الأمن الروحي
بقلم/ كاتب/رداد السلامي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 21 يوماً
الخميس 26 يناير-كانون الثاني 2012 07:49 م

الأمن السياسي والأمن القومي أجهزة بشرية يمكن أن تكون سهلة الاختراق ويمكن التلاعب بها ، لكن ثمة ما لا يستطيع أحدا التلاعب به ، لأنه مصمم في صدر الإنسان وفي تكوينه المنفوخ فيه من روح الله هو "الأمن الروحي " وهذا لايمكن ان يتوافر الا لمن كان معتقده توحيدي خالص وعميق ، ويستقي مادته من آيات القرءان ، "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون"

والظلم هو الشرك يليه بقية المظالم ، ومن لا يظلم يكن بمأمن من أي مخاوف ، قد تنتابه ، ولذلك كانت كلمة التوحيد هي القادرة على تجديد الأمن الروحي وتغذية المشاعر والوجدان بذلك الأمن ، حيث أن هذه الكلمة تعيد تشغيل جهاز القلب ليكون محصنا وحيا قادرا على توفير أحاسيس الطمأنينة والسكينة في الذات الإنسانية ، ولا يبثها إلى الدماغ الذي ينفتح على احتمالات المخاوف المتمثلة بوعود الشيطان من التخويف بالفقر والأمر بالفحشاء ، الأمر الذي يزلزل الاعتقادات اليقينية الراسخة تلك التي تؤمن أن كل شيء بقدر ، وان الأمور بيد الله ، من رزق وغنى وفقر ، وأن الله يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، ولذلك كان المشرك بالله سواء على مستوى الظاهر او الباطن عرضة للقلق والخوف وعدم الشعور بالأمن ولأن الشرك بما هو ظلم أكبر وتعديا على حق الله كان صاحبه وليا للشيطان والشيطان يتقن تخويف أولياؤه فقط ويؤثر فيهم حتى عبر وسائل الإعلام "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياؤه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين"، لأن الشرك حالة مرضية خطيرة تؤدي إلى اختلال كبير في تكوين الإنسان ونفسيته ، ولذلك فالدولة التي يوجد فيها فرد أو شعب مظلوم لا يمكن ان يتوافر فيها الأمن بمفهومه الحقيقي ن وليس بالمفهوم المادي المعروف في مصطلحات السياسة وفي هيكلها السياسي ، ويعاني المسئولون في هذه الدولة من وساوس الانقلابات ومن هواجس التمردات ، كما أن ذوي المصالح الخاصة والرأسمال القاروني يلعبون دورا كبيرا في تسريع انهيارها ، لما يمارسونه من احتكار وابتكار وسائل القمع والارضاخ ومحاولات تسليع القيم وإيجاد القابلية لدى الشعوب لأن تصبح منساقة في كرامتها وراء الربح وليس وراء الروح وتكوين البنية القيمية الصلبة المستمدة من التوحيد الخالص ومصدره القرءان الكريم ، وامتثال السنة له بمضمونه العلمي العميق.

من هنا في مجتمعاتنا اليوم بحاجة الى إعادة هيكلة أمنية روحية جديد أي استعادة روحها من جديد ، وإنتاج الفاعلية الأمنية الكامنة في الذات المتجددة بكلمة التوحيد ، وهيكلة روح الدولة وفق مفاهيم التوحيد وآيات القرءان ، وهذا يحتاج إلى خبراء تربويون مهرة في بناء الروح وتجديد البنى الإيمانية الأساسية وتأسيسها في الذات كي تؤدي الى تجليات عملية تنعكس في السلوك والأخلاق والمعاملات وفي مظاهر الحياة العامة والخاصة .

إن الإيمان أساس الأمن النفسي ، وحين يتوافر في الذات الإنسانية يكون أقدر على تحصين الإنسان من أن يمس في مخزونه الروحي وتكوينه البنائي العقائدي الصلب الأمر الذي يبقي الدولة والفرد والمجتمع في حالة تماسك وحركة بنائية نهضوية متناسقة ومترابطة قادرة إنتاج واقعا ماديا أفضل وحياة معيشية سوية أساسها الحلال وناظمها الشرع ، الأمر الذي ينتج المجتمع من الناحية الاستهلاكية الذي هو بين ذلك قواما ، وحين يوجد المجتمع الذي يحقق مضمون الآية "وكان بين ذلك قواما " تبنى الأسس المادية التي هي البنى التحية لكل مواطن ، وحين تتوافر البنى التحتية بمفهومها الروحي والمادي نكون قد اتخذنا وضعا نهضويا آمنا ،الأمر الذي يجعلنا قادرين على إبداع مسعى تكامل المشروع الإسلامي وتحقيق الحلم الكبير الناضج المتمثل في قيادة الإسلام العالمية ورعاية حقوق الإنسانية الأساسية وإنتاج السلم والأمن العالمي ،ودائما أؤكد أن المشروع المادي أساسه مشروع روحي ، والأمن المادي أساسه أمن روحي."والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"