اقطاعيوا اليمن الجديد ..مملكة الجعاشن الكبرى
بقلم/ ريما الشامي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 25 يوماً
الإثنين 02 إبريل-نيسان 2007 09:37 ص

 مأرب برس - خاص

يوما عن يوم تثبت السلطة الحاكمة أن هذا البلد لا يحتكم إلى دستور ،او قوانين أو نظام وان ليس هناك وجود لمؤسسات دولة، وإنما واقع الحال هو أن الوطن مسخرا لأجل حكم فردي ورغباته والذي هو بدوره يقطع الوطن لمتنفذيه ويطلق لأيديهم العنان ليفعلوا ما يشاءون في هذا الشعب بلا حساب أو مسؤولية، وأمام من سيسألون؟ ومن هي الجهة التي ستسألهم أصلا؟

لاجئو مملكة الجعاشن الذين فروا من ظلم وبطش وتجبر احد طغاة السلطة المتنفذين الذي أحال إنسانيتهم عبودية لم تشهدها البشرية فيها الإنسان وحريته وما يملك ملكا خالصا للشيخ وأحد مقتنياته الشخصية وجعل ضحاياه يعيشون حياتهم كدا وتعبا وجهادا ليقدموا خلاصة أعمارهم نذرا وقربانا لسداد فروقه وإتاوته ليموت احدهم كمدا وقهرا لأنه لم يستطع ان يسدد قسطه من الفرق الذي ما أنزل الله به من سلطان ويفقد الآخر عقله وهو يرى ميلشيات الشيخ تقتحم بيته ليلا وتنتهك حرماته وتستلب المواشي ودبب الغاز و البقية فروا هربا من هذا البطش ليستغيثوا بدولة ظنوا أنهم من مواطنيها وأنها ستنظر في مظالمهم بعين العدالة وستوقف الظالم وجرائمه عند حد بالدستور والنظام والقانون الذي أعطى درجة المواطنة المتساوية لأبناء اليمن ولكن بعض الظن آثم عظيم.

اعتقد أبناء الجعاشن ان لجوئهم الإنساني إلى عاصمة الدولة واستنجادهم بها لرفع الظلم عنهم وإعادة اعتبارهم الإنساني سيجعل الدولة تدرك مسؤولياتها وتبادر باتجاه إحقاق الحق على قاعدة الدستور والقانون ولكن هذه الكارثة الإنسانية المعتصمة في قلب صنعاء ببعد أمتار من القصر لم تحرك ساكنا في دولة يفترض أنها تتحرك لحماية حقوق الناس وحرياتهم كواجب قانوني ومهمة دستورية مناطه بها وفي إطار الدستور العقد الاجتماعي الذي يحفظ للإنسان اليمني كرامته وحريته وحقوقه ويمنحه درجة المواطنة وليس درجة العبودية خاصة وان هذا الدستور مناط تطبيقه كافة مناطق الجمهورية والتي منها مملكة الجعاشن التي يحيا أبنائها خارج نطاق العصر بعبودية واسترقاق وإقطاعا مطلق للشيخ.

كل هذا الظلم والوضع اللانساني الذي يعيشه أبناء مملكة الجعاشن لم يعني شيئا لسلطة تمثل ما يفترض تسميتها دولة وجدت لأجل الناس وحفظ حقوقهم ورعاية مصالحهم في أطار قواعد الدستور العقد الاجتماعي الناظم لعلاقات المجتمع وشئونه هذا الدستور الذي لا تخضع له مملكة الجعاشن، والأدهى من ذلك هو إنكار السلطة لمظالم مواطنيها ووقوفها إلى جانب الظلم وتبني موقف ذلك المتنفذ الذي نكل بجزء من مواطني هذه الدولة وجعلهم يلجئون الى عاصمتها هربا من بطشه و فروقاته الخيالية التي لا نص فيها لا بقرآن او بسنة او حتى بدستور الجمهورية اليمنية.

مهمة اللجنة البرلمانية للتحقق من المظالم التي يتحدث عنها لاجئو مملكة الجعاشن وقفت السلطة دونها حائلا مانعا ورفضت قطعيا وصول أعضاء لجنة المجلس التشريعي الى تلك المملكة للتحقق من ممارسات ذلك الطاغية في أوساط عبيد القرن الواحد والعشرين و لمعاينة وملامسة المعاناة والعذاب والجحيم الذي يعيشه أبناء تلك المملكة الخرافية التي تعيش العصور الوسطى.

وإزاء استهتار السلطة وضربها بقوانين البلد ودستورها ووقوفها سدا منيعا لحماية ذاك المتنفذ ودون وصول اللجنة البرلمانية الى منطقة هي جزء من أراضي الجمهورية حتى وان كانت مملكة مغلقة لم يكن هناك من سبيل إمام أعضاء اللجنة إلا الاستقالة من عضويتها كأقل شيئ يمكن ان يفعلوه وليكونوا بذلك شاهد إثبات لحال دولتنا التي صارت أداة لحماية جرائم المتنفذين علنيا وبشكل رسمي.

وبنفس الاستهتار والبجاحة في عدم الاعتراف بالدولة ورفض دستورها وقف ذلك المتنفذ في اليوم الذي من المفترض نزول اللجنة لمملكته متحديا لينشر ميلشياته المسلحة في إرجاء مملكته ويقوم كذلك بقصف قرى وبيوت المهجرين من ضحاياه ويتوعدهم بأسلوب همجي لا يمكن ان يوصف الا بأنه تمرد على الدولة والدستور والحكم الجمهوري ولكن برعاية ودعم السلطة التي تحارب التمرد في صعدة والتي هي بنفس الوقت توفر لمستشار الرئيس وشاعره الدعم والرعاية وتمنع وصول اللجنة البرلمانية الى مملكته للتحقق من مظالمه ليقوم بعد ذلك باستقبال ضحاياه المهجرين بمليشياته المسلحة وبفوهات البنادق الموجهة الى صدورهم و بوعد ووعيد وتوعد بالانتقام لقاء ما قاموا به.

الشيخ أوفى بوعده و لم يمهل ضحاياه كثيرا اذ بدأ بتطبيق عقوباته مباشرة على رعايا مملكته حيث قام بقطع الماء عن منازل ضحاياه اللاجئين العائدين اليه وأمام ذلك لم يكن كالعادة للدولة حضور في مملكة الجعاشن وفي المحصلة فان من لم يمت بفروقات الشيخ مات بالعطش وصبرا الـ الجعاشن فأن لكم الجنة أما الدولة فهي الشيخ وهي من تحميه وتحصنه.

الشيخ أثبت ان لا سلطان فوق سلطانه وأن مملكته خارج نطاق الجمهورية اليمنية وأن دستورها وقوانينها لا تعنيه وانما فقط يحتكم لقوانين ودستور مملكة الجعاشن وما على رعايا مملكته الا أن ينتظروا المزيد من الفروقات والإتاوات والانتقام القادم والتسليم بمصيرهم وبقدرهم على يديه.

مرت مظالم أبناء مملكة الجعاشن بسلام ولم يتم حتى التحقق وحصر ظلم ذلك المتنفذ او التحقيق معه فضلا على ان يخضع للقضاء ولم يكن هناك أثرا لدستور او نظام او قانون أو دولة يركن اليها الناس لحماية حياتهم ورفع المظالم عنهم وأبعد من هذا أفشلت اللجنة البرلمانة للاستقصاء والبحث في حقيقة الوضع القائم في مملكة الجعاشن وكان ذلك من اجل ( رد اعتبار) الشيخ المستشار وأمثاله من متنفذوا واقطاعيوا السلطة ولأجل إعادة هيبته وترسيخ سطوته في أوساط رعاياه العبيد ليزداد عتوا وجبروتا في فروقه واستبداده برعايا مملكته.

لم يكن يتصور احد ان تنتهي مأساة لاجئي الجعاشن بهذا الشكل الفاضح الذي كرس بقوة السلطة ورعايتها سطوة الظلم و أيدي المشائخ والإقطاعيين في إرهاب الناس ومنحهم الحماية والضوء الأخضر للمزيد من الجرائم والطغيان والاستبداد وبتوجيهات عليا بررت بها السلطة إلغاء اي دور للدستور والقانون ومؤسسات الدولة ولجنة البرلمان للحيلولة دون مسألة أو حتى التحقق والتحقيق في مظالم ذلك المتنفذ بل ومنحته تفويض قادم لممارسة المزيد من الظلم وتأديب الخارجين على سلطان مملكته كيف ما يشاء سواء بقطع الماء او حتى الحياة فكل شئ في مملكته ملك يمينه.

لقد قدم أبناء الجعاشن العائدون صاغرين الى عبودية الشيخ وفروقاته الحجة والبرهان على ان مملكتهم ليست فريدة من نوعها بل وطننا كله مملكة جعاشن كبرى مقسمة الى مشيخات وإقطاعيات جعاشنية يحكمها اقطاعيوا السلطة وأيديهم مطلقة فيها بكل شي بدون حسيب أو رقيب وانما حصانة ذلك المتنفذ عن الدستور والعدالة والقضاء وتبني السلطة له ووقوفها في صفه وتشديد سطوته إنما يأتي كنموذج ليس الا يحكي واقع الظلم والفساد الذي يحكم وطننا وكدليل مادي ملموس لمنهجية السلطة وإستراتيجيتها في جعشنة اليمن و تمليكها إقطاعيات لمراكز النفوذ ولم تكن مأساة أبناء مملكة الجعاشن الا جزءا من واقع الوطن الذي يعيش كل هذا الكم المتراكم من المعاناة والاستبداد والظلم المسنود بهؤلاء الإقطاعيين في مختلف مناطق البلد .

وان كان هناك من تساؤل على مصير الدستور والنظام والقانون والغاية من وجود كل تلك المعاني والقيم، هل صارت مهمة الدستور فقط لتبرير شن الحروب على مناطق في الوطن او حتى على افتراض صحة الادعاء بتطبيقه فهل دستور الجمهورية اليمنية تمت صياغته لأجل صعدة حصريًا لأجل إخضاع متمرديها على سبيل المثال بينما هذه الممالك الإقطاعية في الوطن لا تخضع له وملاكها لا تعنيهم أية قوانين وأنظمة للدولة وعليه فتمر مظالم أولئك الإقطاعيين بدون حساب لأنهم فقط مسائلين إمام دساتير إقطاعياتهم وقوانينهم الجعاشنية في إرهاب الناس واستبدادهم.

ان الرسالة التي قدمتها السلطة واضحة جدا في في تبني نهج جعشنة اليمن وإبقاء مصائر البلاد والعباد محكومة بأيدي هؤلاء الاقطاعيين الذين يضمنون تأبيد الحكم الفردي في السلطة وتوريثه على قاعدة المصالح المتبادلة المشتركة والتي هي مصالح البلاد التي اقتطعتها السلطة لمتنفذيها ومراكز قوى الفساد.

وما يؤكد ذلك هو الخطاب الرئاسي الإعلامي المتنصل من المتنفذين والذي كان يعد بالقضاء عليهم وعدم استمراره كمظلة للفساد و رعاية المفسدين في فترة الانتخابات ثم اذا بنا نصدم بتوجيهات عليا تأتي كمظله حماية وإسناد لمظالم طاغية الجعاشن بدلا من محاسبته ومسألته وإخضاعه لدستور البلد الذي خرج عليه ومن ثم ليقل القضاء كلمته وحكمه الفصل.

تساؤل مشروع نطرحه: هل يمكن لدولة تحترم دستورها وقوانينها وتدعي العدالة ودرجة المواطنة المتساوية لأبنائها ان ترتكب ابتداء مثل تلك الممارسات والظلم الذي يعيشه أبناء مملكة الجعاشن ثم بعد ذلك تمر هذه المظالم مرور الكرام بعيدا عن الدستور والقانون والقضاء ويفلت مسؤليها من المسألة والحساب بل و ( يعاد اعتبارهم ) المخدوش بفعل شكاوى ومعاناة ضحاياهم ليستمروا في ممارسة المزيد من القهر والاستبداد والممارسات الخارجة عن دستور البلد؟ بمعايير العقل والدين والإنسانية لمن المفترض يرد الاعتبار للظلم والبطش والمتنفذين أم للحقوق المغتصبة والمواطنة المستلبة وضحايا الفروقات التي ما انزل الله بها من سلطان وما احتواها دستور الجمهورية اليمنية؟.

ألم تدرك السلطة بعد ان حكم الوطن بواسطة المتنفذين وإقطاع البلاد لمراكز النفوذ والتسلط ولمصالحهم هو خطأ فادحا لأنه لا يمكن ان يظل هؤلاء الإقطاعيون للأبد مصدر امان وثقة للبقاء في السلطة والتفرد وتوريث الحكم عن طريق أدوارهم ووظائفهم في قهر إرادة الشعب وتزوير الانتخابات!

ألم تكن التجربة القريبة في الانتخابات قد أعطت درسا كافيا ومهما للسلطة من خلال رفض الشعب لأوصيائها وأدواتها ومتنفذيها الذين تسلطهم لقهر الناس وأمالهم؟

لعل الرئيس أدرك حينذاك خطورتهم عليه وسلبية موقفه بسببهم ما جعله يتنصل منهم ويعد بالقضاء على كل المتنفذين ولكن لماذا يحظون اليوم بكل هذه الرعاية والدعم والحصانة والمزيد من السطوة ضدا لكل الوعود؟

أي مستقبل سوداوي أفضل ينتظر هذه البلاد في ظل سلطة تعلي من شأن قيم الجهل والتخلف اذا كان الإقطاعيون هم سادة اليمن الجديد؟

 يرسم لنا الكاتب فكري قاسم مشهدا مقززا لسلوكيات وأسلوب تفكير العقليات الإقطاعية المتحجرة التي تسلط على الشعب ومقدراته و تحكم مصائر البلاد والعباد عندما يتعهد احدهم الى رئيس الجمهورية بتصفية محافظته من الكوادر المتعلمة والمثقفين فما بالكم ان كان ذلك المتنفذ القطاعي أمي القراءة والكتابة ومع ذلك اعتلى منصبا حكوميا رفيعا على هرم محافظته ليس على اعتبار معايير الكفاءة و الأهلية ولكن على خلفية اعتبارات الولاء وكونه استطاع ايضا تحويل منطقته الى جعاشن أخرى والعودة بها اقطاعية قبلية ومن ثم اغلق صناديقها الانتخابية بالتزوير حصريا للسلطة مثل صناديق الجعاشن التي ذهبت للرئيس والرجل ماض في طريقه لتنفيذ وعده بجعشنة تعز وقبيلتها.

برأي ذلك الشيخ فان تصفية المثقفين والكوادر المتعلمة هو اقل القليل مما يجب عليه تقديمه كرد الجميل للرئيس الذي أعطاه منصبا لا يستحقه تلك العقلية مثال واضح للسياسة والإدارة التي تحكم بها اليمن!؟

هذا هو الإقطاع وهؤلاء هم الإقطاعيين الذين تحكم السلطة بهم البلاد لتبقيها تحت رقبة الجهل ورهينة التخلف ومملكة جعاشن كبرى، فالمعادلة متوازنة بكل وضوح فقيم الوعي والعلم والمدنية هي عدو الاستبداد ونقيضه الموضوعي والحضاري والجهل والتخلف والأمية هو البيئة الحاضنة للمستبدون ومشاريعهم و هؤلاء الإقطاعيين هم الآليات والأدوات والضمانات لتخصيب الجهل وتكريس واقع التخلف.

للأسف ترى السلطة ان جعشنة اليمن هي منهجيتها في إدارة البلاد القائمة على قمع إرادة الشعب وقهره بمتنفذيها وتشديد سطوتهم علي كافة مناحي الحياة وعلى قاعدة إعادة حكم الوطن بالنظام المشائخي- الإقطاعي بصيغه القبلية المتخلفة التي تراها ضمانات البقاء والتفرد في الحكم كونها آليات ترعى واقع الجهل و تكرس التخلف وتخضع مجموع الشعب بالقهر والإرهاب لإرادة الاستبداد ومشاريعه.

ان كان المثل العربي الذي يقول جنت على نفسها براقش ينطبق على لاجئي الجعاشن حين ظنوا أن هناك دولة ستنصفهم ثم هاهم يعودون إلى ظلم الشيخ و مشاريع فروقه المستقبلية دون أسف عليهم حتى وهم يموتون عطشا على يديه الا انهم وضعوا امام كافة ابناء الوطن حقائق سلطتهم ووضع اليمن المأساوي الذي صار فيه الوطن ضيعة خاصة بالمتنفذين حيث لا دستور يحكم احد او دولة تحمي مواطنيها وانما هي الحقيقة الناصعة السواد وهي الإقطاع القديم بشكله السافر الجديد الذي تتبناه السلطة كسياسة وإستراتيجية حكم وترعاه مباشرة.

ان مكافأة هؤلاء الإقطاعيين على جرائمهم بتشديد سطوتهم أكثر بتلك الصورة البشعة التي رأيناها في تبني مواقف المتنفذين لصالح تكريس المزيد من الظلم في مملكة الجعاشن وان كانت هذه السياسة تعبر عن إفلاس سلطة فاشلة تدير الوطن بصيغ محنطة تستعيدها من القرون الوسطى الا ان هذا الوضع القائم يضع اليمنيين امام خيارات مصيرية إزاء هذا التدهور والانهيار في منظومة القيم الاجتماعية والسياسية التي يراد فرضها استعلاء بالقوة السافرة المتكئة على مقدرات البلد لتحول حياة شعبنا الى صورة مجسمة لمملكة جعاشن كبرى في ارتداد صريح عن النظام الجمهوري وقيم العدالة والمواطنة وأهداف الثورة التي لم تعد أغلى قيمة واعتبار من الحبر الأسود المكتوبة به و التي كان اول أهدافها القضاء على الاستبداد ومخلفاته وصارت اليوم ليست اكثر من ديكور يثير الأسى والحزن على واقع شعب أعيدت حياته رغما عن إرادته وثورته وأهدافها إلى عصور الاستبداد والإقطاع الجديد الذي لم يكن موجودا في عهود الأئمة.