البطانة الفاسدة – أعمدة الحكم في النظام السياسي العربي
بقلم/ د: حسين عبدالقادر هرهره
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 18 يوماً
الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2011 10:48 م

هناك تشابه كبير بين الثورات العربية في الشعارات والتحدي والصمود وسقوط هيبة الأنظمة الحاكمة من قلوب الملايين في وطننا العربي، لقد حكمت هذه الأنظمة بالقمع والقتل والتعذيب وأسكتت أصوات الشرفاء المنادين بالحرية والانعتاق من هذا الكابوس الذي جثم على صدور هذه الأمة عقودا طويلة وأذاقتها الذل والمهانة والهزائم العسكرية.

لقد بقي من هذا المشهد الكارثي العديد من الظواهر التي يجب القضاء عليها وإعادة هيكلتها ليصبح الولاء لله والوطن، فالحاكم القادم لن يكون له من الأمر إلا ما ينص عليه القانون والشرع فقط، وتبقى قضية هؤلاء المنافقين اللذين يعظمون الحاكم ويقدسونه وهم إنما يدافعوا عن مكتسباتهم التي سرقوها من قوت الشعب تحت ظل الحاكم المستبد ويشعرون أن كل مكتسباتهم مرتبطة ببقاء هؤلاء الطغاة، ولذلك لم استغرب عندما قال احدهم في إحدى القنوات  الفضائية إننا نعبد بشار الأسد قبل الله، وآخر يقول أن علي عبد الله صالح هو نبي وآخر يقول انه خامس الخلفاء الراشدين وانه صانع الوحدة وان بقاء الوحدة مرهون ببقائه في السلطة، وإذا فتشت عن أحوال هؤلاء الأتباع لوجدتهم حرامية وقد اكتسبوا من المال الحرام ما يجعلهم عبيدا لأهوائهم وليس فيهم ذرة من ضمير أو إنسانية.

إن قضية البطانة الفاسدة هي سبب كل المشاكل في كل بلد، لان هذه البطانة تصور للحاكم انه بطل قومي وان الشعب يحبه وانه ملهم وانه إنسان استثنائي لم يسبق للبشرية أن حظيت بإنسان مثله، مما يجعل الرئيس يعتقد أن الأمر حقيقي وانه فلتة زمانه، بينما الامور في الشارع تكون قد وصلت إلى مرحلة الانفجار من كثرة فساده وفساد بطانته، وهناك شواهد على هذا الأمر ولعل الجميع يذكر كيف أن الرئيس صالح قبل عدة سنوات صرح بأنه سوف يستقيل لان الكرسي مغرم وليس مغنم وانه اكتفى من الرئاسة ولابد من تسليمها بطريقة سلمية، وانأ اعتقد انه في ذلك الوقت كان صادقا والدليل تشدده في هذا الأمر برغم الاحتجاجات التي واجهها من أعضاء حزبه أو بالأحرى المتنفذين في الحزب وأصحاب المصالح، وقد وجد هؤلاء أنهم سوف يخسرون كل امتيازاتهم، كما انه ليس لديهم شخص يمكن أن يتولى السلطة مكانه، والسبب أنهم عصابة وليس حزبا ولأنهم لو كانوا حزبا لما وجدنا هذه المشكلة.

لقد نجحت مجموعة النفاق في الضغط على صالح حتى تراجع وأصبح بسببهم أضحوكة أمام العالم بل أن الرئيس مبارك سخر منه بقوله (حركات نص كم) بينما لو مضى في قراره إلى النهاية لأصبح الزعيم العربي الأول الذي يتنازل عن الرئاسة، وكان سيصبح بطلا قوميا لكل العرب وكنا سنرى الربيع العربي مبكرا بمطالبة الشعوب حكامها بالاقتداء بالرئيس صالح،وكان اليمنيون سوف يخلدونه في تاريخهم بأنه الرجل الذي رفع رأسهم بين العرب وكان سيصبح الرجل الذي يحبه أبناء وطنه وأمته ويعيش بينهم رمزا ولكنها النفوس الخسيسة والبطانة الفاسدة وعدم الخوف من الله، ولا زلت اذكر مقال الكاتب الكويتي الشهير المرحوم احمد الربعي في جريدة الشرق الأوسط حينما ناشد الرئيس صالح بقوله: لا تتراجع أيها الرئيس عن قرارك ولا تستمع إلى المحيطين بك من أصحاب المصالح ولا تصدق ما يقومون به من اجل إقناعك فسوف يخرجون المظاهرات المطالبة بعودتك لأنه ليس لهم هدف سوى مصالحهم وشدد على أن الرئيس صالح سوف يكون قراره بمثابة الخلاص للدول العربية التي يحكمها رؤساء مضى عليهم عشرات السنين وعطلوا القوانين ونهبوا الأموال وأشاعوا الفساد في الأرض، كما لازلت اذكر أن قناة الجزيرة كثفت لقاءاتها معه بسبب تصريحاته التي جعلت الشارع العربي كله يحبس أنفاسه وهو ينتظر اللحظة التاريخية التي تمناها كل مواطن عربي وكان يعول عليها أن تكون المنعطف البارز في مسيرة السياسة العربية ولكنه مع الأسف تراجع وخذلنا جميعا، وصدق بطانة السوء التي أوحت إليه أن اليمن لا يوجد فيها من هو بمثل كفاءته وان الوطنية تتطلب منه التراجع لتستفيد من عبقريته الأمة.

 وانظروا إلى الأحزاب في كل أنحاء العالم وهي تقدم في كل دورة انتخابية مرشح مختلف إذا فشل مرشحها في الانتخابات، أما في اليمن وبقية البلاد العربية فلا يوجد إلا الزعيم الأوحد والملهم والفلته الذي لم يجد الزمان بمثله، فإذا حدث له مكروه وقعت المصيبة لان هذه الأحزاب ليست إلا أوكار عصابات، فالرئيس صالح ليس له بديل وحتى نائبه هادي لم يصدر فيه مرسوم جمهوري حتى اللحظة ووضعه القانوني انه ليس نائب ولكن بسبب الفوضى التي تجتاح اليمن أصبح نائبا بدون قرار، والقذافي بدون بديل لأنه نبي الصحراء ومجاهد ومقاوم من الخيمة ومن البادية، ومع الأسف أن ليبيا كانت تحت حكم رجل عاقل وحكيم هو الملك إدريس السنوسي ولكن السعار الذي أحدثته الثورة المصرية بادعائها القومية زورا وبهتانا أشعل الفتيل وخرج الناس إلى الشوارع يدفعهم الحماس المتهور وانظروا ماذا كانت النتيجة واذكر أن المظاهرات التي خرجت ضد الملك في ليبيا كان شعارها (يحكمنا إبليس ولا يحكمنا إدريس) فكان رده عليهم ربنا يحقق لكم ما تتمنوه، ورفض أن تراق قطرة دم وقد تولى ابليس فعلا حكم ليبيا وانظروا النتائج المريعة التي نشاهدها بسبب هذا الشيطان البشري، وحسني رفض رفضا قاطعا أن يكون له نائب لأنه كان يخطط لتولية ابنه جمال ولديه من المحيطين به مثل صفوت الشريف وشلة من رؤساء تحرير الصحف الذين كانوا يسبحون بحمده و يزينون له الأمر حتى أوردوه موارد الهلاك، وبن علي في تونس الذي ليس له نائب سوى زوجته ليلى الطرابلسي التي كانت الحاكمة الفعلية لتونس، وأخيرا بشار الذي قام المنافقون من حزب البعث بتفصيل الدستور السوري على مقاسه وتم تغيير مواده في جلسة سريعة قبل أن يوارى جثمان ابيه الثرى وأصبح موضة يتطلع كل حاكم عربي أن يقلده فيها ويخطط لتوريث ابنه وكانت سابقة يتحمل ابيه وحزب (العبث) وزرها ووزر من عمل بها حتى أصبحت دولنا التي كانت ثورجيه لا ندري هل هي جمهوريات أم ملكيات لأنها شكل جديد لم يسبق للبشرية أن رأت مثله.

وبالعودة إلى ما سبق نجد أن القاسم المشترك بين كل هذه الأنظمة هو مجموعة المنافقين الذين يحيطون بالرئيس، وبالرغم من أن ربنا سبحانه وتعالى اعد لهذه الطبقة من البشر في الاخرة عذابا اكبر من عذاب أهل الكفر وقال(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار)(سورة النساء الاية 145) إلا إنني لم أدرك ماهية هذه النوعية من البشر إلا بعد أن شاهدت عبده الجندي وياسر اليماني وطارق الشامي والصوفي وقبل كل هؤلاء سلطان البركاني، وأدركت حينها قول رب العالمين في هذه الفئة لأنهم خطر على أي مجتمع وكارثة محققة لأنهم يقلبون الحق باطلا والباطل حقا ويثبطون الهمم ويؤلهون الحاكم ويزينون له سؤ عمله ويجعلونه يتشبه بفرعون الذي قال (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)(سورة غافر الآية 29) لذلك قال الرئيس صالح انه صمام أمان الوحدة وان خروجه من اليمن سيؤدي إلى انقسام اليمن إلى عدة دول، ويقول أيضا انه إذا ترك الحكم فسوف تقوم الحرب الأهلية بين اليمنيين وكل هذه التصريحات موثقة وهي ببساطة تقول ما أريكم إلا ما أرى.

إن هذه الطبقة من اهل الحكم هم الخطر الذي يجب منع تكراره في أي حكومة عربية قادمة لأنهم سببا في تعثر الثورة والمطالبة بالحقوق وهم سببا في سفك دماء الشعوب بل أني اجزم أن صالح لو قرر من البداية أن يتنحى لسلم من محاولة اغتياله ولكنه تجاوب معهم وجعلوه يهلك شعبه ويهلك نفسه، ولابد من تطهير كل بلد عربي من هذه الفئة لأنهم سرعان ما يتلونون فلا عهد لهم ولا مبدأ ولا دين.