السَّلفيون والإخوان .. أول حصاد الربيع العربي !
بقلم/ حبيب العزي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
الجمعة 02 ديسمبر-كانون الأول 2011 06:01 م

الإسلاميون .. هذا المصطلح الذي لطالما حاولت الأنظمة الدكتاتورية في عالمنا العربي طوال الأربعة عقود الماضية ، أن تجعل منه "بُعبُعاً" مخيفاً و "غولاً" مفترساً ، يلتهم كل من يحاول الاقتراب منه ، وصَوَّرته وكأنه وحش كاسر لا يعرف سوى لغة الدم ، ومتخلف لا يجيد الحوار ، ورجعي لا يؤمن بالحداثة ، ومتشدد لا يقبل بالآخر ، وظلامي يريد العودة بالناس إلى القرون الوسطى ، وأصولي لأن فكره منبثق من أصل ديني ، وانتهازي ووصولي لأنه يستخدم الدين لأغراض سياسية ، وهو .... وهو .... الخ ، من قائمة طويلة من الاتهامات لا تنتهي ، بل وهو "إرهابي" إذا اقتضت الضرورة اتهامه بذلك ، كما هو حاصل اليوم في ربيع الثورات العربية .

كما أن جزءاً كبيراً من القوى الليبرالية باعتقادي – إن لم تكن جميعها - قد أسهمت وبقدر كبير في توجيه تلك الاتهامات صوب الإسلاميين طوال تلك العقود الماضية ، والتي كان فيها حجم الهوة كبيراً بين كلا الطرفين ، في الوقت الذي كانت تتناغم فيه معظم تلك القوى مع الأنظمة الحاكمة ، على الأقل "في نظرتها العدائية والتحريضية ضد الإسلاميين " ، باستثناء هذا العقد الأخير فقط ، الذي حصل فيه نوع من التقارب – إن جاز التعبير – بين القوى الإسلامية والليبرالية ، أو بشكل أكثر دقة "بين القوى الإسلامية والقومية" والذي كان قد تبلور من خلال ما سمي بـ "المؤتمر القومي الإسلامي" في العام 95 تقريباً ، المنبثق أساساً عن المؤتمر القومي العربي ، والذي ظل – بتقديري – طوال الخمسة عشرة سنة الماضية جسداً بلا روح ، عدا عن بعض اللقاءات والندوات التي كانت تقام هنا أو هناك ، حتى جاءت الثورات العربية – بشكل فاجئ الجميع وبدون سابق إنذار- فوحدت الجميع "إسلاميين وليبراليين" تحت مطلب واحد هو إسقاط أنظمة الحكم العربية التي كان أذاها قد طال الجميع دون استثناء .

حدثت المعجزة إذاً .. وأشرقت الشمس من المغرب ، ثم بعثت بإشعاعاتها الساخنة صوب الشرق ، فأيقظت النيام ، وأحاطت بدفئها كل تلك الخيام المنتصبة في ساحات وميادين الحرية والاعتصام ، لتبدأ عندها إرهاصات اللحظة التاريخية الفارقة ، التي لطالما طال انتظارها من أمة كاد يقتلها طول الانتظار ، تلك اللحظة التي ظهرت معها أول العلامات الكبرى لاقتراب قيام الساعة ، ساعة رحيل الطغاة ومحاكمتهم ، إنها تلك اللحظة .. التي كانت فيها كل الشعوب تهتف بصوت واحد مجلجل ومدوِ كالزلزال "الشعب يريد .. إسقاط النظام". 

إن الناظر اليوم لواقع الحال في المنطقة العربية بعد ثورات الربيع العربي ، وبخاصة في تلك الدول التي حدثت فيها الثورات ، سيجد أنه قد انقلب رأساً على عقب ، وبشكل غير مسبوق في تاريخ المنطقة منذ عقود ، فها هم "الإسلاميون" يتصدرون المشهد ، كما كان متوقعاً ، وها هي نتائج الصناديق الانتخابية تتجلى بوضوح عندما غابت عنها كل مشاهد البلطجة والتزوير، التي كانت علامة واضحة ميّزت أنظمة البلطجة والإقصاء في عالمنا العربي طوال عقود مضت ، وها هي الشعوب العربية قد نزلت لتقول كلمتها في صناديق الاقتراع بملء إرادتها هذه المرة ، فقط لأنها شعرت - ولأول مرة في تاريخها منذ أن أبصرت النور – بأن أصواتها بات لها اليوم وزناً وقيمة .

من كان سيصدق على سبيل المثال - لولا تلك الثورات – أن الشيخ / راشد الغنوشي – المفكر التونسي الذي كان منفياً داخل بريطانيا منذ 22 عاماً "هي فترة حكم بن علي " من كان سيصدق أنه سيعود إلى بلده بعد كل هذه السنين ، وسيُستقبل في مطار قرطاجة الدولي استقبال الفاتحين من قبل الشعب التونسي ، وأنه سيكون على رأس الهرم في الحزب الذي سيحكم تونس بعد سقوط بن علي ، بسبب فوزه الساحق في انتخابات ما بعد الثورة التونسية ، وهو القائد الإخواني المعروف ، وأحد عتاولة ومنظري الفكر السياسي الإسلامي على المستوى الإقليمي والدولي ، ثم من كان سيصدق كذلك بأن حزب النور السلفي "المولود" حديثاً ، والذي لم يُبصر النور سوى بعد ثورة 25 يناير ، سيكون هو المنافس الأقوى للإخوان المسلمين داخل الساحة المصرية ، وسيحتل المرتبة الثانية بعد الإخوان - بحسب نتائج المرحلة الأولى على الأقل - وأن القوى الليبرالية واليسارية صاحبة الصولات والجولات طوال العقود الماضية ، كأحزاب "الوفد والاتحاد والتجمع والغد" وغيرها من الأحزاب التي اضطرت لإقامة تكتلات وتحالفات جديدة ، كان أهمها تحالف "الكتلة المصرية" الذي ضم 14 حزباً ليبراليا ويسارياً ، بهدف مواجهة الإخوان ، ومع كل تلك التحالفات تنحسر تلك القوى الليبرالية العريقة كل هذا الانحسار وتترك الساحة – قسراً - للمنافسة بين الاسلاميين " إخوان وسلفيين" ، من كان سيصدق كل ذلك لولا ربيع الثورات العربية ، وشمسها التي باغتت الجميع حين أشرقت من المغرب .

شخصياً أرى .. وبعد هذا الفوز لجماعة الإخوان المسلمين ، في أول استحقاق انتخابي بعد ثورة 25 يناير، والذي كان قد سبقه فوز حزب النهضة الإسلامي في تونس ، تلاه بعد ذلك - بأسابيع قليلة - فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب ، أرى - وبعد كل هذا التقدم للإسلاميين في دول الربيع العربي – وكأن هذا الربيع إنما جاء بمثابة استحقاق تاريخي للإسلاميين ، وكنتاج طبيعي لممارسات الإقصاء والتهميش ، والمضايقات والمطاردات ، والسجون والاعتقالات ، التي مورست بحقهم من قبل أنظمة البطش والاستبداد العربي طوال فترات حكمها ، كما أنه ليس لدي أدنى شك من أن بقية دول الربيع العربي ، التي لم تكتمل ثوراتها بعد ، ستسير - هي أيضاً - بذات الاتجاه ، وسيأتي ربيعها بحصاد لن يقطفه سوى الإسلاميون ، لأن كل الشواهد على أرض الواقع تقول ذلك .

لكن هذا الاستحقاق "التاريخي" للإسلاميين كما أسلفنا ، والذي منحته لهم الجماهير عبر صناديق الاقتراع بملء إرادتها في أول حصاد للربيع العربي ، لن يكون - بتقديري - مغنماً لهم ، بقدر ما سيكون غُرماً شديداً وعبئاً ثقيلاً خلّفته لهم تلك الأنظمة جراء الفساد الذي كان قد استشرى واستفحل في كل مناحي الحياة إبان فترات حكمها ، والذي سيتوجب عليهم حمله وإيصاله إلى بر الأمان ، مالم فإن تاريخ الشعوب يقول بأنها لا ترحم ، أضف إلى ذلك أن تلك الجماعات ستكون أمام اختبارات أخرى كثيرة ، بعضها متعلق بقضايا مدنية وأخرى سياسية وفكرية ، سواء أكانت داخلية أو خارجية ، كقضايا الحريات الشخصية والمدنية والنقابية والفكرية ، وقبول الآخر والتعامل مع الأقليات ، وفي السياسات الخارجية ، كالتعاطي مع ملف الصراع مع الكيان الصهيوني ، وفي العلاقة مع الغرب ، والتحالفات الإقليمية والدولية ، ولن يكون أقل الأعباء حملاً عليها موضوع إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية الحديثة ، وتشكيل حكومات تسعى إلى الخروج بأقطارها من الأزمات الاقتصاديّة الخانقة التي ظلت ترزح تحتها طيلة العقود المنصرمة ، وهي أهم القضايا التي خرج الشباب لأجلها في مختلف الساحات والميادين ، أكان ذلك في مصر أو في بقية دول الربيع العربي .

*كاتب – ومستشار للتحرير بمجلة المرأة والتنمية

الصادرة عن الاتحاد النسائي العربي واتحاد نساء اليمن