كيف أصبحت الفتوى جزءً من المشكلة؟
بقلم/ عبد الله بن غالب الحميري
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 16 يوماً
الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2011 01:52 م

الفتوى حكم شرعي، وقضاء عادل، وقول فصل، وحل ناجع، وبلسم شاف لمشكلة الفرد والجماعة والأمة، كما هي نور وهداية، تشفي العي، وتكشف العمى ، وترفع الجهل، وتزيل الحيرة، وإليها تفزع الأمة في حل كل معضلة ، وكشف كل مضلة .

فكيف أصبحت الفتوى اليوم جزء من مشكلتنا؟ وسبباً في فتنتنا وافتراق كلمتنا؟ وما الذي أضافته فتوى ما يسمى بمؤتمر(جمعية علماء اليمن) الذي جمع أخلاطاً من الوعاظ والقراء وأنصاف المتعلمين، لا ينطبق عليهم وصف من أوصاف أهل الفقه والفتوى ،الذين قال عنهم الإمام ابن القيم، رحأه الله: ( فقهاء الإسلام ومن دارت الفتيا على أقوالهم بين الأنام الذين خصوا باستنباط الأحكام وعنوا بضبط قواعد الحلال والحرام).

  فيما إذا استثنينا نزراً يسيراً ممن قد ينطبق عليهم الوصف الآنف من أهل العلم .

ولكن ما الذي أضافته هذه الفتوى من حلول جديدة للأزمة الراهنة؟ وما الذي غيرته من الواقع الملتهب؟

فمن المعلوم أن هذا المؤتمر كلف خزينة الدولة الملايين من الريالات ما بين نفقات سفر للمشاركين، وأجرة فنادق، وطباعات بحوث، وغيرها كثير.... يأتي ذلك في وقت الأمة أحوج ما تكون إلى أمس الخدمات بها ضرورة! فما هي الفائدة العائدة على الشعب من هذا المؤتمر، وما جدوى فتواه التي خرج بها؟

والحق أقول: لقد جاءت الفتوى المذكورة مخيبة للآمال، ومشكلة أخرى زادت الطين بلة، والمرض علة،

وكما قيل: يحللون بزعم منهم عقداً وبالذي وضعوه زادت العقد ...

فإضافة إلى إزرائها بدور العلماء وضعف أثرهم في الواقع، وما سببته من نزع الثقة بهم ،وإسقاط مهابتهم ، وتسليط ألسنة الحاقدين عليهم، فقد كانت فتواهم باب فتنة جديدة يفتحه النظام المتسلط، لتوسيع دائرة الاختلاف بين العلماء وفرقة كلمتهم وإشغال بعضهم ببعض، في وقت هم أحوج ما يكونون فيه إلى التماسك والاتحاد والقوة، والأمة أشد ما تكون حاجة وأعظم ضرورة لفقههم وعلمهم ونصحهم، لإخراجها من محنتها .

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما

وقد أحرز الحاكم للأسف نجاحاً كبيراً في تحقيق هذا الهدف، وأضاف للشعب مشكلة جديدة، هي: مشكلة الفتوى، وعلماء اليمن .

كما أن النظام أدرك تحقيق بغيته في استخراج فتوى سياسية جائرة، تدين الشعب في تحريم تظاهراته واعتصاماته السلمية، وتصادر منه هذا الحق الذي كان الوسيلة المتاحة له في التعبير عن رأيه، لا بل وصل الإجحاف والتطرف في الفتوى، إلى جعل ذلك الحق مظهرا من مظاهر الخروج المحرم على ولي الأمر الشرعي ، الذي جزمت تلك الفتوى بحرمة الخروج المطلق عليه بدون شرط ولا قيد! بل تجاوز بها الحيف وعدم الإنصاف، إلى جعل ذلك فسادا في الأرض وبغيا وخروجا عن جماعة المسلمين! وبالغت في اءغلو إلى أن جعلت ذلك الزعم مما أجمع عليه علماء الإسلام قاطبة!! فأي فتوى أو فيتو على الأصح يطمع أن يحصل عليه أي حاكم مستبد أعظم من هذا؟ !!

وليت الأمر وقف عند هذا الحد من الكرم والسخاء في الفتوى ، حتى تكون المصيبة أخف والخسارة أقل، ولكن الفتوى أعطت الضوء الأخضر والصبغة الشرعية، للقوات الأمنية ، بأن ما تقوم به من قمع للمعتصمين، وترويع للآمنين، وما يقوم به الحرس الرئاسي، من قصف وتدمير للقرى والمدن، بأنه دفع للصائل وجهاد في سبيل الله تعالى !

قد كانت الفتوى واضحة في تحيزها لجانب السلطة كل الوضوح، حينما لم تشر من قريب أو من بعيد، للتأكيد على حرمة دماء المتظاهرين السلميين، كما أكدته فتاوى من قبلهم من العلماء، ولم تدن أيا من الاعتداءات الواقعة عليهم، كما لم تكن شجاعة في جعل السلطة طرفا في النزاع، ولم تدع رئيس السلطة إلى سرعة المبادرة للتوقيع على المبادرة الخليجية، وقد صرح مرارا وتكرارا بموافقته عليها وقبوله بها، على الرغم من توقيع الطرف الآخر وتوقيع حزبه عليها، وتوقفها عنده، بل توقف حل اءأزمة برمتها على توقيعه، وعلى الرغم من وضوح الأمر وجلاء الحل لكافة أبناء الشعب، إلا أن علماء الجمعية المذكورة، لم يكلفوا أنفسهم العناء بدعوة صريحة صادقة للرئيس، إلى عمل الحل الأمثل، ولم ينصحوا له كما يجب عليهم، من أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام، ولم يعيروا لصدق النصيحة هنا بالا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الدين النصيحة إنما الدين النصيحة إنما الدين النصيحة فقيل لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم) أخرجه مسلم .

  كما لم ينصح العلماء الأجلاء للشعب المظلوم المغلوب على أمره، ولم يقفوا مع مطالبه المشروعة، وحقوقه المسلوبة، ولم يراقبوا قبل ذلك وبعده، هيبة الله جل جلاله، في أمانة العلم، والصدع بكلمة الحق، لا يخافون في الله لومت لائم، ويشتروا رضاه بسخط غيره، وقد كان يسعهم قبل ذلك النأي بأنفسهم عن الحضور والظهور، ولزوم السكوت على ما فيه، ولكنه أهون من تبعات هذه الفتوى التي سيسألون عنها غدا بين يدي الله الذي هو أحق بالخشية والتقوى من غيره، القائل سبحانه:(ستكتب شهادتهم ويسألون) كما سيتحملون عاقبة تصلب موقف الحاكم وزيادة صلفه والاستمرار في غيه، ويتحملون كل قطرة دم تسفك، أو روح تزهق، أو مال يسلب، أو عرض ينتهك بغير حق، بسبب هذه الفتوى، التي لم تراع مقاصد الشرع والفتوى زمانا ومكانا وحالا ، ولا تحقق مصلحة ، ولا تدفع مفسدة، وغدا الموعد ، وعند الله تجتمع الخصوم .

* عضو هيئة علماء اليمن

وخطيب في ساحة الحرية بمحافظة إب

alhmeri2012@hotmail.com