ودعا إليها قبل جمعة الكرامة وزير سابق فرفضها صالح ذاته فهل يتوقع البيت الأبيض إمكانية تنفيذ ذلك الآن!!
ينبغي أن نتساءل كيف انتقل تركيز كاميرات العالم شيئاً فشيئاً من الساحات وشبابها إلى المنضمين للساحات؟ وكيف استطاع النظام بدهائه الشيطاني جرجرة الثورة إلى أماكن أخرى لم تكن في الحسبان: حرب الحصبة، مواجهات الجوف، معارك أرحب، أما أحداث أبين فقد عبرت عنه، بذعر، صحيفة نيويورك تايمز في 30 مايو بمانشيت عريض: "سقوط مدينة يمنية بيد إسلاميين يزيد المخاوف".
لا أحد يتساءل، بجدية وموضوعية علمية في البحث والاستنتاج، عن أسباب الموقف الأمريكي الحذر والملتبس من الثورة؟ لماذا وكّلت أمريكا ملف اليمن للمملكة العربية السعودية؟ وكيف يغفل كثير من الثوار أن ما كُتب في الصحافة الأمريكية عن محاولة تفجير طائرة الركاب الأمريكية من النيجيري عمر فاروق يفوق ما كتب عن أعظم ثورة في تاريخهم. وما كتب عن الطرود المفخخة (الطابعات) يفوق أضعافاً مضاعفة ما كتب عن جريمة حرق ساحة تعز أو جمعة الكرامة. وكم أتمنى على بعض الشباب بدلاً من الفرز وتفتيش النوايا ولغة التخوين وتشجيع العنف اللفظي، أتمنى أن يزوروا مواقع النيويورك تايمز أو الواشنطن بوست و CNN (ولا أقول فوكس) وأن يتفحصوها جيدا لتكوين وعي وفهم أكثر واقعية. فقط اكتب yemen في محرك البحث وسوف تجد، عند ترجمة المقالات والتغطيات الإخبارية، أن بعضها تنظر لليمني باعتباره "نصف قاعدة" أو بوصفه إرهابياً محتملاً. وبعضها قلق بشأن مصير 3 مليون برميل نفط تمر يومياً بباب المندب. لكن غالبية الكتابات في الإعلام الغربي والأمريكي خاصة، وإن أبدت إعجابها الشديد بالثورة اليمنية، إلا أنها تنظر إليها بوصفها ثورة عظيمة اندلعت في بلد مثخن بالأزمات والجراح والفقر ويقترن ذكره لدى المواطن، والإعلام، الأمريكي بالقاعدة والإرهاب. وقد صُعقت عند ترجمة عنوان تقرير عن تعز، فيه مقابلة مع الناشطة بشرى المقطري، عنوانه "اليمن على شفا جهنم". يال الهول!!
لا توجد للأسف مراكز قياس ومؤسسات صناعة رأي ومعلومات بالمعنى الاحترافي في اليمن. النخب السياسية انعزالية وتقليدية جدا في طرق تلقي ومعالجة المعلومات. إنها تتلقى معلوماتها من إحدى ثلاث: من مقيل أو اجتماع حزبي أو رسالة sms من الصحوة موبايل المعارضة أو 26 سبتمبر الموالية. الصحوة تقول إن جنود الأمن المركزي الذي عرضتهم الفضائية اليمنية قتلوا قبل أشهر في رداع وليس في مسيرة 18/9، و26سبتمبر تقول إن الشهداء الذين عرضتهم قناة سهيل لم يقتلوا في مواجهات كنتاكي والقاع وإنما في أرحب. وبين هذه وتلك يتزايد البغض وتتكاثر أعشاب الكراهية وروح الانتقام ويفقد اليمنيون، يا للخسارة، ثقة بعضهم ببعض أكثر. لماذا؟ لأن كذبة واحدة فقط تكفي لتفقد ثقة نصف خصومك فإن تكررت فقدتهم كلهم! وإذا كان اليمنيون قد فقدوا كلياً ثقتهم بعلي عبدالله صالح ونظامه فلست أبالغ إن قلت أنهم في طريقهم إلى فقد ثقتهم في خصومه ومعارضيه أيضاً إن بقوا في هذه المعجنة.
Absi456@gmail.com