المغتربون بين الفقر والقهر
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
الجمعة 15 فبراير-شباط 2013 07:00 م

المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وهي محط رحلة الشدة والقهر ومنتهى مشوار العوز والفقر لكل من لم يجد في وطنه ما يسد حاجته ويذهب فقره , وهي نهاية حياة الخوف والقلق لكل من لم يذق في بلده الأمن والاستقرار , فكم بيت في عالمنا الإسلامي ينعم بستر الحال والرزق الحلال , وكم أسرة كفاها الله شر الفقر ومذلة السؤال بفضل الله ثم بفضل عمل ربهم فيها .

وفي زيارتي الأخيرة للملكة وجدت كثيرا من المغتربين في حالة ضيق وتذمر وخوف وقلق من الأسلوب المتشدد الذي يعاملهم به مكتب العمل والجوازات مستعينا بدوريات من الأمن في حملات تفتيشية مكثفة على المحلات التجارية والعزب السكنية بحثا عن المخالفين لنظام الكفالة والمهنة والسعودة , متسائلين عن حجم التهمة الجنائية التي تجعلهم يقومون بتطويق منطقة تجارية والكر على محلاتها , وهل توجب مخالفات فرعية كل هذا الحشد حيث أن الأساس متوفر فالمقيم حاصل على إقامة قانونية سارية المفعول , وإن توفرت مخالفات كعدم مطابقة المهنة أو عدم وجود عامل سعودي أو انتهاء صلاحية الترخيص التجاري فهي مخالفات ثانوية لا توجب كل هذا الزحف وكأن المغترب مصدر خطر على حياة المواطنين الكرام أو أنه يشكل عبئا على الدخل الوطني . والحق أن لا حاجة تستدعي كل هذا التصعيد ضدهم فهم لم يرتكبوا جناية توجب القصاص والحد بل هم أناس أجبرتهم الظروف القاسية على الاغتراب طلبا للرزق والإقامة بشكل قانوني , وان حصلت بعض المخالفات فهي مما افترضته عليهم الأحداث وأجبرهم نحوه الواقع دون ضرر بأحد من الخلق ولا ضرار , والكل يعلم أن منطلق المخالفة يحدث من حين صرف فيزة الاستقدام لمؤسسات وهمية لا وجود لها فيتاجر المواطن ببيعها بما هو اقرب لتجارة الرق والاستعباد من التعاقد الجاد , والكل يعلم كذلك أن ثلثي المغتربين على اقل تقدير لا يعملون في نطاق المهن المكتوبة ولا يحصل بذلك ضرر جنائي ما دام متواجدا في البلاد بشكل قانوني ودافعا كل الرسوم المحددة ومستوفيا كل الأوراق المطلوبة صحيا وامنيا وإداريا .

فهل وراء هذه التحركات الجديدة دوافع أخرى غير تطبيق النظام والقانون ؟ فان كان الدافع سياسيا كوسيلة ضغط على حكومة المغترب لتستجيب لمطلب تعنتت فيه سابقا أو لتغير موقفها بما يناسب المخطط المرسوم , فما هو ذنب المسكين الذي فر من ظلم حكامه وإذا بالظلم يلاحقه إلى حيث مقامه ؟.

وان كانت اقتصادية فالمغترب اليوم يدفع ما يزيد على 7000 ريال سعودي في عملية التجديد لإقامته ناهيك عما يصرفه فيها من الأموال تلقاء مأكله ومشربه وغيرها , إضافة لما يفرضه بعض الكافلين عليهم ويصل إلى دفع راتب عامل سعودي إذا كانت مؤسسته في نطاق الخط الأحمر من عدم استيفاء عدد العمالة الوطنية مقابل الأجنبية . وان كانت اجتماعية فالمغترب مدني اجتماعي ينشط الأسواق ويوفر المحتاجات وبقدم الخدمات كما انه منضبط للقانون ويخشى على نفسه من أي مخالفة أو عقوبة . ولا ينسى أصحاب القرار أن المغترب قد دفع مبلغا كبيرا في شراء فيزة الاستقدام تصل إلى أكثر من 15000 ريال وهي في الأصل تكلف 2000 ريال فقط , وهذا المبلغ حصل عليه دينا أو ببيع شيء من ممتلكاته أو مصاغ أهله . ومن هنا لماذا لا تتم مراجعة الكفيل فقط وتسهيل عملية التصحيح والتحديث لبيانات عماله مع ضمانات منه بما يتطلبه النظام من مكفوليه , والمملكة بفضل الله مترابطة الكترونيا فبكل سهولة يمكنها تفنيد كل المقيمين ومهنهم وكافليهم ومن خلال رسائل خاصة يتم الطلب من كل كافل تحديث بيانات مؤسسته , فلو فرضنا أن المحل التجاري ( س ) للمواطن ( ص ) وأن فيه 8 عمال أجانب , فيتم الطلب من المالك عبر رسالة تلفونية أو الكترونية بالحضور يوم ( كذا ) إلى لجنتي العمل والجوازات في مكان ( كذا ) وإحضار إثباتات عماله في المحل التجاري ( س ) , وبعد المطابقة يطلب منه التصحيح والتعديل فيما تراه اللجنة يستحق ذلك مع منحه فترة زمنية معقولة لذلك , دون الحاجة لتفتيش ميداني يكلف المملكة جهدا كبيرا ومالا كثيرا إضافة إلى ما يصاحب ذلك من ضجيج وترويع وإغلاق محلات وتعطيل أعمال إلا إذا كانت هناك أسباب تتطلب إيصال رسائل خاصة لمن يهمه الأمر فذلك شأن سياسي لا نتطرق إليه . 

ومن حق المملكة أن تتخذ أي إجراء تراه يحقق لها التقدم والخير وأن تطبق أي سياسة تكفل لها الأمن والاستقرار , ولكنني أرى من منطلق الحب للملكة أن خروج ملايين المغتربين من أرضها مكرمين لما تتطلبه الحاجة والمصلحة خير من بقاءهم خائفين يضربون أخماسا في أسداس , وبدلا من الأمن وجدوا خوفا ومن العز عانوا قهرا ومن ستر الحال ذاقوا فقرا , ومن باب النصح نطلب مراجعة بعض القرارات والتصرفات التي لا تخدم المملكة الكريمة ولا سمعتها البهية ومواقفها البيضاء في مساعدة الدول ناهيك عن الأفراد . وربما كانت هناك أياد تشخبط عشوائيا في مجلد مجد المملكة العظيم مشوهة أوراق مكارمه وعلو شأنه , هو تساؤل لأهل الشأن لا يراد منه إلا دوام عز المملكة وحفظ الدعاء لملكها وحكامها وأهلها بالخير والاستقرار . وكم قصر ثبت أساسه دعاء محروم وكم عرش حطمت أركانه دعوة مظلوم .