دماء وليست ماء!!
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الجمعة 09 مارس - آذار 2012 05:23 م

بداية نتقدم بأحر التعازي وأصدقها من قلوب يعتصرها الألم لما لحدث لإخواننا أبطال القوات المسلحة الصامدة في كل من محافظات أبين وحضرموت والبيضاء وكل المناطق التي تم الاعتداء الغاشم فيها على حماة الوطن، وهي خالصة إلى أسرهم وذويهم ومحبيهم الذي فجعوا بهذا المصاب الجلل الذي نزل عليهم كما هو علينا كالصاعقة، ونسأل الله العلي القدير أن يلهمهم الصبر والسلوان.

· إن كانت الإدانة كافية فسوف نظل ندين حتى نهاية العمر كل الهجمات الإرهابية التي شهدتها عدد من مناطق يمننا الحبيب، ليقيننا أن الهدف الرئيس لهذا العنف المتصاعد عرقلة عملية الانتقال السلمي للسلطة والبدء في مرحلة البناء المؤسسي، لان إيجاد دولة مؤسسية هو الكفيل بالقضاء على جميع الخارجين عن الدستور والقانون، ولكن هيهات الإدانة وحدها لا تفي، ولكن ما نحتاج إليه هو تضافر الجهود واليقين بأن الخطر حقيقي وليس مجرد فزاعة.

نجاحنا في الخروج من الأزمة بأقل الخسائر البشرية والمادية مقارنة بدول أخرى، ولهذا نجدها تقوم بالقتل البشع لأناس لا ذنب لهم سوى أنهم نذروا أنفسهم الغالية وقدموها رخيصة لحماية الأمنيين في بيوتهم من الغدر، وإذا بالغدر يطالهم وهو على طاولات طعامهم، رحمهم الله وجعل الجنة مثواهم.

مأساة يعيشها الجيش اليمني الأبي، فمن جهة يحارب عدو متربص به من كل ناحية، ومن جهة أخرى يقابل بعدم مصداقية لجهوده من قبل بعض الجهات في الوطن، والتي طالما دأبت على تكذيب ما يتعرض له أفراد قواتنا البطلة في كل وحدة عسكرية دون استثناء، وكأن هؤلاء الجنود ليسوا يمنيين؟ وكأنهم لا يملكون أطفالاً ولا زوجات ولا آباء ولا أمهات ولا أحباء يبكون لفقدهم؟

لقد سالت دموع الجميع عندما كان يقتل الشباب رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته، وتباكى معهم (الحجر والشجر)، فأستغرب لأن أحداً من منادي التغيير لم يقم بمجرد الاستنكار، فلماذا لم نرى اليوم من يذرف نفس الدموع على هذه الأنفس البريئة، التي أسلمت روحها لخالقها، وهي تؤدي واجب الدفاع عنا جميعاً، أليست دماؤهم دماء؟ أم أنها في نظر البعض مجرد ماء؟!.

الأمر ليس مزحة كما يتصورها البعض، وليست فزاعة كما يحب أن يروج إليها البعض الآخر، وحتماً هي أيضا ليست مسرحية هزلية، إنها فاجعة ونذير شؤم، أن يتم الغدر بهذا الكم الكبير من أفراد قواتنا المسلحة، في عملية غادرة، فسقوط العشرات بين شهيد وجريح –بعضهم إصاباته مميتة- لا ينتظر منا أن نقف حبيسي منازعاتنا السياسية، ومكايداتنا الحزبية، فهؤلاء هم جنود الوطن وليسوا جنود السلسة والأحزاب.

· إن ما يحدث اليوم يضعنا أمام أسئلة ملحة، هل هناك رابط بين تقدم العملية السياسية، والحملة الشرسة على الجنود؟، وهل هناك من يستفيد فعلاً من الانفلات الأمني ليؤجل من جهة إخراج مسلحيه من الشوارع؟، أو تأخير هيكلة الجيش؟. إن تلك الأسئلة وان كانت تحمل بعض الإجابات لدى البعض، إلا أنها تظل مجرد تخمينات، أو رجماً من رجوم الغيب، وتبقى الأيام القادمة كفيلة بحلها.

حتماً ومن دون أدنى شك إن هذه الأعمال الإرهابية، سوف تشغل الجهات الأمنية عن مهمتها الأساسية في المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية والياتها المزمنة، والتي في واوياتها استتباب الأمن، وشعور اليمنيين بالطمأنينة، بعد اشهر عجاف عاشوها.

الأزمة الاقتصادية والانفلات الأمني

بدورها لن تشهد انفراجا في ظل انفلات امني، فأي تاجر يمني ولو كان صغيراً سيغامر برأس ماله في أوضاع مخيفة كهذه، ناهيك عن الأشقاء والأصدقاء، وكما يقولون رأس المال جبان.

من مشاهد الانفلات الاقتصادي الذي يغذيه غياب الأمن، وان تنعدم المساواة في تقديم الخدمات الأساسية، سواءً من حيث السعر، أو الجودة، فعلى سبيل المثال يباع البترول في بعض المناطق ب1500 ريال مع توفره، فيما يصل سعره في مناطق ثانية إلى ما يفوق الضعف وفي ندرة شديدة، وكذلك هو الحال مع الديزل، الذي يباع لمؤسسات بسعر يقل عن المؤسسات الأخرى، فأي عدالة هذه؟، ولماذا هذا التمييز؟.

ليس من واجب الدولة أن ترضى منطقة لتنفي عنها صفة التهميش بخفض سعر الخدمات المقدمة لها، في ظل قلتها وارتفاع سعرها في مناطق أخرى –هي في حالة تهميش اشد-، كما أن هذا الوضع يؤسس لسوق احتكارية ضخمة، فمن يتحصل على تلك الخدمات بسعر اقل، بالتأكيد انه لا يبيعها للناس بنفس القيمة، بل يقوم بترحيلها للمحافظات التي تشهد ارتفاعا في السعر، وبهذا تكون الدولة بانشغالها بالانفلات الأمني من زاوية وتدني رؤيتها الاقتصادية من زاوية ثانية، قد ساهمت في الاحتكار المقنن، وضاعفت من معاناة الناس!!!.