الأزمة في مصر ..هل يمكن أن تتكرر في اليمن؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 13 يوماً
الخميس 11 يوليو-تموز 2013 07:24 م

تتسارع تطورات المشهد السياسي في مصر على نحو مخيف ينذر بتمدد الأزمة ودخولها منعطفات خطيرة قد تؤدي إلى الدخول في مجاهيل متعددة لعل أسوأها هو الدخول في حرب أهلية بات يحذر منها الكثير من السياسيين المصريين والمراقبين الدوليين.

لست من محبي الميل إلى إدانة طرف وتبرئة آخر في أزمات تتعدد عوامل انتشارها وتتداخل مؤثرات الفاعلين فيها، كما هو حال الأزمة في مصر اليوم، لكن سيكون من المنصف الإشارة إلى أن هذه الأزمة تتداخل فيها عدة عوامل ومؤثرات، يتحملها كل الفرقاء السياسيين في مصر بما في ذلك من تبقى من نظام مبارك، الذين ما يزالون ممسكين بالعديد من أدوات اللعبة السياسية ولو من وراء الكواليس.

لا يمكن تبرئة الإخوان المسلمين وحزبهم (حزب الحرية والعدالة) وحلفائهم من الوقوع في أخطاء سياسية ربما يعود أسبابها إلى نقص الخبرة السياسية في مجال قيادة أجهزة الدولة، وربما التعطش الشديد للحكم والفشل في إقامة تحالفات سياسية على أساس برنامج وطني عريض، ولو لم يقعوا في مثل هذه الأخطاء لما وصلت الأوضاع في مصر إلى ما وصلت إليه من انقسام وتفكك لمعسكر الثورة والوصول بالبلد إلى حافة الاحتراب..

وقد احتوى خطاب الحركات الإسلامية السياسية ومنها إخوان مصر الكثير من مؤشرات الميل إلى الاستحواذ على ثورات الربيع العربي كالقول بأن هذه الثورات هي علامة صحوة إسلامية، . . .و(الصحوة الإسلامية) هنا تفهم على إنها الانتصار للبرنامج السياسي لتيارات الإسلام السياسي وليس انتصارا لمبادئ الإسلام الحنيف الذي هو دين كل المسلمين بما في ذلك القوميين واليساريين والليبراليين المنتمين إلى الدين الإسلامي.

تلك الأخطاء وأخطاء غيرها كان يمكن للإخوان المسلمين تجنبها من خلال التأني في صياغة الدستور والنظام الانتخابي والانفتاح على كل التيارات السياسية المصرية باعتبار المرحلة الانتقالية ليست المحطة المناسبة للحديث عن أغلبية وأقلية طالما كانت الثورة منتجا صنعه الجميع.

فوز الإخوان المسلمين والأهم من هذا سلوكهم بعد هذا الفوز جعل بقية الأحزاب والقوى السياسية التي صنعت الثورة بل والتي سبقت إلى الميادين قبل أن يتخذ الإخوان المسلمون قرار الالتحاق بالثورة، جعلهم يفقدون الثقة بوفاء الإخوان المسلمين بوعودهم، خاصة بعد فشل حكومة د هشام قنديل في العديد من الملفات، وأهمها الملف الأمني والملف الاقتصادي، كل ذلك جعل الأطراف السياسية تنظر إلى الإخوان نظرتها إلى مبارك، خصوصا بعد أن فشل الإخوان المسلمون أن يقدموا برنامج سياسيا يستلهم متطلبات العصر والإصرار على أن ثورة 25 يناير هي صحوة إسلامية "بالمفهوم الإخواني".

ليست المعارضة المصرية مبرأة من الأخطاء خصوصا وإنها صعدت ضد الرئيس مرسي قبل أن يتم العام الواحد على انتخابه، وراحت تستجمع كل الأدوات بما في ذلك أنصار مبارك لإسقاط حكم الدكتور مرسي وهو ما يزال يتمتع بأنصار كثر لا يمكن تصور أنهم سيسكتون على إسقاطه بسهولة.

لقد اتسع الشرخ السياسي في المجتمع المصري حتى صار هذا المجتمع منقسما إلى قسمين يكادان أن يكونا متساويين، أنصار وخصوم الرئيس مرسي والحركة الإسلامية عموما.

كان يمكن للرئيس مرسي التقدم بمبادرات ينقل فيها الكرة إلى ملعب المعارضة مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية إو التضحية ببعض الوزراء الفاشلين أو استيعاب زعامات الأحزاب الوطنية غير الإسلامية في تشكيلة الطاقم الرئاسي ومنح تلك الزعامات صلاحيات حقيقية، لكنه أخفق في كل ذلك واكتفى بالخطابات السياسية الجميلة والمؤثرة دون أن يرفقها بإجراءات عملية تتوافق ومضمون تلك الخطابات الجميلة.

كان التدخل الأخير للجيش في غير محله لأنه أضاف مشكلة أخرى فوق المشكلة القائمة في مصر بدلا من حل المشكلة الكبرى التي ألهبت الشارع المصري، وكان بيان الإنذار المشهور مقدمة عرف منها الجميع أن الجيش سيمضي في طريق الاستيلاء على السلطة وتسيير دفتها وإن عن بعد، بينما كان يمكن للقادة العسكريين مساعدة الرئيس مرسي عن طريق تقديم مقترحات بناءة تساهم في إحداث انفراج سياسي بدلا من حل المشكلة بأزمة تضع مصر على شفا الاحتراب.

إن إسقاط الرئيس الدكتور محمد مرسي ليس نهاية المطاف، وسيكون من الغرور والغباء السياسي التعامل مع أنصار الرئيس مرسي على إنهم أعداء ومشاغبون ومخربون، لأنهم ما يزالون أنصارا للرئيس المنتخب شرعيا وإن فشل في مهماته.

كما إن تعيين قيادات معارضة في إدارة قيل إنها ستكون حكومة كفاءات يقلل من مصداقية بيانات الجيش المصري، كما إن استمرار احتجاز الرئيس مرسي والقيادات الإخوانية فقط وفقط لأنهم رفضوا الانقلاب على ما صنعته الانتخابات هو عمل أحمق لا يقل عن حماقات الإخوان أثناء فوزهم بالأغلبية، ويأتي الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس الانتقالي ليضيف عاملا جديدا من عوامل التهاب الساحة السياسية المصرية فوق ما فيها من عوامل الالتهاب.

قد تكون إقالة د.مرسي مصدرا لسعادة الكثير من القوى السياسية المصرية، لكنها ستكون سببا لتوتر جديد مصدره الصراع بين مشروعية الانتخابات، ومشروعية الثورة، التي ليست بمعزل عن ثورة 25 يناير التي كان الإخوان المسلمون جزءا منها.

استمرار اعتقال الرئيس مرسي وبعض قيادات التيارات الإسلامية لا يعبر عن حكمة سياسية، فإذا كان معتقلوهم قد أسقطوهم من السلطة فما حجة اعتقالهم، أما إذا اعتقد معتقلوهم بأن هذه الاعتقالات ستخفف من حدة السخط الجماهيري فإن ذلك إنما يعبر عن غباء سياسي في التعامل مع غضب الرافضين لإسقاط د مرسي لأن تخفيف حدة الاستقطاب يأتي من خلال فتح أبواب المصالحة وليس صب الزيت على نيران المواجهة.

سيكون من البلاهة السياسية النظر إلى أن السيناريو المصري يمكن تكراره في اليمن، أو في أي من بلدان الربيع العربي، إذ إن لكل بلد ثورته ولكل ثورة أسبابها وخصائصها ومساراتها، وفي اليمن لا بد من ألإقرار بأن الرئيس هادي ليس د محمد مرسي وإن محمد سالم با سندوه ليس د هشام قنديل، مثلما ليس حمود عباد هو المستشار أحمد محمد سليمان، ولا د. أبوبكر القربي هو د محمد كامل عمر، ولا اللواء محمد ناصر هو المشير عبد الفتاح السيسي، ولا الائتلاف الحاكم في اليمن هو حزب الحرية والعدالة وشركائه في مصر، ولا مخرجات ثورة يناير في مصر هي نتائج المبادرة الخليجية في اليمن، والذين يتحمسون لتكرار ما جرى في مصر في اليمن إنما يقولون ما معناه أنهم سيسقطون الرئيس هادي والأحزاب المشاركة في حكومة الوفاق بما في ذلك المؤتمر الشعبي العام الذي يبشرنا قياداته بالثورة ضد أنفسهم، وشخصيا ليس لدي اعتراض على هذا التوجه، وبالتالي فإن البديل لن يكون إلا قوى الثورة الشبابية التي ارتضت بالمبادرة الخليجية رغما عنها وتنازلت طوعا عن تمسكها بمواصلة الثورة حتى النهاية أما من أسقطتهم الثورة فإن حلمهم بالعودة إلى الحكم أنما هو أشبه بحلم الطالب الراسب في الامتحان بأن يحتل المركز الأول بين المتقدمين.

رهن الثورة اليمنية بالمتغيرات في مصر هو ازدراء متعمد للشعب اليمني وثوار اليمن الذين بدأوا ثورتهم قبل 25 يناير 2011م وما يزالون متمسكين بمواصلة مسيرة التغيير، وهو استخفاف بتطلعات الشعب اليمني نحو مستقبل أفضل، مستقبل أقل فقرا وأقل أوبئة وأقل أسلحة واقتتالا، وأقل فسادا وجهلا وتناحرا وتنازعا.

في اليمن عشرات الأزمات المستفحلة عمر بعضها عقود وهي التي جعلت الشعب اليمني يقوم بثورته الشبابية السلمية، ولأن فشلت الحكومة في تفكيك عناصرها فهذا الفشل يشترك فيه كل أطراف الحكم وهو ليس مسئولية الرئيس منصور ورئيس الحكومة باسندوة وإذا ما اقتضى الأمر محاسبة المتسبب في هذه الأزمات وهو أمر مشروع وضروري، فلن يكون أي من أفراد النخية الحاكمة بمنأى عن المساءلة.

بعد ما جرى في مصر هل يمكننا نحن اليمنيين أن نتعلم أن ثورة التغيير في اليمن، لم تكن صحوة للون سياسي واحد يجوز له أن يدعي أنه صاحب الامتياز فيها، ويتعالى على الآخرين، ويسارع في احتلال الوظائف الحكومية ويتسابق على نهب مخصصات الجمعيات الخيرية؟ وهل يمكننا أن نغتنم فرصة التوافق السياسي لنصنع تجربة تغيير حقيقية تقوم على الاقتناع بمبدأ التداول السلمي للسلطة بعيدا عن ألاعيب الخداع والادعاء والوصاية والمغالطة؟ هل يمكننا الاقتناع بأن ما شهدته اليمن إنما هو ثورة الشعب اليمني بكل ألوان الطيف السياسي فيه، الشعب المتطلع إلى آفاق الحرية والديمقراطية والتنمية والأمن والنهوض، والتحرر من الوصاية والطغيان؟ والأهم من هذا هل يمكننا إدراك أن مصر ليس فيها "قضية جنوبية"، وأن حل القضية الجنوبية في اليمن، لا يمكن أن ينجح إلا إذا جاء معبرا عن تطلعات أبناء الجنوب، في استعادة حقهم المسلوب وتاريخهم المشطوب وأملاكهم المنهوبة وهويتهم التي تعرضت لمحاولات الطمس والإلغاء من قبل صناع حرب 1994م؟

برقيات:

*إلى كل القارئات العزيزات والقراء الأعزاء، . . أزكي التهاني والتبريكات بمقدم الشهر الفضيل، شهر الصوم والإيمان والتقوى والفضيلة، شهر التطهر الروحاني من مثالب الحياة ومعاصيها، والتوجه بالدعاء إلى الباري جل وعلا بأن يتقبل كل عمل صالح، وأن يلهم عباده جميعا قدرة أكبر على السير على مسالك الأتقياء والزاهدين، والأنبياء والصديقين، . . . . إنه سميع مجيب.

* قال الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه:

لعـــمرك ما الإنسان إلا بدينهِ            فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

فقد رفع الاسلامُ سلمانَ فارسٍ          وَقَدْ وَضَعَ الــــشِّرْكُ الشَّرِيْفَ أَبَا لَهَبْ

aidnn55@gmail.com