21 فبراير.. ألق شعبي ثوري وعهد جديد
بقلم/ الشيخ عبدالله عبد الجليل
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 28 يوماً
السبت 25 فبراير-شباط 2012 04:47 م

حلّ الـ21 من فبراير موعدًا لإنهاء حكم علي عبدالله صالح الذي استهوى دائمًا تمثيل حكمه لـ اليمن بـ الرقص على رؤوس الثعابين؛ المصطلح السياسي الذي اشتهر به صالح مؤخرًا, وربما كان لهذه الثعابين أن تعطيه درسًا قاسيًا لتعلّمه كيف أن حكمها بالفعل ليس سهلًا. مجازًا يمكننا استخدام ذلك, وإلا فـ شعب اليمن, لِمَا تمتع ويتمتع بها من صفات وما أثبته مؤخرًا في ثورته السلمية, قد أبهر العالم واستحق بجدارة أن ينظر إليه بأنه شعب عظيم ذو حضارة ضاربة في أعماق التاريخ.

وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلًا, لوجدنا أن الرئيس المثقف علي ناصر محمد (رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية, جنوب اليمن سابقًا, 1980 - 1986) كان أول من أطلق عبارة «الرقص على رؤوس الثعابين» في حوار له مع مجلة «الموقف العربي» عام 1988م ناقش فيه معطيات ما بعد أحداث 13 يناير 1986م.

لم يستطع الرئيس علي عبدالله صالح طوال فترة حكمه الـ33 عامًا ويزيد إلا أن يحكم اليمن بسياسة لم تنتج سوى الفوضى والعبثية بإسراف ودون مبررات, وأوصل البلد إلى ما أوصلها إليه.

ولقد أتي الـ21 من فبراير ليمثل اليوم الأخير لـ صالح بعد ألق شعبي ثوري طاول عنان السماء وأسمع العالم أن هناك شعبًا عظيمًا مؤمنًا بعدالة قضيته يسمى «شعب اليمن», وأن فيه معارضة سياسية ناضجة تحمل رؤية منطقية لواقعها وخبرة جيدة في تجريد آلة الاستبداد من أدوات الفعل الغريزي التي صنعت وتصنع الفوضى العارمة. والمعطى الأهم أنها, أي المعارضة, حملت وتحمل إيمانًا مطلقًا بمبدأ الشراكة الإنسانية والوطنية التي ينبغي أن تكون هي الفاعل الأهم في إدارة العلاقات كل العلاقات دون استثناء.

إن المهمة الوطنية التي يتوجب على شركاء الفعل السياسي الالتفات إليها وإعطائها الأولوية القصوى هي التأصيل لرؤية وطنية شاملة لإدارة العلاقات البينية بين مكونات المجتمع ونخبه على أن تقوم تلك العلاقات على مفاهيم الشراكة والتعايش ونبذ العنف وتعزيز قيم السلم؛ خاصة وأن كيانات النخبة تدرك أن التجارب قد أثبتت أن مفاهيم الإقصاء والإلغاء وتغييب منطق العقل وزعزعة قيم السلم تؤدي في مجملها إلى خلق بيئة لفناء الجزء والمجموع إن ظلت أدوات الفعل المجتمعي ونخبه متخندقة خلف متاريس الاعتقاد بامتلاك الحق المطلق الذي لا يملكه سوى الله وحده.

وباعتقادي, فإن كل مفردات العمل الوطني بكل ألوانها تحمل من الوعي ما يؤهلها لتبني مثل هكذا رؤية ليسير الجميع نحو صياغة معطيات عهد ما بعد الثورة بعيدًا عن ثقافة رفض الآخر وفرض القضايا وإلزام الآخرين بها بأدوات القوة ومنطق الإرهاب, وقريبًا من حشد الطاقات للإسهام في تشييد دعائم البناء النهضوي لهذا البلد وترميم العلاقات التي أصيبت بإعياء؛ جراء تأثرها بالمرحلة الماضية, والمضي نحو بناء منظومة أمنية شاملة بمفهومها الاستراتيجي وتحقيق عوامل الرفاهية لهذا الشعب الذي قدّم أغلى التضحيات وهو اليوم ينتظر رد الجميل من كل مكوناته النخبوية.

galil5@gmail.com