حصار دماج.. فيلم سيئ الطابع والإخراج
بقلم/ كمال الحارثي
نشر منذ: 13 سنة و 6 أيام
الإثنين 21 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 06:37 م

يكاد هذا الحدث يحتل مرتبة لدى الرأي العام المحلي لا تقل عن مرتبة الحديث عن الثورة والاحتقان السياسي ، ما يجعل العلاقة بينهما متداخلة إلى حد ما ، بفعل التوقيت وموقع الطرف القائم بالحصار ( الحوثي) في خارطة العمل الثوري ، وقد يبدو إيجاد العلاقة ترفاً في نظر البعض ، لكن ما ينبني على إثبات وجودها قد يؤكد أنها صنيعة لا تختلف عن سابقاتها ضمن محاولة الانحراف بمسار الثورة عن طريق التهديد بالحرب الأهلية والانفصال والقاعدة وأخيراً الطائفية كناتج طبيعي بزعمهم لعملية التغيير والفراغ الأمني والسياسي المرافق لها .

وعلى الرغم من أن جماعة التمرد الحوثي لها تواجدها المبكر والقوي في صعدة إلا أن فكرة حصار دار الحديث السني غير واردة في سياقهم التوسعي ، ولم تظهر خلال الفترة الماضية أي بوادر لاحتراب طائفي بين الحوثيين والسلفيين في دماج إلا من حالات صغيرة لم تكن تمثل حتى مجرد شرارة عنف طائفي . وهذا يقودنا إلى احتمال قيام طرف معين في قبض ثمن سياسي مقابل بيع موقف والدفع باتجاه التوسع الحوثي في المناطق المتاخمة لتواجده وفي طريق ذلك تحقيق أسوأ الاحتمالات التي روج لها هذا الطرف بحيث يقوم بإشعال الفتيل بين أطياف تعد بلا منازع أكثر الأطراف قابلية للانفجار ، وهذا بدوره سيشبع ويشجع نزعة الحقد الطائفي لدى الحوثيين ، ما يعني نجاح تام في إخراج هذا الفيلم الكارثي.

لقد أثبت الواقع سلفاً تواطؤاً واستخداماً قذراً لهذه النبتة الطائفية من قبل النظام وعمل على إكسابها عوامل القوة والمناعة من خلال وملابسات ستة حروب ماضية ، وما يدور اليوم من عملية توسع لهذه الجماعة المسلحة باتجاه البحر ووصولها إلى أطراف محافظة حجة بدون أي موقف وطني من قبل آلة النظام العسكرية التي ركزت كل جهدها على قمع المتظاهرين وتوفير الطريق الآمن للمد الحوثي الذي عبر المسافات وتجاوز النقاط الأمنية وألوية عسكرية بدون مقاومة تذكر . هو جزء من براهين ذلك .

لقد كانت فكرة التواطؤ الرسمي مع التمرد الحوثي قبل هذا الظرف تبدو شديدة الغرابة ، ويحاول البعض من المؤمنين بها تأكيدها عن طريق الاستشهاد ببعض التصريحات السياسية التي توحي باتفاقات من نوع معين ، بينما التأكيد عليها من واقع الأحداث المتعاقبة أوضح من تأكيدها في الخطاب السياسي ، ولم يكن متوقعاً البتة أن يصير سلفيو دماج إلى هذه القناعة حتى عايشوا مؤكداتها في وضح النهار وهو ما أكده لي كثير منهم ممن قابلتهم .

وأؤكد للقارئ الكريم غناه عن التساؤل عن مصلحة النظام في تأجيج الطائفية وتمكين المد الحوثي من التسارع باستغنائي عن الجواب والإحالة إلى متابعة الموقف الرسمي مما يحدث رغم أن أحد الأطراف وهو المعتدي يمت للثورة بصلة والآخر يتبنى موقفاً مضاداً من الثورة ، وكان بمقدور النظام أن يثبت براءته باتخاذ خطوات جادة تؤكد وجوده تبعاً لبراءته ، كما أن إعلامه الرسمي بإمكانه الضرب على وتر وجود الحوثي في ساحات التغيير وتعميم الجرم بطريقة النظام المعتادة على بقية فصائل الثورة ، ولكن وجود تحركات دبلوماسية لبعض سماسرة النظام بين السبعين وطهران تحد من قدرات النظام على إيضاح أو إثبات براءته ، وتأتي هذه التحركات امتداداً لوعود سابقة بمنح الحوثيين إقليم كبير في تراب الوطن مقابل استخدامه في إرباك العمل الثوري بأسلوب معين .

لماذا مركز دماج؟

ببساطة شديدة يأتي القول ان استهداف دار الحديث بدماج بالحصار كونه يمثل العمق السني المتشدد صاحب الأيدلوجيا المناهضة لفكر الشيعة ، وهذا الأخير هو مذهب الحوثي وجماعته ، ولنفس السبب يرى الحوثيون أن التوسع خارج صعدة أهم منه تصفية المحافظة من أي تواجد سلفي فكان شرط فك الحصار خروج السلفيين من مركز دماج الذي يمثل غصة في حلوقهم باعتباره منبع فكري يهدد الوعي الشيعي ، واستند هذا الموقف الحوثي على طبيعته الوحشية في التعامل مع أي مخالف ، وهو نتيجة تراكم تاريخي في العداء ايضاً . وبرأيي أن الخوف من تأثير الحرب الفكرية التي يمثلها دار الحديث لا ترقى إلى مستوى التهديد لكنه الحقد لا أكثر ، إذ يلاحظ أن وجود هذا المركز ما يربو على أكثر من ثلاثين سنة ، ورغم احتكاره صفاء العقيدة وادعائه التميز العقدي والذب عن السنة وعلى ضوئه وزع الألقاب الحركية ( فلان أسد السنة ، وآخر سني صلب ، وآخر ناصر السنة) ورغم لومهم المتكرر وذمهم بقية الحركات الإسلامية لعدم اهتمامها بالعقيدة إلا أن هذا التميز أخرج أو سمح بخروج أكبر طائفة وأشدها عداءاً وعنفاً في تاريخ الطوائف الإسلامية في المنطقة نفسها ، المثير للضحك أن التواجد الاثنى عشري قبل مركز دماج يكاد منعدماً ، بالإضافة إلى عدم انتظامه في حركة مسلحة وقوية. وأصبحت النسبة الكبيرة في صعدة تتبنى هذا المذهب بالإضافة إلى امتداده في بقية المحافظات وإن بشكل خفيف ، واقتصر دور دار الحديث على زعزعة الصف السلفي وتهديمه من الداخل نتيجة المنهج المنشغل بالقدح وجرح العلماء والجماعات وتصنيفهم وتوزيع مفاتيح القبول أمام بعض العلماء وإغلاقه أمام آخرين .

أتذكر طريقة تناول بعض السلفيين للحرب بين الحوثيين والإصلاح في الجوف بأسلوب التشفي ، وبالذات أنهم أي الحوثيين أيضاً يتواجدون مع الإصلاح في ساحة التغيير ، بينما ينظر الآخرون لما يدور اليوم في دماج على أنه وضع يستدعي التدخل عن طريق كبح الجموح الطائفي وتفعيل دور المنظمات الحقوقية والانسانية والوساطات ، وهم على وعي تام أن ما يدور جزء من سياسة النظام الفاسد الذي يتنكر حتى لمن أضفى على ولايته وكرسية قداسة شرعية .

الحاصل أن ما يحصل هو عبارة عن ترجمة الحقد إلى تنفيذ مخطط قذر يستهدف أبرياء وهو ما دعا إلى استنفار كبير داخل الصف السلفي بمختلف مكوناته وعملت قياداته على تجييش المتعاطفين في مناطق مختلفة من اليمن من أجل الدعم الإنساني والمسلح ، ما كشف عن تجاوب كبير لكنه يفتقد إلى أسلوب رد الفعل المحنك المنضوي على تخطيط لوجستي وعسكري ، مكتفين بالدافع الطوعي لدى المناصرين ، وقد ناقشت بعض من حضروا اجتماعات المناصرة وأكد أن الاجتماع انفض على توصيات عادية جداً تتمثل في تسجيل الراغبين في الدفاع بالحضور اليوم التالي والتوجه صوب المذبحة .وهنا يظهر الخطر القادم إذ أن عدم تكافؤ القوى وبروز قوة الحوثي كقوة ضاربة يجعل من المهم جداً إشراك عدد كبير من المتعاطفين وهذا يعني توسيع الحرب الطائفية على الصعيدين المكاني والزماني .

وفي الأخير لا بد من القول أن على المجتمع أن يتحمل مسؤليته تجاه هذا المؤشر الخطير الذي ينذر كل قيم التعايش ويقتل أحلام اليمنيين بالغد الوارف استقراراً ورخاءً .

وهنا تجدر الإشارة إلى إيجابية موقف الشيخ الحجوري المسئول عن المركز حيث استبعد الدفاع المسلح ، وقال أنه سيعمل على استخدام كل أساليب السلم عن طريق الصلح القبلي والوساطات وغيرها ، وتعاطيه مع الوسطاء بمرونة وحكمة وترحيب ، كما أنه أوعز إلى كل المناصرين أن يجعلوا الدفاع المسلح خارج الأولوية ، وقد سمعت بعض خطاباته وهو يتمتع بثقة ومعنوية عاليتين .

لكن ذلك يقابله حقد وعناد حوثي لا يقتنع بغير مغادرة السلفيين للمنطقة .

فهل يمكن إذابة المسافة بين الموقفين ؟ أم بات من المتوقع أن يتمدد الحقد بينهما ؟