الأيادي المرتعشة في الجامعات اليمنية
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 11 سنة و 8 أشهر و 11 يوماً
الإثنين 11 مارس - آذار 2013 04:29 م
يعد التعليم أبرز مكونات عملية التنمية الشاملة والمستدامة ، لذلك تخصص الحكومات نسب عالية من موازناتها لتحقيق الأهداف التنموية المرتبطة بالتعليم ، وهي أهداف استثمارية اقتصادية واجتماعية طويلة المدى ، والاستثمار في التعليم يكون ناجحاً إن بني على معايير الجودة المتعارف عليها.
يشكل التعليم العالي المحور الرئيس في عملية التنمية وعلى الرغم من ذلك فإن كثير من قيادتنا الجامعية منذ عقود لم تدرك حقيقة الوظيفية التنموية للجامعات ، لذا نرى تراجعاً مستمراً لمؤشرات الجودة التعليمية لدى خريجي الجامعات ، والسؤال الذي يردده المواطن اليمني البسيط لماذا يتدهور التعليم الجامعي سنة بعد أخرى؟ لماذا لم نرى تحسناً مهما تغيرت القيادة الجامعية؟ سواء في مرحلة حكم المؤتمر الشعبي العام أو مرحلة المحاصصة الحزبية، وللإجابة على هذه التساؤلات يمكن الإشارة إلى مايلي: تواجه الجامعات مشكلات إدارية حيث يعتلي إداراتها منذ زمن من توصلهم السياسية لا الدراسة ، ولا نعني هنا الدراسة المتعارف عليها فلديهم شهادات ودرجات علمية ، ولكن تنقصهم الثقافة القانونية والادارية بطبيعة المهام الموكلة إليهم ، فعلى سبيل المثال في إحدى المرات وجه لأحد المكلفين برئاسة إحدى الجامعات سؤال حول التعيينات المخالفة ومنها تعيينات الأوائل بدون إعلان أو مفاضلة ، العجيب أن تلك الشخصية الحاصلة على الاستاذية ظل يدافع عن تعيين الأوائل كونه وفق القانون ، وعندما تم التأكيد له أنه لا توجد أي مادة في قانون الجامعات اليمنية تنص على ذلك بل النص القانوني (ويحظر التعيين مطلقاً خارج إطار الاعلان والمفاضلة) تعجب واستغرب وتلعثم قائلاً: لم أكن أعرف أن تلك مخالفة قانونية ، فهل يعقل أن رئيس جامعة لم يدفعه فضوله وهو يقود مؤسسة تعليمية كبيرة إلى الاطلاع على قانون الجامعات اليمنية ، إن معرفة القيادات الاكاديمية بمحتوى قانون الجامعات فرض عين وليس فرض كفاية ، وبالتالي فضعف الثقافة القانونية والإدارية يجعل تلك القيادات مرتعشة ومرتبكة توقع على قرارات يرد في ديباجتها استناداً للمواد كذا وكذا من قانون الجامعات مع أن محتوى تلك القرارات مخالف للقانون!!!ومن الغريب أن تصدر المحاكم عشرات الأحكام ضد الجامعات اليمنية ولا تكلف القيادات الجديدة نفسها عناء البحث عن سبب صدور تلك الأحكام ، وبالتالي تكرر هي نفسها الأخطاء السابقة وتصدر ضدها أحكام قضائية وهكذا تستمر دورة الفشل والفساد في الجامعات الحكومية.من المعلوم أن لوبي الفساد متلون يلبس أقنعة مناسبة لكل قيادة جامعية جديدة ، فما أن تتسلم إحدى القيادات الجديدة لمهامها حتى تبدأ قوى الفساد بتقديم النصيحة والمشورة مستفيدة من ضعف الثقافة الادارية والقانونية لتلك القيادات ، ومن هنا تبدأ رحلة الاستدراج للقيادة الجديدة بمخالفات قانونية بسيطة ثم أكبر فأكبر حتى يصبح فساد القيادات الجديدة أشد وطأة من القيادات القديمة ، ومع تراكم المخالفات يبدأ لوبي الفساد بتسريبها للعامة وتحريض من لهم مطالبات مماثلة بالتظاهر والاعتصام ، وبالتالي تعجز تلك القيادات عن تنفيذ مطالب الجماهير مساواة بالمثل ، ومن ثم يبدأ غياب تلك القيادات عن مكاتبها وتهربها عن تنفيذ واجباتها الأساسية المتصلة بالعملية التعليمية ، وتصبح النتيجة الحتمية شلل وانهيار للجامعات التي يديرونها.منذ زمن والجامعات تعاني من ظاهرة غياب أعضاء هيئة التدريس بصورة غير قانونية ، بل أن بعضهم يعمل خارج اليمن وبعقود تصل إلى ألاف الدولارات ومع ذلك يستمر تسليم رواتبهم التي قد تصل(1500$)شهرياً من موازنة دولة تعاني من ضغوط اقتصادية وبطالة بلا حدود ، ولم تجرؤ أي قيادة جامعية على فتح هذا الملف واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المنقطعين والمتغيبين ومن يتستر عليهم في الكليات فجميعهم شركاء في جريمة تبديد المال العام والوظيفة العامة. ما سبق نماذج لقضايا تعاني منها الجامعات الحكومية اليمنية ، وهناك عشرات القضايا المالية والإدارية والأكاديمية الأخرى لا يتسع المجال لذكرها ،وإذا لم تقدم القيادات الأكاديمية الجديدة حلولاً شجاعة للمعالجة فإن انهيارا محققاً ستشهده العملية التعليمية في الجامعات اليمنية ، باختصار نقول لقيادات التعليم العالي بداية بوزارة التعليم العالي التي تحولت إلى إدارة بعثات مروراً برؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات إن أياديكم المرتعشة التي لم تجرؤ حتى الآن على توقيف عجلة الفساد في الجامعات لن تتمكن في المستقبل من تحقيق أي تقدم ، لأن تراكم الأخطاء سيمكن لوبي الفساد التقليدي من تقييد أي محاولة مستقبلية تفكرون بها لإصلاح التعليم الجامعي.