مأرب تحت القصف العشوائي
بقلم/ ناجي منصور نمران
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 16 يوماً
الإثنين 10 ديسمبر-كانون الأول 2012 01:09 ص

كنا ولا زلنا نطالب بضرورة إضطلاع الدولة بمهامها في بسط نفوذها وسيطرتها على جميع محافظات الجمهورية ، وملاحقة كل المتورطين في قضايا تخريب وإستهداف مصالح الشعب أينما كانوا كون ذلك من أهم واجبات أي دولة تجاه مواطنيها ، ولكم دعونا مراراً إلى سلوك نهج القوة لأنها اللغة التي لايعترف البعض بسواها في حالة عدم الإنصياع لدعوات العقل والمنطق ، إذ يستحيل أن يستتب الأمن في البلاد مالم تضرب الدولة بيد من حديد وتتعامل بحزم مع الجميع وبدون إستثناء، فبإستمرارغياب سلطة الدولة تغيب هيبتها وعندها لن تستطيع ممارسة واجباتها بفعالية.

محافظة مأرب إحدى تلك المحافظات التي غابت عنها سلطة الدولة لمدة طويلة ، ولطالما عانت من الإنفلات الأمني الأمر الذي جعل منها مستنقعاً خصباً للمخربين والإرهابيين كونهم وجدوا فيها ضالتهم المنشودة ، وصاحب ذلك الغياب المتعمد للدولة للأسف حرمان قاطنيها من أبسط حقوقهم كمواطنين علاوة على كونهم أبناء مناطق نفطية تعتمد عليها الموازنة العامة، فتم تجاهل متطلباتهم التنموية الأساسية من خدمات وبنى تحتية ، وتم إستقصاءهم من المشهد السياسي تماماً وآخرمظاهر ذلك تجاهل تمثيلهم في مؤتمرالحوار الوطني القادم ، بل وتم ممارسة سياسة التجهيل تجاه أبناءها لفترة من الزمن بُغية أن تظل أعينهم مغطاة بستارة سوداء قاتمة عن التطلع لمستقبلهم وإعادة أمجاد ماضيهم التليد، وبدلاً من ذلك فقد تم تغذية الصراعات فيما بينهم، ودفعوا الثمن غالياً نتيجة إنتهاج تلك السياسات الشيطانية.

حتى الإعلام هو الآخر ظلم هذه المحافظة بخطابة الفج ولغته الغير حصيفة، حين تستهدف بعض الأقلام المسعورة أبناء هذه المحافظة جميعهم وتصورهم كمجرمين وقطاع طرق لايستحقوا العيش على البسيطة ولو لبرهة ، ألبستهم ثياب الإجرام لمجرد إنتمائهم لمأرب الخير والعطاء ، وجعلتهم بدون إستثناء في مرمى نيرانها كما تفعل طائرات قواتنا الجوية اليوم تماماً في قصفها العشوائي للسكان هناك ، وهو ما ينم عن غياب المهنية والحيادية في نقل واقع مرير تعاني منه اليمن عموماً ومأرب على وجه الخصوص، وإذا كان هنالك مخربين في هذه المحافظة قد باعوا أنفسهم للشيطان فهم من يتحمل وحدهم ووحدهم فقط مسئولية أعمالهم وليس من المنطق أبداً أن يؤخذ الجميع بجريرتهم.

  ولكن وعلى الرغم من كل هذا الظلم الذي طالهم في الماضي والحاضر فإن الغالبية العظمى منهم تغلب مصالح الوطن العليا ،ولا ترحب بتواجد العناصرالإرهابية على أراضيهم إطلاقاً، ولا تؤيد بأي حال من الأحوال العمليات التخريبية التي تستهدف المنشآت النفطية وأعمدة نقل الطاقة الكهربائية مهما كانت المبررات وراءها، ولازالت تؤمن تلك الغالبية بعدم جدوى نهج هذا السلوك المشين للمطالبة بحقوقهم المسلوبة، فثمة طرق أخرى يمكن السير فيها لنيل تلك الحقوق.

  ولذا فإننا وبلسان أبناء مأرب الشرفاء نؤكد على ضرورة ملاحقة وضبط أولئك النفرمن المخربين ، ونشيد بكل الجهود التي بُذلت في سبيل حقن الدماء قبل اللجوء للخيار العسكري وذلك من خلال قيام المحافظ واللجنة العسكرية بالتفاوض مع المطلوبين ، فقيام الدولة بتنفيذ هذه الحملة العسكرية يأتي في سياق ممارسة مهامها وحماية مصالح الشعب ولانلومها في إتخاذ هذه الخطوة، بل نؤكد تأييدنا لهذه الإجراءات الصارمة ، ولكن في حالة واحدة فقط وهي إستهداف المخربين والإرهابيين دونما سواهم، كون سيرأداء العمليات منذ بدء الحملة قد أسفر عن نتائج كارثية بحق المواطنيين المدنيين الأبرياء بينما المستهدفين لم يُمسوا بأذى، وبصراحة فإن تعاطي القوات المسلحة المكلفة بإدارة عمليات مطاردة المخربين في مأرب مع الموقف على مسرح العمليات لم يكن موفقاً ، إذ أقدمت على قصف مناطق مأهولة بالسكان ممن لاذنب لهم بصواريخ الكاتيوشا مستعينة بالطيران الحربي والذي نفذ الكثيرمن الطلعات الجوية صبت جام غضبها على منازل الآمنين والبعيدين عن مسرح العمليات وليس لهم علاقة بالمخربين ولا بالإرهابيين على الإطلاق ،حيث أودت تلك العمليات إلى سقوط العشرات من الشهداء ما بين نساء وأطفال وشيوخ نسأل الله أن يتغمدهم بواسع رحمته، فهل النساء والأطفال هم من يخرب المصالح العامة ويدعم تنظيم القاعدة؟

إذا كان أداء قواتنا المسلحة متواضعاً إلى هذه الدرجة التي تجعلها تبحث عن كباش فداء ممن لاذنب لهم لتبرير فشلهم الذريع في القبض على المطلوبين ، فإننا نطالب القيادة السياسية ممثلة بالأخ الرئيس بسرعة وقف العمليات العسكرية فوراً كون القصف العشوائي بالمدفعية والطيران سيقود إلى المزيد من الخسائر في صفوف المدنيين الأمرالذي سيزيد سخط الناس، وسيؤدي إلى نتائج سلبية لايمكن التكهن بها.