قراءة مستقبلية لمؤشرات الثورة المؤجلة، والقادمة إلى مسرح الشعوب الغافلة
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و يوم واحد
الأربعاء 25 يناير-كانون الثاني 2012 04:53 م

كلما رُتقت فُتِقت... تنبؤات ربما حتمية !؟

إثر فشل الدولة "اللاّمدنية"، والتي لن نجنى منها سوى السراب. وخلال تداعيها وتلاشيها، سنعاني من ارتدادات إجتماعية وسياسية نكوصية ناتجة عن العتمة التي ستُطبِق على كافة آفاق الحياة، وعن تلاشي الأمل وإنسداد الحلم وإنقطاع سبل العيش الكريم. وذلك بدوره سوف يؤدي إلى تلعثم خطاب الأصوليات العقائدية وتبعثر رأسمالها الشعبي .

طبعاً، هذا في حال صعدّت السذاجة الشعبية، عبر الإنتخابات الديمقراطية، إلى السلطة وأوصلوا إلى مراكز القرار أولئك الذين لايؤمنون بأهمية فصل الدين عن الدولة، وإزاحة الإيدولوجيات والتنظير من طريق الإدارة والسياسة .

ولأنها فئة لا نعلم كيف تقيس الأمور، فإنها ستعمل على حجر الفكر العقلاني والخلاّق، كما تعمل اليوم قبل ان تمسك بجلابيب ومفاصل السلطة كليةً، مبقيةً عامة الناس في قعر القاع الإجتماعي، ومحوّلةً شرائح عريضة من الشعب إلى تجمعات أهلية متقيحة .

وبإبقاء ثقافتها حبيسة الطائفية الفكرية ضمن تنظير عقائدي يأتي من أعلى الهرم، جوهره حماية سلطاتها الريعية، فإنها ظاهرياً ستوظف الحجج المألوفة، والتي مفاد بعضها الخوف على "بيضة الدين" والدفاع عن "الله ورسوله"، والغيرة على "الفضيلة والطهرانية"، و "حراسة الشريعة"، والإدعاء المزور عن مسؤوليتهم تجاه حماية المجتمع من عناصره "المجبولة على العقلانية"، أي أولئك الذين ينعدم عندهم قابلية الإنصياع والإذعان لأمراء الجماعة "بالسمع والطاعة"، وحاجة عامة الناس إلى رجال حسبة مخلصون يسهرون على "أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر". حيث أنه مجتمع قاصر "مسيّر بالغرائز" ومليء بوباء المطاعم التي تسمح "بخلوات غير شرعية" للآكلين على طاولة واحدة، والعياذ بالله، ومكافحة فتن "المتبرجات وحاسرات الرؤوس والمتفرنجين"، وربما حليقي الدقون "المـرد"، وضَلال الكفرة من "الليبراليين والعلمانيين"، وغيرهم من المخالفين لنصوص أئمة السلف وسنن الأولين. فتصبح الأولويات القصوى موجهة نحو جلد المتطاولين على لحوم العلماء المسمومة ونفي المرجفين .

وبتحويلهم الطائفية الحزبية إلى وحدات سياسية تمارس "اللواط الفكري"، أي الأفكار التي لاتلتقي ولا تـتلاقح إلاّ مع مثيليها عقائدياً وحتى جندرياً. فيتغلب المنطق الحزبي الإحتكاري باستئثار منفرد للحقول الإجتماعية والفكرية والإقتصادية والسياسية، وتوجيه الموازنات المالية نحو أدلجة المجتمع وغسيل أدمغة النشء، ونشر المدارس "العلمية" المطابقة لمواصفات "الحريدية" اليهودية، والتحكم بمصائر العباد، وإقفال نوافذ ومنافذ وأبواب ومداخل البلاد .

الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد التناقضات، وتضارب المصالح مع بقية القوى وشد الحبال مع مثيلاتها من الإيدلوجيات المختلفة، "والمتخلفة"، - وهذا ليس ضرب من الخيال بحكم إنه يحصل الآن والقارئ الكريم يمر بهذه السطور -، وإلى تأجيج العداء المستفحل أصلاً بين ذلك الخليط العجيب من "مخضرية" العقائد والمذاهب والمرجعيات، والذي لن يعدم تأثير صراعاتها المدمرة على الأدآء العام وعلى الناتج القومي، وسيطال منصة الحكم وصولاً إلى قلب الواجهة السياسية .

- والناتج سوف لن يكون أقل من تفخيخ المجتمع بألغام عنف أهلية، تظهر آثارها إبتداءً من خلافات "سفسطائية" عقيمة وأزلية، إلى صراعات مدمرة لمقومات البلاد وللمجتمع، ونابذة للدولة ومفكَّـكة لها .

ومن هذا التموضع الفكري المطلق والمنغلق، ونتيجة للإصطفاف الحزبي والإنحياز العقائدي الأعمى، سوف يكون له دور كبير في تهميش الخطاب الأصولي سياسياً وإجتماعياً ودعوياً على المستوى الداخلي، وإلى هبوط رصيد أصحابه وتصنيفهم السياسي والإقتصادي دولياً، وهي تراكمات سوف تشل فاعلية اليمن على المستوى الإقتصادي والسياسي، فينتج عنهما حفر غائرة في الوعي الجمعي، وظهور أخاديد عميقة من القطيعة والنفور العام محلياً وإقليمياً، تقود إلى تفاقم حساسيات بالغة تجاه قهر وطغيان القطيع الأصولي المؤدلج لدى قطاعات واسعة من الشعب .

فتظهر وقتها حاجة المجتمع الماسة لتشكيل حركات ثورية وأحزاب سياسية مدنية جديدة، لا تستمد شرعيتها السياسية من هويات جامدة، بل من خلال عمل فكري منظم، متواصل متحول وخاضع للشروط الإقتصادية والسياسية والإجتماعية الملحة .

وكون أدبيات حزب السلطة الأصولي سوف تصبح مذهباً اثنياً مغلقاً ومقدساً، فإنه سوف يوظف كل الإمكانيات التعبوية والديماغوجية "للتمرد" على تبادل السلطة سلمياً، أي إنتخابياً، تحت مبرر "إسلامية الحزب"، من باب التسطيح بأن أغلبية الشعب مسلمين، وحاصل ذلك برأيهم هو تمثيلهم للأغلبية المطلقة .

وبإعتبارهم وكلاء حصريون للسماء، سيطال التكفير كل من يطالبهم "بتعطيف" فراشهم وصحائفهم وأسفارهم والإنزياح عن المشهد العام. فكل مايخالف معتقدهم سوف يصنف على أنه ممارسة "لهرطقة" تمس المقدس والمطلق وذاتهم الإلهية بالنيابة، وذلك يستوجب "الإستـتابة" الفورية، أو إعمال حدود "الردة" الشرعية المفبركة في كل من ينكر وصايتهم على الدين وعلى الشعب برمته، كما هو دأب نظرائهم في أحزاب السلطة العقائدية .

 - وبذلك تصبح "الجماعة" منفلتة من عقال القواعد الديمقراطية التأسيسية التي أوصلتهم في البدء إلى سدة الحكم !

لذلك، فإن الحراكات الشعبية والثورية المناهضة للطغاة الجدد، سوف تتعرض للتشويه والتكفير والأبلسة والقمع الممنهج، بل والإغتيال - بإعتبار قتل الخارج عن الجماعة عمل نبيل فيه تقرباً إلى الله -، وإطلاق عنان مجاهدي قواعدهم المسلحة، وبلاطجتهم من المنافحين عن العقيدة، لمواجهة كل من تسوّل له نفسه التطاول على قدسيتهم المطلقة. وأنا لا أستبعد هنا أن يمطرني بعض حراس العقيدة "الإلكترونية" بوابل من اللعنات والشتائم، هذا إن سلمت من التكفير والخروج من الملة، جزاءً على ما أقترفته يداي بتوجيه هذا البلاغ إلى الأمة، والذي أعتبره في المقدمة وبضمير مرتاح براءة للذمة من الدرجة الأولى .

سيتخمض عن إستمرار إغتصابهم للسلطة وإستمراءهم للحكم بدعوى إنتماءهم عقائدياً للأغلبية المسلمة معارضة مريرة، لن تكون سلمية أبداً. فالأصولي المؤدلج بطبيعته أصم أبكم، هو فقط يصرخ وهو شاهراً سيفه، - قاتل محترف لوجه الله تعالى -، ومداعبته وأمثاله غالباً ما يؤدي إلى إستدعاء تجربة هابيل وقابيل، أي إلى صراعات دموية وإلى إشتباكات وحروب طاحنة .

ومن منطلق تلك الظروف القاهرة سيتعين على أبناء الثورة القادمة تصعيد عملياتهم التحررية ضد طاغوت الأصولية والكهنوت الديني عبر تراكمات نضالية، قد تكون ربما مسلحة إن أستدعى الأمر، بعد أن يصل المجتمع خلالها إلى قناعة وطنية حقيقية مفادها ضرورة التخلص من "كهنة المعبد"، وبأن "العلمانية" هي الحلّ الأمثل للتعايش السلمي المشترك .

سيظل الشعب خلال محنـته تلك متربصاً بهم وهو يعد العدة، يترقب التوقيت بالساعات والدقائق والثواني المؤاتية محلياً ودولياً وسماوياً، وبعد الإستعانة بالله والتوكل عليه، ستنفجر "آخر ثورات التاريخ" بغتـة في وجه طغيان الحكم الأصولي وكهنوت الدين. وفي إنتفاضة إسطورية لاسابق لها ستـنقض جموع الناس على ذلك الطاعون لإقتلاعه من جذوره، وللتطهر من رجسه، والتخلص من عقم مفاهيمه الرثة. وأكرر، تلك المرة، لن تكون سلمية، لألف سبب وسبب .

إلاّ إن من يعايش تلك الملحمة، وقبل إستراحة المحارب المنتصر، سيرى جموع الثوار وهم عن بكرة أبيهم بين راكعون وعلى جباههم ساجدون لله تعالى، وسط تهليل وتكبير كل فئات الشعب للنصر الإلهي المؤزر، طالبين من رب العزة الصفح والغفران، وهم يقدمون القرابين شكراً لله، عرفاناً بفضله وتكفيراً عن أخطاء سوء إختيارهم الإنتخابي السابق .

  لأننا نعيش وسط مجتمعات لاتمل من الدروان حول نفسها، كـ "جِمال المعصَرة"، وعلى منوال "كلما رُتقت فُتِقت". أخيراً وليس بأخير، تصبح هذه القراءة المستقبلية "منطقية وواقعية" جداً في ظل القابلية اليمنية الشعبية لإعادة "إستحمار" جموع غفيرة من المؤمنين الغافلين لصالح حاملي أسفار "العنعنات المشبوهة"، كما حصل سابقاً لألف ومئة عام من محنة أئمة المذاهب وآل حميد الدين .

وكذلك حين تسلل في غفلة من الزمن الرائد علي عبدالله صالح وآله وأصحابه، بدعوى فرصة "الإنتقام" ولمدة إسبوع فقط، فظلوا ينتقمون منا جميعاً، ويمتطون صهوات ظهورنا "كالبغال" لأكثر من ثلاثة عقود عجاف .

ولكن بما أن الله سبحانه وتعالى أختص علم الغيب لنفسه، فإني استغفره واتوب إليه، فهو وحده أدرى بما هو آت، وهو أعلم بما سيكون. -- اللهم إني بلغت !

abdulla@faris.com