محاكمة صالح.. البراءة شبه مؤكدة !
بقلم/ فيصل علي
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 06 مايو 2013 10:51 ص

لست الآن في ظل هذه الظروف، مع محاكمة الرئيس السابق علي صالح ورموز حكمه، "يا تخلوها قبيلة وحصانة" أو تنتظروا جهات أمنية للتحقيق ولجان تحقيق تجمع الأدلة وغير قابلة للتفاوض او للتنازلات السياسية والاجتماعية والقبلية، ليتسنى حينها للقضاء أن يقول كلمة الفصل في الموضوع. فالقضاء بالضعف الذي يعتري سلطات التحقيق التي ترسل إليه الأدلة ثم بالضعف الذي عانى منه 33 سنة - بدأ حاليا يحاول استعادة هيبته -  ستضعه هذه القضية في موقف ضعف شديد، وهو يحتاج في هذه المرحلة ان ندعمه ونقوي سلطته التي ضعفت أو أتت ضعيفة من البداية، ففي الفترة السابقة تم تغييبه قسرا، ولم يكن سلطة ذات استقلالية كاملة وأعطي استقلالية شكلية فقط.

البلد بحاجة - حالياً - لاستقرار سياسي وعملية نقل كاملة للسلطة، ومحتاجة بشكل أكبر لاستقرار أمني واقتصادي، وفتح باب المحاكمات في ظل سلطة إنقاذ وطني وفترة انتقالية هو الخطأ بعينه، يحتاج البلد إلى هدنة، ويردد اليمنيون في حياتهم منذ القدم المثل "مستقضي قبل سنة مستعجل".

أهم ثغرة يطرحها البعض هي أن "الحصانة تتناقض مع المادة 104 من الدستور الذي لا يزال ساريا بعد الثورة"، وهذا قياس مع الفارق فالدستور اشترط في مادته 128 أيضاً أن يوافق ثلثا أعضاء مجلس النواب (ذو الأغلبية المؤتمرية الساحقة) على مبدأ التحقيق والمساءلة لرئيس الجمهورية في أي خرق يرتكبه، وهيهات أن يتم ذلك، والمتعارف عليه والمتفق بين القانونيين هو أن الرؤساء السابقين تسري عليهم نفس أحكام هذه المادة، كما قد يرد على المطالبين حالياً بمحاكمة صالح أصغر محامٍ قائلاً: إن الدستور تم تجميده وإيقاف العمل به بالتوقيع على آلية المبادرة الخليجية التي نصت على إحلال الآلية محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية في اليمن، والآليه التنفيذية يستند اليها أي قرار جمهوري يتخذ الآن في هذه الفترة الانتقالية ومن بين أوضح نصوصها النص على إصدار قانون يمنع ملاحقة أركان النظام السابق وهو ما تم بالفعل.

والآلية التنفيذية يسميها القانونيون (بالعرف المعدل للدستور والقانون)، أي أنها تستمد شرعيتها القانونية من القبول الشعبي وعدم الاعتراض عليها وتراضي الأغلبية على العمل بها، وبما تحتويه من نصوص.

في ظل غياب الدولة والأمن والجيش والتحقيق الجدي والفعال من جهات التحقيق كالأمن ومن بعده النيابة، فإن الوضع حتى في ظل القضاء المستقل القوي والعادل سيجعل اية محاكمات من هذا النوع ليست سوى مزايدات ومناورات سياسية لا أكثر، بل ومن يدري ربما يطلع صالح ونظامه براءة مثل زميله وصديقه في الضيق مبارك، فلا تحرقوا المراحل والأوراق بعواطفكم ودموعكم على الشهداء، لأنهم سيسخرون منكم يوم القيامة على المحاكمات التي لا دليل لقضاتها يلزمهم بالحكم بالإدانة، وهذا - طبعاً - إن تمت تلك المحاكمات وأحيلت القضايا بعد التحقيق فيها من قبل جهات التحقيق (الأمن والنيابة).

التحقيق حول جريمة قتل ينحصر في ترتيب مسؤوليات المتهمين فيه إلى أربعة:

المتهم الأول: الفاعل وهو منفذ الجريمة، وهو الذي يحقق بسلوكه الإجرامي عناصر الجريمة (وهو الأهم في الترتيب)، وهو في جريمة القتل مطلق النار أو القناص، وللفعل سلوكان (سلبي أو إيجابي)، وقد جاء تفسير من هو الفاعل في قانون العقوبات اليمني في المادة (21) وبما لفظه: "يعد فاعلاً من يحقق بسلوكه عناصر الجريمة ويشمل ذلك المتمالىء الموجود على مسرح الجريمة وقت حدوثها، ويعد فاعلاً بالواسطة من يحمل على ارتكاب الجريمة منفذاً غير مسئول - هذا ولو تخلفت لدى الفاعل بالواسطة صفة يشترطها القانون في الفاعل ويعد فاعلين من يقومون معاً بقصد أو بإهمال مشترك بالأعمال المنفذة للجريمة".

وفي ذيل المادة تعريف للفعل السلبي بالإهمال، وهذا ما يريد البعض توصيفه على أفعال علي عبدالله صالح ورموز حكمه، لكن من يعلم بتفاصيل التحقيقات القضائية يعلم الصعوبة الشديدة لإثبات الفعل السلبي خصوصاً في الجرائم السياسية، وخصوصاً وقد تم إضاعة كثير من الأدلة بسبب نفس المحامين الذين قاطعوا قديماً تحقيقات جمعة الكرامة وحالياً يطالبون بتصدي المحكمة للتحقيق مع صالح وأصحابه.

والثاني في الترتيب هو المتمالىء وقد شرحته المادة القانونية السابقة، والثالث هو الشريك (وهو لا يكون إلا بعد أن يعرف الفاعل، وبالتالي هو أصعب للتحقيق في الكشف عنه)، والشريك في الجريمة ينقسم إلى من يقدم مساعدة سابقة أو معاصرة أو لاحقة، وأخيراً يأتي الأضعف في الحلقة، وهو دور المحرض، وهو من يغري الفاعل على ارتكاب الجريمة.

 في ظل اختفاء الأول والثاني والثالث لا يستطيع القضاء إلا بالتحقيقات التي تسبقه ان يعاقب المحرض أو يعاقب الفاعل بفعل سلبي، القضاء يحتاج إلى أدلة ووقائع وجمع الأدلة يستلزم أجهزة تحقيق أمنية بارعة ومهنية ومستقلة.

لو تمت محاكمة الرئيس السابق على جرائمه ضد ثورة التغيير بالتأكيد أن الادعاء سيوجه له تهمة الفعل السلبي أو في أحسن الأحوال التحريض، وهذا للمتأمل في مكر ودهاء علي صالح في حكم المجهول والمعدوم، وربما تكون البراءة شبه مؤكدة لصالح من كل جرائمه التي تسجلها الذاكرة الشعبية والثورية ولا تسجلها الوقائع والمحاضر خصوصاً، وهو كان دائم الترداد للفظ (ونوجه الأجهزة الأمنية بحماية المعتصمين)، كما قالها بداخل ملعب الثورة قبل أسبوع بالضبط من جمعة الكرامة.

الجريمة الحقيقة هي أن من تم توكيلهم كمحامين من قبل أهالي شهداء جمعة الكرامة بعد ارتكابها تغيبوا عن حضور التحقيقات الأولية، وبالتالي ضيعوا الأدلة، واليوم يتبجح بعضهم كمحمد ناجي علاو بأنه اذا لم يحضر صالح المحاكمة سيتم محاكمته غيابيًا كفارٍ من العدالة، وقد أشار صديقي المحامي وضاح المودع ونبه في عدة مقالات نشرها في شهر يوليو2011 وما بعده إلى الإهمال الذي كان يمارسه نفس المحامين المقاطعين، والذين قالوا بالحرف: (إن من يحضر تحقيقات النيابة خائن لدماء الشهداء)، والمؤتمر الصحفي لهم في رمضان بعد جمعة الكرامة بـ5 شهور مسجل وموثق.

إن الدخول في قضايا خاسرة يتعب الناس ويصيبهم بالإحباط من الثورة ومن الوضع الذي أتت به، خاصة في مثل هذه القضية التي تعد قضية شعب وكرامة وليست قضية عابرة، ولذا ما أسهل التصريحات الصحفية للباحثين عن شهرة ولم يهتموا بعملهم جيدا.

كلما نخشاه انه في نهاية المطاف سنصاب كلنا بالإحباط واليأس عندما نكتشف أن علاو وبرمان وغيرهم ومن يقف خلفهم لا يملكون الأدلة الكافية لإدانة أحد، وأنهم قد قالوا لنا قديماً إنهم قد فعلوا وصنعوا، ولما انتهت الثورة تبين أنهم يعتمدون على تحقيقات النيابة التي قاطعوها ولم يقوموا بتقديم أي دليل غير ما ورد في تلك التحقيقات، ما يعني أن النيابة لم تقصر كما كانوا يقولون لنا في أيام الثورة، وللتذكير فنفس المحامين هم من رددوا أنهم سيحيلون ملف القضية خلال أيام إلى محكمة الجنايات الدولية ومرت السنتان ولم يحدث سوى جعجعة بدون طحين.

إن بلدنا اليمن في ظل هذا الوضع الأمني السيئ وفي ظل الوضع الاقتصادي الأكثر سوءًا، وفي فترة انتقالية لم يبقَ منها سوى الأشهر يحتاج أكثر ما يكون لهدنة للبحث والتحري وتشكيل لجان التحقيق سيكون أهم أهداف قانون العدالة الانتقالية، وحينها تسهل مهمة القضاء في الإدانة والحكم على المسيئ صغيراً أكان أم كبيرًا.

إن رمي الحجر في المستنقع الآسن لن يحرك مياهه فقط بل قد يثير أفاعي المستنقع، بكل الأحوال ما زال التوقف عن رمي الحجر ليس صعبًا.

وقديماً قيل: "قد يدرك المتأني بعض حاجته.. وقد يكون مع المستعجل الزللَ"