بحور الوهم
بقلم/ احمد ياسين عبد الفتاح
نشر منذ: 17 سنة و 4 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 17 يوليو-تموز 2007 02:27 م

مأرب برس - خاص

لن أسهب في مناقشة موضوع أحسبه من السذاجة بحيث الخوض فيه نوع من الهبل الفكري الذي لا يجدي شيئاً مع استمرار الأمة في الانزلاق نحو اقعار الجهل وسراديب التخلف .

ولاية المرأة اصبحت تقض مضاجع الذكور وتستدعي الاستعلاء المتخلف المسحوب من قرون مضت فارضاً نفسه على نَفَسْ الحوارات الفكرية في هذا الصدد .. ولا أدري أين تكمن مشكلة ولاية المرأة .. هل فعلاً في نصوص القرآن التي أسيء فهمها وانتزعت من سياقاتها انتزاعاً يشوه المراد السماوي ويثنيه عن مساره الصحيح أم في نصوص غير قرآنية أنتجتها قرائح السياسة المستبدة يوم غابت درة عمر أم أن الاستكبار الذكوري الذي يحقر الأنثى فقط لجنسها ولو كان لا يملك إلا ذكورته في مواجهة علمها وقدرتها ومهارتها هو الداعي الوحيد الملح على أمثال هؤلاء الذين يتشبثون بتلابيب التراث الفقهي المليء بالأخطاء والمتناقضات وبنسبة عالية.

ليعلم هؤلاء أن من مقتضيات العدل الإلهي أن لا يجعل أحد شقي رحى الحياه تابعاً ذليلاً خانعاً للشق الآخر لأن كلاهما مخلوق لنفس الجهة الربانية التي أوجدت الخلق وحرمت الظلم .. على أن الإسراف في إثبات أن المرأة خلقت من تربة أخرى أقل طهارة ونقاء من تربة الرجل هو الغباء بعينه ، وكذا الإسراف في سرد مناقب الرجل التي قد نجدها في أقل البغال صحة هو أيضاً من الاستهتار بعقول المتلقين ومحاولة متهافتة لملئ الفراغ بالفراغ ولا أجدني أحبذ حرث البحر لأثبت أن ماءه لا ينبت شجراً .

ولا أريد أن أذكر الجميع أننا اليوم وبعد قرون من التجارب الإنسانية مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن نستلهم نتائج تلك التجارب كما استلهمها بعض المفكرين المسلمين سابقاً بانين عليها منارات علم رفدت الحضارة الإنسانية بكثير من الدرر التي غيرت ذلك المسار يوماً ما ، لا أن نظل وتظل معنا أفكارنا وعلماؤنا و( مشائخنا ) عالة على اجتهادات وافرازات قرون مضت كانت يوما من الأيام تخريجات لمستجدات وظروف سياسية واجتماعية وثقافية ولم تكن أسفاراً تؤصل للحياة حتى قيام الساعة .

أما الموغلون في السفه ممن يظنون ( وضع ألف خط تحت يظنون ) أنهم يمسكون بناصية الحقيقة فهؤلاء هم بلاء الأمة الحقيقي سواء كانوا مشائخ كما يطلقون على أنفسهم أو طلاب علم ( شرعي ) كما يدعون .. لأنهم وحتى هذه اللحظة لا يريدون أن يغادروا عقليات الماضي ولا أن يتحلوا بحلل التواضع ولا أن يتشحوا بأوشحة الأدب في الحوار ولا أن ينسوا ولو للحظة حالات ( الهبلية ) و ( الصنمية ) التي يعيشونها ، فقط أحدهم يظن بمجرد أن يدرس العلم ( الشرعي ) ويربي شعر لحيته ويلبس العمامه ويقصر ثوبه ، أن على الناس بعد ذلك وبشكل مباشر أن تنحني اجلالاً واحتراماً لهذا المكرمة السماوية التي حباها الله للأمة وأن يضع الناس رقابهم بين يديه .

ولي في هذا المقال بعض الأفكار التي يجب أن أضعها كمقدمات لحوارات قادمة مع من يريد أن يتحاور معي بأسلوب علمي بعيد عن الادعاءات والهرطقات .. وكل يعرض بضاعته ونترك الحكم فيها للمتلقي والقارئ والسامع دون أن نتنابز بالألقاب أو يكفر بعضنا بعضاً :

أولاً : فيما يخص ولاية المرأة فلا يوجد أي فرق بينها وبين الرجل في ذلك لأن اليوم عصر ( الولايات المؤسسية ) التي لا يتحكم فيها شخص أو مزاج أو حالة صحية أو عاطفية سواء للرجل أو للمرأة .. فلا تجوز الولاية العامة لا للرجل ولا للمرأة على حد سواء بمعنى أن الاستبداد والتسلط والحكم بالأمر أصبحت مسألة في حكم التاريخ وأن الذي يجب أن يحكم اليوم هو المؤسسات التي يكون فيها الرجل والمرأة تبعاً للكفاءة هما الشريكان الفاعالان في إدارة أي من مؤسسات الدولة أو سلطاتها المختلفة .. ولا يمكن أن نترك لأي مؤسسة سلطة الأمر المطلق أو النهي المطلق دون أن تكون هناك مؤسسات أخرى تراقبها وتحاسبها في تدافع واضح وجلي بين أطراف الحياه بحثاً عن استقامتها .

ثانياً : لا يمكن أن نستدل بأجزاء من آيات القرآن منتزعة من أي من سياقاتها المختلفة على أي مسألة أي كانت . لأن القرآن الكريم الذي هو صلب الرسالة السماوية الخاتمة قد رسم لنا الدوائر الواسعة لصلاح الدنيا والمفصلة لصلاح الآخرة ، وعلينا أن نجتهد وبشكل مؤسسي في رسم أروع المسارات التي تحقق صلاح الدنيا داخل تلك الدوائر الواسعة التي جاء بها .

ثانياً : لا يمكن الاستدلال بأي من ما يطلق عليها كتب ( الحديث ) اليوم خالفت أو تخالف القرآن الكريم ويجب أن تخضع كل المتون للتدقيق والنقد في ضوء القرآن الكريم الذي جاء ( بلسان عربي مبين ) ، على أن اعتبار ماجاء فيها جزء من التاريخ والسيرة لهو أجدى حتى لا نتيه في طرق التمذهب الفقهي والتمزق الطائفي الذي تعتمد كل أركانه على كتب سماها عمر بن الخطاب ذات يوم ( مثناة كمثناة أهل الكتاب) .

ثالثاً : نشكر لكل المجتهدين القدماء ما ورثوه لنا من منتوج فكري على أن لا نضع كبير اعتبار ونحن نؤصل لجميع مساءلنا الحياتية وما يخص منها مصالحنا على وجه التحديد لذلك التراث .

رابعاً : لا حجية للإجماع لأنه إطار فضفاض لتناقضات مبنية على (أغلب الظن) وبالتالي الاحتجاج بهذا الأصل أمر واه .

رابعاً : لا رجال دين في الإسلام .. ولا امتيازات ظاهرة أو باطنة لهم .

على أنني في ختام مقالي لا أرقب سوى حراكاً فكرياً يخرج المجتمعات الإسلامية من أعناق زجاجات حشرت فيها متشضية متنافرة يكفر بعضها بعضاً ويسفه بعضها الآخر في منظر سريالي يبعث على الأسى ، وينقل صورة مأساوية للمجتمعات الإسلامية أمام الأمم والمجتمعات التي من المفترض أن نقدم لها القدوة لنخرجها من الظلمات إلى النور.