الحراك الجنوبي ومؤتمر الحوار الوطني
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 25 يوماً
السبت 25 فبراير-شباط 2012 11:07 م

كنت أود أن أتوقف في هذه المقالة عند قضايا أخرى تتصل بمواضيع سابقة كنت قد تناولتها، لكنني فضلت تأجيلها والخوض في قضية الحوار الوطني وموقف الحراك الجنوبي منه، لأهميتها ولاقتراب موعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، لكنني قبل الدخول في موضوع هذه المقالة أود الإشارة إلى أنني وكل الكتاب والسياسيين اليمنيين لسنا مخيرين بين أن نكون إما مع الثورة الشبابية وإما مع القضية الجنوبية لأن هذا النوع من التفكير ليس إلا الشمولية والديكتاتورية بعينهما، فلا مشاركتي في الثورة الشبابية تجبرني على التخلي عن القضية الجنوبية ولا انتصاري للقضية الجنوبية يجبرني على مقاومة الثورة الشبابية أو التخلي عنها، أقول هذا لأصدقائي الأحباء الذين اتصلوا يتساءلون عن مضمون مقالتي السابقة[1] أما كتاب الأمن القومي والمزايدين وهواة النزق والاستهتار فلن أأبه بهم كعادتي.

لا بد من الإقرار أولا أن مؤتمر الحوار الوطني الذي دعت له القوى السياسية اليمنية منذ أكثر من أربعة أعوام، قد أصبح اليوم خيارا دوليا إلى جانب كونه خيار محلي، ومن تمنع عن المشاركة فيه فهذا حقه لكنه سيحكم على نفسه بالعزلة النهائية ومن هذا المنطلق يأتي ما سأتناوله في هذه الوقفة.

لقد انطلق الحراك السلمي الجنوبي في العام 2007م سلميا كاسمه تماما وبرغم الحملات الأمنية التي وجهت ضده من قبل أجهزة الأمن والتي أدت إلى سقوط أكثر من ألفي شهيد وما يزيد على خمسة آلاف جريح[2] وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين حوكم العشرات منهم في محاكم استثنائية بينما قضى البعض نحبه تحت التعذيب في سجون السلطة، برغم كل ذلك فقد ضرب الحراك السلمي أورع الأمثلة في عدم الانجرار إلى مربع العنف التي أرادت السلطة إيقاعه فيه.

إن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني سيمثل وقفة جادة للتناول المسئول لمخلفات نظام علي عبد الله صالح، ونحن نقول وقفة جادة ليس لأننا نثق ببقايا النظام المشاركة في الحكم والتي ستشارك في المؤتمر، لكن لأن المؤتمر سيكون بإشراف دولي وإقليمي جاد هذه المرة، لقد سمعت الكثير من قادة الحراك يقولون أنهم لن يدخلوا أي حوار إلا حوار الند للند، وإن لم يحددوا بعد موقفهم من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني المزمع انعقاده خلال مارس القادم، وأقول لهؤلاء الزملاء إن الجميع مدعو إلى أبداء قدر من التواضع، والمسئولية السياسية، والتأكد من أن الموقف الرافض للحوار يخدم أو لا يخدم القضية الجنوبية، لكن علينا أن نطرح السؤال التالي: إذا كنا سنقاطع مؤتمرا يشرف عليه المجتمع الدولي والإقليمي من خلال مشاركة ممثلي منظمة الأمم المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن فأي مستوى من الفعاليات الدولية تنتظرون؟ وما هي الخدمة التي تقدمها المقاطعة للمواطن الجنوبي وللقضية الجنوبية برمتها؟ ثم ماذا تبقى من الخيارات أمام الحراك لتقديم قضيته للعالم إذا ما استنكف عن المشاركة في هذه الفعالية الدولية؟ قد يقول البعض أن الظروف الأمنية غير متوفرة، أقول: إنكم لن تكونوا الوحيدين المشاركين في المؤتمر، ولم يعد بمقدور بقايا النظام العبث بفعالية يشرف عليها ويقودها المجتمعان الإقليمي والدولي، وإذا ما ارتكب أحد أي حماقة فلن يحكم إلا على نفسه بالرفض والاستبعاد.

إن مؤتمر الحوار الوطني سيكون فرصة ذهبية لعرض القضية الجنوبية عرضا رصينا بحضور شركاء إقليميين ودوليين، ومن يفوت هذه الفرصة لن يجد فرصة مشابهة لها ولو بعد عقود، وبالتأكيد سيكون المؤتمر ساحة لتداول الأفكار والرؤى والخيارات المتعددة والمتفاوتة، ولن يفرض فيه أحدٌ شيئاً على أحدٍ.

إن القضية الجنوبية قضية وطنية عادلة ومشروعة بجميع أبعادها السياسية والحقوقية والاقتصادية والإنسانية، ولها من الأحقية والأهلية ما يجعلها تستحق ما يقال عنها بأنها ستكون على رأس جدول أعمال المؤتمر الوطني، وغياب بعض أطراف الحراك عن المؤتمر سيحرم المؤتمر مما يمكن أن يثرون به مداولات المؤتمر لكنه سيحرم الغائبين من فرصة عرض أفكارهم على الآخرين، لأن الأفكار المقنعة ينبغي أن تطرح بشكل متواصل وملح وعبر كل بوابة تفتح لها وليس فقط عبر المواقع الإلكترونية أو الفعاليات الخطابية التي لا يتابعها الجميع وعلى الخصوص الشركاء الدوليون الذين نتوجه إليهم بخطابنا، ومن هنا فإن حضور المؤتمر يصبح أمرا ضروريا وملحا وما ينطبق على مكونات الحراك في الداخل ينطبق على قيادات المعارضة اليمنية في الخارج.

رفض المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني يعني تغييب واحد من أهم القضايا الوطنية والتاريخية ومن أكثرها مشروعية واستحقاقا، أما مناقشتها واتخاذ مخارج بشأنها في غياب أصحابها أو جزء منهم فهو بالتأكيد سيقلل من فاعلية ما سيتخذ بشأنها وهنا تكمن أهمية المشاركة الفاعلة في هذا المؤتمر الهام.

برقيات:

* سأتوقف لاحقا أمام ما تعرض له د. واعد با ذيب من محاولة اغتيال واحتجاز سيارته لعدة مرات، لكن ما يمكن التأكيد عليه هنا هو إن استمرار أقارب الرئيس المخلوع في السيطرة على الأجهزة الأمنية والعسكرية يجعل الحياة السياسية عرضة للعبث والسلام الاجتماعي عرضة للزعزعة، . . . كل التضامن مع د. با ذيب ولا نامت أعين الجبناء.

* أتمنى على الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي أن يبدأ بخطوة ستقدمه لليمنيين على إنه صاحب فكر جديد وتوجه عملي، وهي التخلي عن قصر السبعين وتحويله إلى منتزه شبابي يفتح للجميع على مدى أيام الأسبوع كنوع من رد الاعتبار للشباب الذين بدمائهم وأرواحهم أصبح عبد ربه منصور رئيسا لكل اليمنيين.

* قال الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي:

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بــِنَاظِرِهِ إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ

وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَـحِكي حَــــــتى أتـَـتْه يَدٌ فــَرّاسـَةٌ وَفـَـمُ

إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّــــيْثِ بارِزَةً فَـلا تـَظـُنـّنّ أنّ الـلـّـيـْثَ يَـبـْتَسِمُ

[1] مقالة بعنوان "الانتخاب بالكلاشنيكوف" نشرت في التغيير نت، ومأرب برس، والاشتراكي نت، ومواقع أخرى

[2] هذا حسب إحصائيات مواقع الحراك السلمي الجنوبي.