عن خيبة أمل إسمها قطر
بقلم/ محمد العبسي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 08 أغسطس-آب 2012 01:48 ص

ما الذي حصلت عليه اليمن من زيارة الرئيس هادي ومن معه لدولة قطر؟ لا شيء. لا ما تقتضيه الدوافع الانتهازية السياسية في التعامل مع اليمن بوصفها البلد الأقرب إلى المملكة العربية السعودية، ولا ما تقتضيه الدوافع الإنسانية تجاه بلد تقول منظمات الإغاثة العالمية إنه يعيش مجاعة. لا ما تقتضيه السياسة الخارجية لقطر كدولة صغيرة تبحث عن دور منافس للسعودية في المنطقة، ولا ما تقتضيه المسئولية الأخلاقية لقطر كأكثر دولة خليجية ساندت الثورة ثم تخلت عن الشعب اليمني وهو يعاني ويلات العقاب الجماعي وغياب الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ووقود. وفق ذلك لا قيمة للحرية التي بشرت بها الثورة ولا أثر لها في حياة اليمنيين على المدى القريب. بحسب فرانكلين روزفلت فلا قيمة للحرية الشخصية والفكرية إن لم يكن المرء حراً اقتصادياً" فالحاجة والفقر هما ما يدفعان الناس إلى العبودية أو تقديس الحكام أو بيع مبادئهم في سوق نخاسة السياسة. ولهذا السبب كان المبدأ الثاني في وثيقة الليبرالية الأمريكية هو "إضافة حق الثراء إلى حقوق الإنسان الطبيعية".

لم تحرز زيارة قطر شيئاً عدا وجبة إفطار في ضيافة الأمير وكيس هدايا وعُودة ملكية ولا شيء أكثر. وبينما كان الوفد اليمني الرئاسي متجهاً إلى الدوحة كان رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل يقول بشيء من الأنفة والاعتداد "إن قطر أنفقت على ثورة بلاده أكثر من ملياري دولار". كان حرياً بالرئيس ووفده بدلاً من التبسم للكاميرا، وتعللاً بتصريح عبد الجليل الذي صادف نفس اليوم، أن يسألوا أمير قطر ما الذي قدمته قطر لليمن؟ تنسيق اتصالات وزيارات توكل كرمان الدولية؟ أم قناة وسيم القرشي أم استضافة شابين قيل إنهما من شباب الثورة في الجزيرة وهذا كل شيء؟

قدمت دولتا السعودية والإمارات خلال عام ونصف معونات نفط وديزل وقمح تصل قيمتها لمليار دولار. وبصرف النظر عن ما يقال في الأوساط الثورية عن نوايا الدولتين إلا أنهما كانتا أنبل من قطر ولم تأججا اليمن. كانت قطر تشجع المزيد من الشباب على مواجهة الرصاص بصدور عارية فسقطوا جرحى وقتلى ومعاقين -ولا ندم على تلك التضحيات- فلما نُحي صالح عن الرئاسة أدارت ظهرها لهم باستهانة من يفتقر إلى الشهامة ولا يحس بمسئولية أخلاقية عن جريح دفعه اليأس إلى محاولة إحراق نفسه على المنصة التي لم يبق منها إلا الصراخ الثوري. وبالنظر إلى إعلان السعودية رسميا تقديم 4 مليار دولار لليمن يبدو وعد أمير قطر بمساعدة اليمن بالكهرباء واستقدام العمالة في علم الغيب فقاعة صابون في الهواء ليس إلا.

لا تحتاج اليمن التسول من أحد ولا ينبغي التفريط بكرامة اليمنيين وتقديمنا كمتسولين شعباً وحكومة خاصة وأننا تملك موارد اقتصادية كثيرة مستنزفة وغير مستغلة. فهذه السعودية لا تصدر غازها المسال خاماً أبداً لأن مشتقات LNG غالية ومهمة لصناعة البتروكيماويات في البلد بينما بِيع الغاز اليمني بيعة سارق! نبيع الأرض لشراء السماد، وفيما خسرت اليمن أكثر من 3 مليار دولار خلال عام بسبب ضرب أنابيب النفط وخطوط الكهرباء نبحث عن صدقة خليجية لحل مشكلة الكهرباء التي لا تزيد عن مليار دولار. والسبب أن حكام اليمن يشعرون الخليجيين أن البلد الذي يحكموه مجرد سلعة وأن جل مرادهم الحصول على عمولة أو "كوميشن" كلما قدموا تنازلاً عن سيادة البلد وكرامة شعبه.

لا تحتاج اليمن مساعدة أحد فإن كان ولا بد فليكن ذلك لائقاً وبشكل مشرف وكريم. والحق أن لليمن على قطر التزامان مستحقان وليس فيهما أية منة: التزام سياسي بمقتضى وساطتها في حروب صعدة وسعيها الدائم للعب دور في اليمن. أما الثاني فالتزام أخلاقي كون قطر أول دولة خليجية ساندت إسقاط علي عبدالله صالح ثم ساعدت على إعادة إنتاج نظامه القديم مموهاً عبر تكريس القوى التقليدية وأداء قناة الجزيرة وتحويل ثورة شعب ضد الظلم ونظام حكم بأسره، إلى ثورة مفصلة على شخص وعائلته فقط. قبل أن تختزلها المبادرة الخليجية، وأطراف محلية، من ثورة إلى أزمة سياسية بين النخبة الحاكمة داخل حاشد بدء بلقاءات قادة المشترك أمين مجلس التعاون الخليجي في منزل صادق الأحمر وانتهاء بحرب الحصبة وحروب قادة سنحان العسكريين.

هزالة تغطية الجزيرة لثورة اليمن وتوجيهها لا تحتاج إبانة. نقلت الجزيرة في تونس صوت الهامش لا المتن، والمجهول لا المعروف، ومن هم خارج السلطة لا المنشقين عنها للبقاء إليها. فلم يقدم برومو الجزيرة لثورة تونس مثلاً وزير الدفاع رغم ما قيل عن بطولته ورفضه إطاعة بن علي في قتل المتظاهرين، وإنما نقلت للعالم دموع "أحمد هرمنا" كصوت حقيقي للعربي المسحوق وكم ألهمتنا، بل وغرتنا أيضاً، بتلك اللحظة العظيمة التي يصرخ محامي تونسي يبدو وحيداً في الشارع: "يا توانسة معدش في خوف، يا توانسة بن علي هرب، المجرم هرب، المجد للشهداء، تحيا تونس". عشت أجمل تحريض في حياتي وأنا أشاهد ذلك المقطع عشرات المرات في اليوتيوب. وبخلاف برومو قناة الجزيرة عن ثورتي مصر وتونس نقل برومو ثورة اليمن صوت المنشقين عن السلطة لا من عاشوا خارجها باستثناءات طفيفة كالطفل الجريح الذي على أنفه لصقه جراح وفي صوته غنة.

أليس ابتذالاً أن يظهر في البرومو الذي يقدم للعالم باعتباره بطاقة تعريف الثورة اليمنية شخص كاللواء علي محسن الأحمر الذي تصفه إحدى وثائق ويكليكس بالقبضة الحديدية لصالح والرجل الذي يذكر اليمنيون اسمه همساً لشدة رعبه؟ ويقولون أنه انضم للثورة فقط ولا يؤثر عليها!! لا حاجة للتوضيح هنا أن المسألة ليست موجهة ضد كل من عمل مع صالح ومن هم من سنحان خاصة. فقد كنت لأتقبل مثلاً ظهور اللواء عبد الإله القاضي في برومو الجزيرة كشخص انضم للثورة باكراً وخسر موقعه كقائد للواء العند نتيجة انضمامه للثورة وتعرض منزل نجله محمد لإطلاق النار وأصيب أحد أبنائه، بخلاف القادة العسكريين الذين انضموا مع علي محسن وحافظوا على مناصبهم أو عيّنهم الرئيس هادي في مناصب أخرى. بدلاً عن ذلك قدمت قناة الجزيرة في برومو ثان منشقاً آخر من رجال علي محسن هو اللواء محمد علي محسن وفي نهايته يطل الشيخ الثائر عبدالمجيد الزنداني وهو يقول لصالح: ماذا تنتظر؟ لقد تخلى عنك رجالك! ارحل! وكأن الزنداني لدى الجزيرة هو المعادل اليمني لـ"أحمد هرمنا" التونسي، وعلي محسن المعادل اليمني لذلك المحامي المؤثر والصادق. أترون على ابتذال وقلة نزاهة؟

نفس الشيء لا حاجة للتوضيح أن المسألة ليست ضد الزنداني كرجل دين أو عضو حزب الإصلاح، بل لكونه شخصاً لو أنطق الله يديه لقالتا إنهما صافحتا علي عبدالله صالح 33 ألف مرة بمعدل 1000 مرة في العام. وأنا كنت لأتقبل لو ظهر في برومو الجزيرة الشيخ عبدالله صعتر مثلاً من الإصلاح لمبدئية مواقفه منذ سنوات حتى أنه قبل شهور قليلة من الثورة عندما عيّن الرئيس صالح لجنة مرجعية من العلماء برئاسة الزنداني لحوار الأحزاب! سئل لماذا لم يكن ضمن اللجنة فقال الشيخ صعتر لصحيفة الناس: "الله المستعان، عيب آخر عمري أروح أشتغل محلل لعلي عبدالله صالح" وهي قولة لا أنساها له ولكن اليمنيون بلا ذاكرة وقناة الجزيرة بأرشيفها الكبير أشد نسياناً وأقل نزاهة ومهنية في اليمن منها في مصر وتونس. والدليل أن رئيس الوزراء باسندوة لم يحتمل الأسئلة المهنية والمحايدة من مقدم برنامج في الجزيرة الإنجليزية ونهض غاضباً في وسط الحلقة وقال للمذيع "أسئلتك كلها مشاكل من حق القاعدة والحوثيين" وكأنه توقع من مذيع الجزيرة الانجليزية أسئلة شبيهة بنسختها العربية حول عفاش والمخلوع والصمع والغسوس. أداء القناة في اليمن على أية حال نسخة محسنة بالكاد من قناة سُهيل!

ثورة تفخر بواحد من أكبر مشاريع الفساد!

وجه أمير قطر بمعاملة أبناء اليمنيين في المدارس والجامعات معاملة القطريين ولم يطلب منه الدكتور ياسين والآنسي -كوننا نأمل فيهما خيراً أكثر من الآخرين في الوفد- أن يقولا لأمير قطر أن يوجه بمعاملة اليمنيين مثل البنغال وأي شعب آخر حيث لا يسمح لليمني بمغادرة مطار الدوحة عند نزوله فيه ترنزايت! وما قيمة هذا مقابل إعلان قطر استعدادها فتح خزائنها لتمويل حرب "تحرير" ليبيا حتى آخر درهم في الخزينة فيما فسر أنه خوف انتقام القذافي. الأسوأ أن مذلة الإعلام الرسمي وبالأخص صحيفتي "اليوسفي وبجاش" الجمهورية والثورة بلغت أن تهللا وتطبلا، كما كانتا أيام صالح، للزيارة الناجحة. ودليلهما أن أمير قطر وجه باستكمال مشروع الطريق الدائري في عدن وآخر في تعز ومشروع تلال الريان بصنعاء وكم أشعر بالخزي لا لأن هاتين الصحيفتين طبلتا، في أعداد سابقة، لهذه المشاريع بوصفها إنجازا دبلوماسياً لعلي عبدالله صالح فحسب، بل لأن الجميع: الإعلام الثوري والحكومي، الرئيس والشباب، السلطة والمعارضة، مهربو الديزل والآنسي وحتى د/ياسين نعمان الذي نفي لسنوات خارج اليمن وعارض صالح لسنوات أكثر وشاخ ليشهد معهم الفرحة الزائفة بصَدَقة قطرية كانت تحمل اسم صالح وصارت تحمل اسم خليفة! يا له من إنجاز. في حين يعد مشروع تلال الريان الثالث ترتيباً في الفساد بعد صفقتي الغاز المسال وميناء عدن. قبل سنوات كتبت عنه بالأرقام وأشعر الآن أنه لا جدوى من كتاباتنا. بسبب دخول شبام القابضة شريكاً في المشروع -وكنت أعتقد وقتها وغيري كثير أنها مملوكة للعميد أحمد علي- بيعت أرض المشروع بسعر بخس فاحتسبت قيمة اللبنة الواحدة بـ2 مليون ريال بينما القيمة الفعلية للبنة في قلب حدة لا تقل عن 15 مليون ريال. وبحسبة بسيطة فإن خسارة اليمن لا تقل عن 130 مليار ريال. وبدلاً من أن تدخل شبام القابضة بـ150 مليار ريال في رأس مال الشركة ساهمت بـ20 مليار فقط. إضافة إلى أن "بعض بنود الاتفاقية، كما يوضح الدكتور محمد جبران، حمّلت الحكومة تكلفة البنية التحتية من كهرباء وماء وإسفلت وصرف صحي بتكلفة تقديرية تفوق 100 مليار ريال تستفيد منها الشركة القطرية لامتلاكها 80% من الحصة".

طبعاً لن تقول صحيفتا الثورة والجمهورية للنائمين على أرصفة الزبيري وحدة أن مشروع الريان عبارة عن مجمعات سكنية فاخرة ستباع الشقة الواحدة بـ600 ألف دولار فيما يصل سعر الفلة إلى مليوني ونصف المليون دولار. قال لي رجل أعمال يمني يقيم متنقلاً بين صنعاء ولندن أن بوسعه شراء فلة ومزرعة في موناكو أو جنيف بهذا المبلغ. وبخلاف ما كنت أعتقد حول ملكية شبام القابضة لقائد الحرس بتُّ متأكداً اليوم أن وراءها رجلان كانا ضمن الوفد الرئاسي لقطر هما عبد الكريم الإرياني وشاهر عبد الحق الذي سبق أولاً إلى الدوحة وغادرها مع الوفد. وبحسب مصادر تجارية مطلعة فقد أدخل جلال ابن الرئيس عبدربه منصور هادي بحصة في شبام القابضة. شخصياً استبعد صحة المعلومة وأرجح أن تكون شائعة يراد منها منح المشروع الصيت كما قيل سابقاً عن ملكية ابن سلفه نفس الشركة!

توضيح واعتذار لآل أبو لحوم

كنت في مقال سابق طالبت آل الأحمر وآل أبولحوم بإعادة ممتلكات بيت حميد الدين في سياق ذكر ممتلكات البيض لدى آل الأحمر. وقد أخطأت في معلومة وجب توضيحها إنصافا. كان لدى آل أبو لحوم منزلين من أملاك بيت حميد الأول جوار مجلس النواب وقد سلمه عام 1974م إلى ورثة إبراهيم ابن يحي حميد الدين اللواء علي أبولحوم والد رئيس حزب العدالة الذي وضح لي معلومة لم أكن دقيقاً فيها. فيما سلم المنزل الآخر، وهو في حي الأبهر، الشيخ سنان أبولحوم لأمانة العاصمة عام 1994 وتم تحويله إلى متحف عام. وأنا أقدر ما قام به آل أبولحوم ومشايخ آخرين من إعادة ممتلكات بيت حميد الدين لأصحابها بعد أخذها. وأعجب كل العجب من إقامة منتدى الأحمر الثقافي عصر كل اثنين، ندوات ولقاءات تنتقد الفساد واستغلال السلطة وتدعو إلى العدالة والنزاهة من بيت منهوب أصلا!!