أبناء الجنوب "أصوات نشاز" !
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
الأحد 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:26 م

أثناء لقاءه في القاهرة بوفد من البرلمانيين والسياسيين اليمنيين المؤيدين للثورة اليمنية ، امتدح الكاتب المصري المعروف / محمد حسنين هيكل الثورة اليمنية بقوله للوفد اليمني الذي التقاه "بأنه متيم باليمن وعاشق له ، وأنه مع الثورة قلباً وقالباً ، وأن تصريحاته بشأنها على قناة الجزيرة قد فُهمت بشكل خاطئ من قبل الكثيرين في اليمن ، كما قال : "بأنه يتابع ثورة الشباب السلمية بإعجاب وانبهار شديد ، على اعتبار أنها الثورة الحقيقية التي تنبأ لها بالنصر القريب على حد قوله" ، وقد جاء هذا المديح بعد أيام قلائل فقط من تصريحاته السابقة على قناة الجزيرة ، التي كان قد اعتبر فيها أن ما يحدث في اليمن ليس ثورة ، وإنما محاولة لإيجاد دولة .

 كما أضاف هيكل في ذات اللقاء بأن " أكثر ما يقلقه في اليمن هي تلك "الأصوات النشاز" – على حد تعبيره - التي تنادي بالانفصال والعودة إلى التشطير" ، وتحت هذا الخبر مباشرة - والذي تم نشره على موقع المصدر أونلاين قبل حوالي أسبوع تقريباً - كنتُ قد قرأت تعليقاً – مستفزاً - لأحد القراء رداً على هيكل كان فحواه " ... يعني - قصدك - أنّ أبناء الجنوب .. أصوات نشاز " ؟! وبالمناسبة هذا التعليق تم حذفه من قبل إدارة الموقع بعد أن كان قد نُشر .

 إن ما استفزني حقيقة في هذا التعليق هو أنه لم يُقوَّل هيكل مالم يقله فحسب ، وإنما لأنه اعتبر كل أبناء الجنوب "انفصاليين" ، وهذا اتهام خطير، لا يمكن أن يصدر إلاً من قبل ذلك الطابور الخامس في جهاز "الاستخبارات " لبقايا نظام صالح الآيل للسقوط ، وليس من مواطن يُفترض أن يكون حريصاً على وحدة بلاده ، مع أنه يغلب على ظني أن كاتب التعليق ذاك قد يكون جزءاً من ذلك الطابور الخامس لبقايا النظام ، كما أنه قد أثار عندي تساؤلات كثيرة حول تلك الأصوات "النشاز" بحسب تعبير هيكل - والذي أوافقه الرأي تماماً في توصيفه ذاك – تلك الأصوات التي كانت قد خفتت مع بداية الثورة قبل أقل من عام ، لكنها ما لبثت أن ظهرت مرة أخرى متسللة مع الأحداث الساخنة ، في محاولة "مقيتة" منها لتعكير صفو الأجواء الثورية ، التي وحدت اليمنيين على اختلاف مشاربهم في كل أرجاء الوطن الواحد ، دون مسميات "عفنة" تحاول جاهدة تقزيم الوطن الكبير، المتسع للجميع ، واختزاله في "كونتينات" ضيقة لا تشبع سوى نهم تلك الرغبات المريضة لأصحابها على حساب الوطن .

لقد تابعت - على سبيل المثال - خلال الأشهر الماضية سلسلة اتصالات عبر قناة الجزيرة مباشر، أستطيع وصفها بـ "المنتظمة" والتي بدت لي وكأنه قد تم التخطيط لها سلفاً ، وهي ترد من أناس يُعَرِّفون أنفسهم للقناة بأنهم من أبناء الجنوب ، وجُلهم يعلنون تعاطفهم الشديد مع إخوانهم في "الجمهورية العربية اليمنية" ضد نظام الرئيس صالح ، كما لفت انتباهي أيضاً بأن معظم تلك المكالمات ترد من السعودية ، وهي كانت ولا تزال تزداد ضراوة كلما كان هناك حدثاً ساخناً داخل الساحة اليمنية ، كجمعة الكرامة ومحرقة ساحة الحرية بتعز .. وغيرها من الأحداث الساخنة . وأتساءل هنا .. من هو المستفيد ياتُرى من ارتفاع صخب مثل تلك الأصوات التي تحاول تقسيم الوطن الواحد ؟!

شخصياُ .. لا أجد متهماً في إدارة هذه اللعبة ، وتلك الفبركات "المنظمة" سوى جهاز استخبارات عائلة صالح ، كواحدة من أوراقه الكثيرة التي حاول – عبثاً - اللعب بها ، مثل ورقة الإرهاب وتنظيم القاعدة ، وميليشيات الإخوان المسلمين ، وغيرها من الأوراق التي أراد أن يظهر للعالم من خلالها أن اليمن بدونه ستصبح وكراً وموطناً للإرهاب وللمتشددين الإسلاميين ، ونسي أن هذه الأسطوانة – أعني أسطوانة البُعبع الإسلامي- صارت "دقة قديمة" ومفضوحة ، وكان يتوجب عليه أن يستخدم أساليب أكثر حداثة ومواكبة للعصر حتى يصدقه العالم .

بكل الأحوال لا أحد يستطيع – على الإطلاق - المزايدة بوحدوية أبناء الجنوب ، أو التشكيك بوطنيتهم وولائهم لليمن الواحد والكبير ، المتسع لجميع أبناءه ، كما لا يستطيع أحد كذلك التشكيك بعدالة قضيتهم ومشروعية مطالبهم ، وكذا كافة حقوقهم التي تعرضت للنهب والمصادرة بعد حرب صيف 94م ، لكن على الجميع أن يفهم - وبمقدمتهم إخواننا في الجنوب - أن نظام صالح وعائلته وبلاطجة نظامه هم من قاموا بنهب وسرقة تلك الممتلكات ، وليس إخوانهم اليمنيين في الشمال الذين تضرروا بنفس القدر هم أيضاً بشكل أو بآخر من تلك العصابة التي كانت تتحكم برقاب اليمنيين ، بل وحتى مصطلح "الدحابشة" الذي ظل رائجاً طوال السنوات الماضية ، نحن نبرئ إخواننا في الجنوب منه تماماً ، ونعتبره ماركة حصرية من إنتاج نظام العائلة بغرض زرع الكراهية بين أبناء الوطن الواحد .

بالمحصلة .. نحن على ثقة كبيرة بأنه وبمجرد زوال نظام "البلطجة" ستزول كل مظاهر الخلافات بين اليمنيين – أو على الأقل هذا ما نؤمله - وسيكون على الحكومة القادمة المنبثقة عن ثورة الشباب وضع " القضية الجنوبية" في أولى أولوياتها ، يليها في الأهمية ملف صعدة ، والشباب في كل الساحات يعلنون ذلك بشكل دائم ومستمر ، وإلى أن يتحقق ذلك بشكل عملي على أرض الواقع .. سيصبح كل صوت ينادي بتشطير الوطن وتمزيقه هو فعلاً "صوت نشاز" يجب أن يقلق كل اليمنيين قاطبة ، قبل أن يقلق هيكل .

* كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية

الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن