القاتل الخفي: اقتصاد الإقطاع العائلي .. ودكتاتورية المال المتوحش!
بقلم/ علي ربيع
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 6 أيام
الأربعاء 18 إبريل-نيسان 2012 11:13 ص

*ما الذي تغير من نصف قرن؟ كان الإقطاع النفوذي والمشيخي هو المهيمن على الاقتصاد الزراعي بصفته البوابة الوحيدة لعجلة الإنتاج الاجتماعي، وقامت ثورة سبتمبر وتلتها أكتوبر، وكان اليمن شطرين، لا شعارات البروليتاريا أنقذتنا، ولا شعارات الرأسمالية أغنتنا، فشلت التجربتان وانتصرت عبثية التخلف، وأعاد الإقطاع المستغل إنتاج نفسه من جديد بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية قبل 22 عاماً، استولى الإقطاع الجديد على كل شيء، ونهبت الخصخصة مؤسسات الدولة، وتُرك الحبل على الغارب لنمو سرطان دولة الاقتصاد العائلية أو الأسرية.

*امتزجت العائلية السياسية بالعائلية الاقتصادية بالعائلية المشيخية بالعائلية العسكرية بالعائلية الدينية المذهبية، وتزاوجت السلطة بالمال، وتحالفت الريالات مع البنادق، فنشأ لدينا نظام اقتصادي أسري امتد إلى كل شيء، ولم يحقق أي شيء سوى المزيد من جني أرباح التوكيلات وتحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي بحت، ولا شيء إطلاقاً سوى الزبادي والفاصوليا والسمن والصابون المصنعة تحويلياً.

*تحول التجار إلى مراسلين ومسوقين لما ينتجه الغرب والشرق من القمح وصولاً إلى الدبوس ، ومجمل غلة العملات الصعبة تذهب كلها إلى جيب المزارع الأسترالي والعامل الصيني، ليس هناك أي علاقة لرأس المال بالمادة الخام المحلية، فقط براميل قليلة من النفط ، أو المتيسر من أسماك البحر، وكلها لا توازي ما ننفقه على هواتف (أبو شريحتين) أو ولاعات شانغهاي (أبو سراج).

*نحن بصدد احتكار ملكية الشركات للأسر وللأشخاص، بصدد عدم وجود قوانين تحكم إنشاء الشركات لتصبح أسهمها في متناول اليمنيين، بصدد اسئثار المافيا الأسرية بكل شيء، المصانع والمزارع والتوكيلات، الاستيراد والتصدير، الشقق السكنية، البنوك، الفنادق، وصولاً إلى اقتحام سوق المهن الفردية البسيطة، سواقو البيجو، القرويات بائعات البيض، حرفيو المشغولات اليدوية، المدارس والجامعات والمقاولات، والدعاية والتسويق، ووسائل الإعلام، كل شيء كل شيء، أما الفتات الباقي فسقفه لا يسمح بأكثر من عربة ريمي متجول أو معمل بدائي لقباطي يبيع الحلاوة!

*إنها البيوت التجارية وما أدراكم ما البيوت التجارية! سبحانه يعطي ويمنع، فهذه ليست هي الفكرة، الفكرة هي كيف تحولت هذه البيوتات إلى وجود إقطاعي مشرعن يحكم اقتصاد هذا البلد المنهك ويمتصه حتى آخر قطرة، الفكرة هي كيف تحولت هذه المنظومات الإقطاعية إلى غول حقيقي يهيمن على كل شيء، دون أن يردعه رادع!

*إحدى هذه الإمبراطوريات المالية العائلية لم تبرع سوى في تلميع نفسها من خلال البروبوجاندا الإعلامية ومنح الفتات الخيري والاجتماعي، لكن مشيئتها لم تسمح لموظفيها بإنشاء نقابة، قال لي أحد موظفيها نحن لسنا سوى عبيد جدد في ملابس نظيفة، عبارة عن ماكينات إنتاجية محكومة بمزاجية السيد المالك المطلق، من يهذي بنقابة أو بحقوق أو تحسين وضع يفصل بلمح البصر، لا قانون ينصفه ولا مؤسسات دولة تحميه، آلاف العاملين بمرتبات ضئيلة بلا ضمان صحي، لا لهم ولا لأسرهم، تخدم لسنوات من عمرك، وفجأة تجد نفسك في الشارع لا لسبب إلا لأن السيد أراد.

*هل نعول اليوم على تغيير يشمل الإطاحة بإقطاعيات رأس المال الأسري والحد من نفوذها وهيمنتها وشرائها للذمم واستئثارها بالثروة والسلطة؟! هل يمكن أن نردعها عن انتهاك آدمية البشر وتحويل الاقتصاد الوطني إلى دكاكين كبيرة وسماسر دكتاتورية يزين واجهاتها اسم العائلة؟! مصانع وشركات ومجموعات ملونة الأسماء أو غير ملونة، وكلها ليس لها سوى هدف واحد هو الهيمنة والاستئثار وتوسيع سوق العبيد الجدد، مع الإصرار على الاستمرار في تسطيح الوظيفة الاقتصادية الوطنية لرأس المال بحيث لا تتعدى أفكاره الخارقة استهداف شرايين اليمنيين بسمن نباتي متخثر، أو تسميم أطفالهم ببفك المارد الأخضر!

*أعتقد أن التغيير الاجتماعي بمفهومه المعاصر لا يعني تغيير شخص بشخص أو نظام حكم بنظام حكم، بقدر ما يعني تغيير نظام المجتمع الاقتصادي وإحداث ثورة على أسسه المتخلفة والأنانية، لا يهم من يحكم، المهم مستوى الدخل ونسبة الأمن المعيشي والخدمي، وهي أشياء لا يمكن أن تتحقق في ظل وحشية رأس المال العائلي وأنياب دكتاتوريته الإقطاعية.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*إشارة:

تحت وطأة الرهاب من وحوش الإقطاع العائلي، لم تسمح صحيفة الثورة الحكومية بنشر هذا المقال في يوميات الثورة ليوم الأحد الماضي،15/4/2012م،