ماضٍ مختفٍ قسرًا ومستقبل مهدد فكرًا
بقلم/ علي الكمالي
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 21 يوماً
الأحد 03 مارس - آذار 2013 05:11 م
أول ما يستقبلك عند القراءة أو البحث عن معلومات عن أي بلد في العالم هو اسماء شخصيات وأحداث تاريخية كان لها تأثير عظيم اما بشكل ايجابي او سلبي لتبقيهم ذكرى خالدة وعبرة لأجيال المستقبل.
إلا في اليمن فإنك لا تجد شيئا من التاريخ المخفي قسرا من المكتبات ومن عقولنا أيضا في محاولة لخلق زعزعة نفسية لدى الأجيال التي تتربى بداخل هذا البلد "ان لا مستقبل لكم" كما محينا ماضٍ من قبلكم.
في بلد كاليمن من الصعب ان تحدد من انت وماذا تريد الى ان يؤذن لك وتعطى شهادة حسن سيرة وسلوك من الأمن السياسي سابقاً والأمن القومي حاليا, الوكالتان التي أوكل إليهما مهمة تحديد الطريقة التي سيفكر بها اليمنيون وماذا يريدون بالنيابة عنهم في بلد ماضيها مختفٍ قسرًا وحاضرها متخبط ومستقبلها مجهول ومهدد فكرياً, في اليمن تربط الهوية الوطنية بمن يعتلي الكرسي لتجمع له اكبر كمية ممكنة من الموالين ومن لا يوالونه يبدأ في تدميرهم فكريا عن طريق التعليم الإجباري الذي يفرض على عقل الجيل الصاعد حتى يتثقف بثقافة الوالي ومن والاه..
وإن لم يستطع فاقرأ على البقية السلام ابتداء من التعذيب حتى فقدان الذاكرة والجنون وفي احسن الحالات التشويه المجتمعي المتعمد إلا من احتسب وأخفى ومن رحم ربي ولم يسجل في قوائم التأديب. وبالرغم من هذا كله ابتسم أنت تتطلع الى اليمن السعيد بلد الثقافة والعلم والتجارة.
بحسب قراءات شخصية فقد كانت اليمن من دور العلم التي يتوافد إليها الناس من الاقطار بحكم موقعها الجغرافي على طريق التجارة فيما كان يعرف بطريق الحرير في قرون خلت, اول ما يتجلى لك عند التحدث عن اليمن ومدنها كمدن علم تأتي مدينة زبيد لتطل عليك بمآذنها وجوامعها ومجالس علمها التي اصبحت فقط تراثًا من الماضي, وحضرموت التي انتظر اهلها في الارض وعرف عنهم العلم و التجارة والصدق والأمانة, تعز المدنية التي كانت مبتغى كل من يريد ان يصنع دولة متحضرة, وصنعاء ومنارات جوامعها ومدارسها العلمية منذ قديم الزمان.
قد تصدم وأنت تنظر الى الواقع اليمني الآن وأنت تتنقل في المناهج الدراسية وكتب التاريخ والوطنية وتجد مراحل مبتورة بأكملها لا يوجد عنها سوى اطراف اقلام او خربشات في هامش الصفحة, وقد ل اتجد اية وطنية فيها سوى تمجيد لأسخاص على اغلفتها. وما يؤلم ان مرحلة قريبة جداً من التاريخ اليمني المعاصر مزورة ولا تذكر احداثها .
في اليمن نتعلم لمجرد التعبئة العقلية المفرغة من اي نهج او توجه, نتعلم فقط لنجتاز الاختبارات ونحصل على درجة نستطيع ان نعامل بها على منحة دراسية لتكتشف ان تعليمك كله عبث منثور.. التعليم هنا هو اداة اخرى لاستعباد العقول بجانب الاعلام وأدوات أخرى كثيرة ولاتضمر فيه اية نية لتفتيح عقول الطلاب لأنها قد تصنع جيلاً يثور ضد النظام .
في اليمن عندما تتحدث عن التعليم تجد الاكثرية يتحدثون عن منافع التعليم في الخارج وكيف ممكن ان تتغير حياة الكثيرين ممن درسوا هناك. الابتعاث قد يعني ايضاً ان تبتعث للحياة بعد 18 عاما من مولدك لتعرف ان الحياة ليست احزابا ومناكفات سياسية ورُبط قات نستهلكها وتستهلكنا بكل ماتعنيه الكلمة .
كأحد شباب هذا الجيل نصف المثقف والمُجهل مع سبق الاصرار والترصد, اتساءل: اين تاريخ اليمن في الفترة من 1919 الى يومنا هذا وتاريخ اليمن من 1919 عودةً الى دولة سباء وحمير؟؟.. تاريخ اليمن المعاصر الذي شوه وحرف وصور لنا كله دماء وقتل وسفك وكأن اليمن كانت غابة موحشة قاحلة لا تعليم فيها ولكن يأسرني استفسار اين تعليم الزبيري والثلايا والحمدي والسلال والارياني وغيرهم من مناضلي اليمن في تلك الفترة؟؟.. اين حقيقة واقع اليمن في عهد الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي وكل الاقاصيص المتداولة عن النهضة الحضارية التي بدأت في عهد حكمه القصير؟.. اين حقيقة ما حدث في اليمن من 1962/ حتى مقتل الرئيس الغشمي من احداث وانقلابات ولم تذكر نوع التغيير الذي كانت تمر به اليمن؟!!
تسأولات كثيرة تمر على عقل الشاب اليانع في اليمن يبحث فيها عن اجوبة في مجتمع يجرم ويكفر التفكير بأعذار دينية.. متناسين قوله تعالى ((قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق)) كدعوة للتفكير في ماحولك او قد تجده مجرّما ويعاقب عليه القانون تحت مسمى الشيوعية او الماسونية كعذر لوأد اي عقل يبدأ التحرر من اغلال النظام الفكري الذي يوطن الاستبداد والديكتاتورية كما حدث في فترة من تاريخ اليمن وما يكنى الان بتربية محمد خميس، الفترة التي كان يسمح للخمور والمخدرات والتهريب بالتجول في ارجاء البلد وتحظر فيها الكتب ويتعرض حامل الكتب او الفكر للتعذيب والتنكيل حتى يفقد إيمانه او يفقد عقله .
لماذا جيل السبعينيات والستينيات جيل مثقف واعٍ بمعنى الكلمة.. استطاع تحقيق انجازات ملموسة على ارض الوطن وخارجها.. ويتهم جيلنا بأنه جاهل ونصف مثقف؟!.. بالرغم من كل الوعي والثقافة التي يثبتها جيلنا يوما بعد يوم بالرغم من كل محاولات اقتياد عقولنا قسريا!!.
اذا عرفنا تاريخنا وعرفنا من هم اليمنيون وماذا انجزوا سنستطيع بناء هوية وطنية وانتماء بدلاً عن ترك الناس كل من يبحث له عن هوية اما دينية او سياسية او لا هوية، ويصبح مرتزقا بحسب من يدفع اكثر.. لصناعة المستقبل يجب ان نعرف الماضي وماهية اخطائه لنتعلم منها كيف نصنع مستقبل يميل اكثر الى الصواب ويحالف المنطق ويكسر قاعدة الاتباع الأعمى .