قُتل الزبيدي، وكان يحفظ خطابات حميد!
بقلم/ د.مروان الغفوري
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 15 يوماً
الخميس 07 فبراير-شباط 2013 01:22 ص
 

تعالوا نسترخِ قليلاً: نيابة الأمن والبحث لمحافظة صنعاء أصدرت توجيهاً بسرعة إلقاء القبض على أحمد علي عبد الله صالح و11 عسكرياً بجريمة قتل المواطن الفرماني.

الأخبار المتناقلة تقول إن هاشم الأحمر سلم قاتل المواطن الزبيدي إلى العدالة، ونسي أن يسلم نفسه. وكانت نقطة عسكرية قد ألقت القبض على نجل العوبلي، قائد اللواء 63 حرس جمهوري، ونقلته إلى السجن في صنعاء. رئيس الوزراء، باسندوة، كان قد سلم حارسه الشخصي بجريمة قتل. كانوا دائماً يقتلون، بمنتهى الهدوء، والبرود. كلهم يقتلون، في السراء والضراء، في الجد والهزل.

حتى حارس باسندوة اشترك في اللعبة. نظرياً: يبدو أن الأمر يصبح أكثر صعوبة مع الوقت. قد تكون هذه الفرضية صحيحة.عملياً: يسلم باسندوة القاتل، فيأتي نجل العوبلي وحرسه ليقتلوا مواطنين آخرين. يلقى القبض عليهم فيأتي حرس الأحمر ليقتلوا مواطناً ثالثاً، رابعاً.. إلخ. لا يوجد قاتل يتأمل في مصير القاتل السابق. ففيما يبدو لا يوجد حتى الآن مصير مشؤوم للقتلة يمكن أن يكون درساً. مكتب الشيخ الأحمر لم يصدر بيان اعتذار أو أسف عن الجريمة التي ارتكبها حرسه قبل أيام. صنعاء هضبة الجريمة، ستبقى هكذا، فيما يبدو، لوقت طويل. ما معنى أن الزبيدي قتل؟ من يأبه له؟ تريدون العدالة: خذوا رجلاً من المشتركين في العملية، واخرسوا. ولتستمر اللعبة، لنقل: الحياة، بنفس قواعدها.

لا نريد أن نخلق جواً من الميلودراما الآن. دعونا نقل: رائع، انظروا، إنهم مطاردون الآن. لقد أصدرت النيابة توجيهاً بالقبض على أحمد. أصبح هناك من يجرؤ على أن يأمر بإلقاء القبض عليهم. هذه لعبة مملة، لأنها تنتهي بأن تجعل من المجرمين الحقيقين أبطالاً بعد أن يلقى القبض على الخدَم. تتذكرون القاضي الشجاع البابكري، قاضي الحوطة. أصدر قبل خمسة أعوام حكماً يطالب فيه بإخراج المعسكرات من المدن. أحيل للجنة تأديب. لقد عانى كثيراً نتيجة موقفه. لماذا لا نرى القاضي البابكري الآن في المجلس الأعلى للقضاء؟. لقد قال الأمور الأكثر شجاعة عندما كان زملاؤه يرتعدون حد الهلاك. لا أحد يعلم، ولا يوجد من يريد أن يعلم.

قال الأحمر في منتصف الثورة: سنوصل الثورة إلى غايتها. لكن عسكره قتلوا المواطن الزبيدي في وضح النهار. تقريباً دفع الزبيدي حياته نتيجة مطالبته بـ 500 ريال. طلب من عسكر الشيخ الأحمر ستة دولارات نظير شغله. أعطوه منها أربعة وقتلوه لأنه طالب بالدولارين المتبقيين. تكمن كارثية الجريمة ورمزميتها الميلانخولية في أنها حدثت على يد حرس الثورة، ورجالها. مش أوي يعني!

 حميد الأحمر، وهو واحد من سلالة معقدة جداً اسمها الأحمر، يتحدث دائماً عبر وسائل الإعلام عن الدولة والمجتمع الحديث، عن القانون، والأخلاق الرفيعة. يتحدث إلى مروان الغفوري عبر التلفزيون وينسى أن يحدث جنوده. الغفوري يحفظ هذا الكلام جيداً، كما إنه لم يحمل سلاحاً في حياته. حتى إنه يخاف من لبس الجنبية. أي أنه ليس بحاجة إلى تلك الدروس المجانية القسرية. القتلة ـ الذين أزهقوا دم الزبيدي في شارع عام قبل أيام ـ يحتاجونه. لكن حميد لا يقوله لهم. ربما لأنه لا يعنيه تماماً. أو ربما لأنه ينسى أن السلاح الذي يحملونه يقتل البشر في صنعاء لا الغزلان ولا الدببة. لم يقل لهم أحد من الرجال المحترمين إن مثل هذه الجرائم ستكون تكاليفها عالية جداً. بدلاً عن ذلك قرروا الظهور الإعلامي من وقت لآخر لإسداء نصائح وشروحات مطولة للأخ مروان الغفوري حول الدولة المدنية والمجتمع الرفيع. الأخ الغفوري استمع لكل ذلك، ابتسم، ونام. في الصباح كان يمشي في جنازة الزبيدي.

قتل الزبيدي. من المؤكد أنه دخل الجنة. القتلة سيدخلون النار. طبيعي. لكنهم قبل أن يدخلوها سيدفعون بمزيد من الفقراء إلى الجنة. هذه عملية غير عادلة. سكتت صنعاء. تمالأت على قتله. صنعاء تحفظ جيداً مقولة الخليفة العادل: لو تمالأ أهل صنعاء على قتل رجل واحد لقتلتهم به. صنعاء،كل من في صنعاء، يستشهدون بهذه المقولة. هل تدرك صنعاء اللعنة التي يمكن أن تحل بها؟ المواطن الحضرمي، في الشحر مثلاً، عندما يقرأ هذا الخبر: عسكر تابعون للشيخ هاشم الأحمر يضربون عاملاً مسكيناً من زبيد حتى الموت. حتى الموت تعني: لقد مات بالفعل. فهذه الجملة غبية، لا تقول الحقيقة. يشعر الحضرمي بالرعب. لا توجد كلمة أخرى أدق من هذا التعبير سوى هذه: يشعر الموطن الحضرمي بالرعب المذهل. بعد أيام سيتحدث نخاسون كثيرون في صنعاء عن الوحدة "رضا والا صميل". لكن أن تكون مواطناً حضرمياً تقف أمام ولدك وهو يقول لك: سأسافر إلى صنعاء، سأدرس في جامعتها، فإنك سترتبك، ستصاب برعب عميق. ماذا؟ صنعاء؟ لا، لا أريد أن أسمع هذه الكلمة مرة أخرى. لقد قتلوا الزبيدي في الشارع العام أما المارة، ولم ينقذه أحد. حتى الغفوري، المواطن طيب قلب، مشي في الجنازة ولم يذكرّ أحداً بخطب حميد الأحمر عن المجتمعات الأخلاقية الرفيعة. تقول، كمواطن حضرمي، لابنك.

كانوا مجموعة قتلتْ الزبيدي. لكن الشيخ الأحمر أجرى ما يشبه القرعة وتبرّع للعدالة بقاتل واحد من المجموعة وخبأ البقية لوقت الشدّة. قال إنه لم يسمع بمقولة عمر بن الخطاب. سألت رجلاً يحمل شهادة عليا في العلوم السياسية، نجل لشيخ كبير من صنعاء: لماذا لا تلقون القبض على قطاع الطرق وخاطفي السياح. حك ذقنه، شرد قليلاً: لماذا؟ استطرد: صحيح إن ما يقومون به خطأ، لكنهم الوحوش الذين نعتمد عليهم وقت الشدّة. قلتُ له: انسَ أمر حضرموت، إذن. حضرموت لا تفهم الوحدة اليمنية بوصفها  Bestiality "أي النوم مع الوحوش". لكنه أكد لي أن أمر الوحدة منته، ولا يقبل النقاش. قال إنهم سيبذلون الكثير لأجل ذلك. ابتسمت له، وكنتُ قد فهمت ماذا يقصد بالوحوش.