الحسم العسكري...ما بين غزة وصنعاء
بقلم/ محمد الأغبري
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 7 أيام
الإثنين 17 أكتوبر-تشرين الأول 2011 06:35 م

ما بين غزة قبل الحسم الحماسي، واليمن قبل الحسم الثوري تشابه يحتم على المتابع استخلاص محدداته ، قراءة الوقائع وتشابهها واستخلاص النتائج وعواقبها لابد وأن تكون حاضرة مع استصحاب وافٍ للبساط التاريخي. سأحاول استعراض حالة غزة قبل الحسم العسكري الحماسي عام 2007م وأثناءه لعلي أخرج بمقارنة تفيد في حل معضلة وضعنا الصعب الذي نعيشه.

 البداية المألوفة:

 بعد عامين من الانتخابات (وفوز حركة حماس) بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني، وبعد مآل الآمر ( ديمقراطياَ) إلى حماس، أنكر أهل الديمقراطية دينهم وديدنهم وعكفوا على نقض المبادئ بكل السبل، حتى وصلوا إلى سبيل القتال المسلح في الشوارع.

أوحت إليهم شياطينهم أن الكي هو العلاج السليم لظاهرة حماس المستشرية في كل فلسطين بل وفي كل أرض إسلامية، وبدأت قيادات الاستخبارات والبلاطجة سعيهم الحثيث لقمع إرادة الشعب، كانت العناصر المسلحة قد بدأت نشر الرعب بين الناس.

انتشرت العصابات التي يقودها دحلان وأتباعه في الشوارع والحارات، عبثت بكل شئ ،قتلت وسفكت دماءَ طاهرة، وعاثت في الأرض فساداَ.

خليط اللعبة الدولية هو نفسه ذلك الخليط، أمريكا، وإسرائيل، الاتحاد الأوروبي، الدول المجاورة ثم أخيراَ دول الخليج. سيتعجب الكثيرون ممن لم يتابعوا الأحداث أن دولة عربية خليجية كانت تدعم الفريق الدحلاني بقوة بالرغم أن حماس لم تكن خطراَ عليها في يوم من الأيام ( ومثله يجري في اليمن).

أمعنت (الحكومة المصرية) في قمع المجاهدين في غزة، وأمعن العرب في دعمهم ثم أكمل الغرب الإحكام المطبق للقطاع. لكن السياسة الحرة للكبار في القطاع الصغير كانت أقوى من أن تكسر.

السياسة الحرة :

السياسة الحرة، هي النهج التي اتبعته حماس حين تعاملت مع الجميع، تفاوض مع استخبارات دحلان ومصر ولكن بكبرياء، ثم حوار مع الغرب الأوروبي وبكبرياء أيضاَ مع كمية وافرة من الذكاء السياسي.

لم يكن الغرب والعرب والعالم قد سمعوا بمصطلح السياسة الحرة في المنطقة العربية، ولذلك ظلوا يتعاملون مع حماس على أنهم شرذمة قليلون على مبدأ آل فرعون ( إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائضون. وإنا لجميع حاذرون).

السياسة الحرة هي أن تجبر الآخر على احترامك والتعامل معك كند وورقة فاعلة غير قابلة للتغيير، هي أن تجبر الآخر على أن يضع لك ألف ألف حساب في المعادلة الإقليمية، وهي أن تجبر الآخر على قبول حلولك حين يلزم الأمر.

قوة السلاح والبندقية كانت حجر زاوية في السياسة الحرة، التوسع والانتشار أيضاَ كان حجر زاوية مقابل ، وعدم قبول المال المشروط مثل الحجر الثالث، ثم يأتي الحجر الرابع والأهم وهو استعلاء الإيمان وعلو الحق.

استطاعت حماس أن تحسم الوضع لصالحها في غزة حين علمت أن لا سبيل آخر لها ، فتلاعب سياسي يقوم به الطرف الآخر مع من يحمي ظهره في الإقليم والعالم، واستياء داخلي من الوضع الأمني المنهار، إذن لا بد من الحسم السريع.

كانت حماس قد أعدت عدتها كحركة مجاهدة، وكانت عدتها في الجهاد التوكل والثقة واليقين والصبر، ثم ما جمعته الأيام من أسلحة خفيفة ومتوسطة سددها رمي الله تعالى ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).

ثلاثة أيام فقط كانت كافية لإخضاع كل المجرمين في القطاع، كانت كافية لإخضاع السفينة ( مبنى المخابرات في غزة) الذي يعد أحد أكبر مقرات المخابرات في المنطقة.

ثلاثة أيام فقط كانت كافية لإخضاع كل المخبرين والبلاطجة والإعلام الأجوف الذي ينطلق من القطاع، ثلاثة أيام فقط كان فيها إحقاق الحق وإبطال الباطل ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاَ).

لقد كان الإجماع الدولي على إخضاع حماس وعدم السماح لها بالحكم في أوجه، ولكن الحرية التي امتلكتها الحركة وقيادتها كانت كافية في فض الإجماع الدولي والرمي ببقاياه في عرض الأطلسي.

فرض الأمر الواقع في غزة قلب الموازين الدولية كلها، أجبر الجميع على إعادة الحسبة من جديد، معادلة دولية جديدة ظهرت، وعوامل كثيرة تم تجاوزها.

إنها الثقة :

حين سيطرت حماس على الوضع في غزة لم تكن هي من بدأ العدوان، لكنها كانت خطوة جريئة من أجل حل المشكلة الأمنية وما يصاحبها، ومع ذلك فالعامل المهم الذي سهل لحماس الحسم كان ثقتها بنفسها وبمبدئها التي قاتلت من أجله، ثم ملل الناس من الوضع الأمني المتردي، والعبث بمقدرات الوطن.

الثقة بالمبدأ تعطي الدافع اللازم لإخضاع الآخرين تماماَ، إخضاع ليس بعده رفع للرأس إلا باستئذان أو باستخفاء، والآخرون هنا هم تلك القوى التي تدعم الطواغيت.

والثقة لا تعني تعدي الحق إلى الباطل لأن ذلك تحول عن الثقة إلى الطغيان، وهنا محمل التنبيه على مراجعة النفس في انضباطها على المبادئ.

محاولة لاستنساخ غزة:

ما يجري في اليمن مع اختلاف العوامل وتعدد التوجهات في الساحة يحمل تشابهاَ كثيراَ، فأمريكا هي أمريكا والخليج هو الخليج بنفس اتجاهات الولاء نحو غزة أو اليمن، وأوروبا تحمل تشابهاَ نوعاَ ما في ميولها، واختلاف شخصية الزياني عن شخصية عمرو سليمان لا يعني اختلاف (مبدأ الاثنين) نحو الدولتين.

التنوع الداخلي في اليمن يتشابه إلى حد بعيد مع التنوع الداخلي في غزة، فهناك العلمانيون والشيوعيون والإسلاميون باختلاف مدارسهم الفقهية والحركية، وهنا أيضاَ كذلك. بالإضافة إلى انتشار السلاح بين الجميع.

والسؤال الأخير :

هل تتكرر تجربة الحسم في غزة ثانية في اليمن؟

ستكشف الأيام القادمة إجابة صريحة عن هذا السؤال، فإن كانت (نعم) فالله نسأل التوفيق والسداد. وإن كانت (لا) فالله نسأل الصبر والثبات.

والله المقصود وله الحمد في الأولى والآخرة......