شيئ من استقلال مجلس القضاء وصلاحيته في التشريع
بقلم/ د.خالد عبدالله علي الجمرة
نشر منذ: 17 سنة و شهرين و 10 أيام
الأربعاء 12 سبتمبر-أيلول 2007 10:03 م

مأرب برس – خاص

عندما تنازل رئيس الجمهورية في العام2006م عن رئاسة مجلس القضاء الأعلى وفقاً لتعديلات قانونية تمت وقتها بعد مطالبات شديدة بهذا من منظمات المجتمع المدني النشطة باليمن بمختلف توجهاتها، بدعم مجموعة تقارير أعدتها جهات أجنبية مختلفة وتطرقت فيها إلى سيطرة رئيس الجمهورية على السلطة القضائية في اليمن بفعل رئاسته لمجلس القضاء أعلى سلطة إدارية قضائية في اليمن والتي من أهم وأخطر اختصاصاته تعيين ونقل وعزل وتأديب القضاة وأعضاء النيابة العامة، بدأ مجلس القضاء الأعلى حق بة عمل جديدة وكان من اللافت في هذا الصدد قرائته العملية للمادة (109) من القانون رقم (1) لسنة1990م بشأن السلطة القضائية والتي منحت مجلس القضاء شكلياً حق دراسة مشاريع التشريعات المتعلقة بالقضاء والتي جاء فيها )) يمارس مجلس القضاء الأعلى الصلاحيات التالية :

‌أ- وضع السياسة العامة لتطوير شؤون القضاء .

‌ب- النظر في جميع المواضيع التي تعرض على المجلس فيما يتعلق بتعيين القضاة وترقيتهم وعزلهم ومحاسبتهم وتقاعدهم ونقلهم واستقالاتهم على ضوء المواد المنصوص عليها في هذا القانون .

‌ج- تأديب القضاة .

‌د- دراسة مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء .

‌ه- النظر في نتائج التفتيش الدوري على أعمال رؤساء وقضاة محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية لتقدير درجة كفاءاتهم وتحقيق الشكاوى التي تقدم ضدهم والنظر في الطلبات التي تقدم منهم والتصرف فيها وفقاً لأحكام لائحة التفتيش القضائي.

‌و- إبداء الرأي في مشروعات ميزانية السلطة القضائية .

 ويلاحظ من خلال ثنايا النص السابق أن المقنن اليمني منح مجلس القضاء صلاحية لدراسة مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء ولم يزد على ذلك، مما يعني أن هذا النص تعرض للبتر قبل أن يولد، وأنه وفقاً لذلك بحاجة إلى معالجة، فهو لم يحدد في أي مرحلة للمجلس حق دراسة هذه المشروعات! كما أنه لم يحدد الطريقة التي يتم بها إحالة مشروع قانون ما إلى المجلس لدراسته من حيث الجهة أو الكيفية التي تتم بها هذه الإحالة، أيضاً لم يبين لا على سبيل الحصر ولا المثال نوعية عن هذه القوانين لتوضيح ماهية القوانين التي أطلق المقنن عليها لفظ المتعلقة بالقضاء.

وإذا مابحثنا عن الغاية من منح الجهات المختلفة حق دراسة المشروعات القانونية المتعلقة بطبيعة عملها فإننا نجدها تتمحور في الاستفادة من ملاحظات هذه الجهات والتي يفترض أن تكون أكثر علماً ودراية بمتطلبات العمل وذلك من واقع التجربة المكتسبة من ميدان العمل، ولأجل تحقق هذه النتيجة مكتملة الأركان تقتضي الحاجة منح هذه الجهات فرصة واسعة للتعليق علي المشاريع القانونية المتعلقة بطبيعة نشاطها وإبداء الملاحظات حول ماجاء في هذه المشاريع وذلك بناءاً على دراستها ومراجعتها بصورة دقيقة وشاملة، لكن للأسف هذا لم يأت في النص السابق من قانون السلطة القضائية مما يُعد سنداً للقول السابق من أن هذا النص للأسف ولد مبتوراً! هذا من الناحية النظرية ولكن كيف هو الحال من الناحية العملية؟

امتنع مجلس القضاء الأعلى بتشكيلته السابقة وقبل التعديلات الأخيرة في قانون السلطة القضائية والتي بموجبها تنازل رئيس الجمهورية عن منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى ليمنح لأحد القضاة وفق مقتضيات القانون، امتنع عن تفعيل هذا النص لعدد من الأسباب أهمها الحالة التنظيمية السيئة التي كان يعيشها من حيث عدم انتظام جلساته وكذا حالة اللاوفاق التي كانت تحكم علاقة أعضائه ببعضهم البعض بتشكيلته آنذاك، كما يضاف إلى ذلك الحساسية المفرطة التي كانت تظهر عند تعاملهم مع الجهات الآخرى(غير القضائية) خاصة مجلس الوزراء  ( باعتباره السلطة التنفيذية).. ...

إلا أن مجلس القضاء الأعلى بعد التعديلات القانونية الآخيرة وبتشكيلته الشابة الحالية غامر بالسير على درب تطبيق هذا النص، وبدأ بدراسة واقتراح لوائح لوزارة العدل ومجلس القضاء، وبعد صدورها بقرارات صادرة من رئاسة الجمهورية افتتحت شهيته أكثر ليخوض غمار تجربة دراسة بعض القوانين المتعلقة بالقضاء كما رأها هو كذلك، فشكل لجنة من بين أعضائه إضافة إلى مدير المعهد العالي للقضاء لدراسة مسودات لعدد من المشاريع المقترحة لقانون معهد القضاء- ولنا في بعض نصوصه تعليق سيكون محل كتابه قادمه إن شاء الله- وتم التوفيق بين هذه المشاريع بمشروع واحد قُدم من اللجنة المشار إليها آنفاً إلى مجلس القضاء الأعلى لدراسته ومناقشته، وهذا ماتم فعلاً إذ ناقشه المجلس وأقره كصيغة مشروع أخيره وقدمه لوزير العدل لتقديمه إلى مجلس الوزراء والذي ناقشه من جديد وأحاله لوزارة الشؤون القانونية كما هو متبع والتي بدورها أصبغت عليه الشكليات والمشاريط التي بالعادة درجت على تضمينها للقوانين التي تعدها لتقدمه مُعالجاً لمجلس الوزراء الذي أقره وقدمه لمجلس النواب كاستحقاق دستوري لإقراره وهنا نقف وقفة تأمل لنرى مدى قانونية هذه التصرفات المتباينة من أكثر من جهة........

كما سبق بيانه فإن قانون السلطة القضائية قدم لمجلس القضاء الأعلى حق دراسة مشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء فقط، لذلك فإن مجلس القضاء الأعلى جزم في تصرفات متعددة في هذا السياق دون مسوغ قانوني فهو شكل لجنة لإعداد مشروع لقانون المعهد وبعيد تقديمه ناقشه وأفرط عليه بمجموعة تعديلات ليقدمه إلى وزير العدل لتقديمه كما سبق لمجلس الوزراء.

وبالتالي فإن مجلس القضاء لم يكتف بحق دراسة المشروع فحسب كما جاء في القانون بل إنه أعده وناقشه وقدمه لمجلس الوزراء عن طريق وزير العدل وهو عضو قوي ومؤثر في مجلس القضاء وفقاً لصلاحيات واسعة منحتها نصوص قانونية سارية كما أنه عضواً عادياً بمجلس الوزراء ليس بحجم وزير الشؤون القانونية مثلاً فيما يخص مناقشة مشاريع القوانين!!!!

وبالمقابل لايمكن القول أن مجلس القضاء قد جانب صريح القانون بهذه التصرفات فهو لم يتجاوز اختصاصاته كما أنه لم يقفز على الاستحقاقات الدستورية بما يعني أن تصرفاته السابقة في هذا الخصوص قد أريد لها أن تتحصن نظرياً من التجاوزات القانونية، لكن مجلس القضاء في حقيقة الأمر وبهذه التصرفات غض الطرف عن جزء كبير من مكانته المهيبة فألحق قراراته بتبعية لمقررات مجلس الوزراء وهو بهذا يلحق حاله بساري السلطة التنفيذية ويضع نفسه كوكباً ضمن فلكها ليكون هو العربة والسلطة التنفيذية الحصان.......

لكن يجب أن لانغفل أنه يبقى استحقاق دستوري يُقيد مجلس القضاء في هذا الاتجاه حيث أن الدستور بيّن حصراً أن اقتراح مشاريع القوانين وتقديمها لمجلس النواب لإقرارها لايتم إلا بطريقتين الأولى: تقديمها عن طريق عضو مجلس النواب والثانية: تقديمه عن طريق الحكومة..... وفقاً لأكثر من نص دستوري أهمها المادة (85) من الدستور والتي جاء فيها

(( لعضو مجلس النواب وللحكومة حق اقتراح القوانين واقتراح تعديلها، على أن القوانين المالية التي تهدف إلى زيادة أو إلغاء ضريبة قائمة أو تخفيضها أو الإعفاء من بعضها أو التي ترمي إلى تخصيص جزء من أموال الدولة لمشروع ما فلا يجوز اقتراحها إلا من قبل الحكومة أو عشرين في المائة (20%) من النواب على الأقل، وكل مقترحات القوانين المقدمة من عضو أو أكثر من أعضاء مجلس النواب لا تحال إلى إحدى لجان المجلس إلا بعد فحصها أمام لجنة خاصة لإبداء الرأي في جواز نظر المجلس فيها، فإذا قرر المجلس نظر أي منها يحال إلى اللجنة المختصة لفحصه وتقديم تقرير عنه، وأي مشروع قانون قدم من غير الحكومة ورفضه المجلس لا يجوز تقديمه ثانية في نفس دور الانعقاد.))

وهذا النص يعني بشكل صريح استحالة أن يقوم المجلس بتقديم المشروع رأساً إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره ليتخلص بذلك تماماً من مضنة مطب العربة والحصان معاً......

إلا أنه في حقيقة الآمر لا يمكن التسليم بهذا بإطلاقه إذ أن معالجة ذلك يمكن له أن يتم بتقديم وتأخير تصرفات محددة، هذا كمعالجة، أما كعلاج إبراء نهائي فيجب أن يُكمل النص المبتور الحالي في قانون السلطة القضائية بالمادة(109) - سبق المرور- عليها بحيث يستطيع مجلس القضاء تقديم مقترحات قوانين أو تعديل قوانين أخرى متعلقة جميعها بالقضاء إلى مجلس النواب مباشرة؛ وهذا يستلزمه تعديل دستوري في المادة (85) من الدستور والسابق ذكرها أيضاً، بحيث تمنح مجلس القضاء حق اقتراح القواعد القانونية المتعلقة بالقضاء أينما وجدت بأي قانوناً كان ويمكن حصر هذه القواعد القانونية بالقواعد التنظيمية للسلطة القضائية والإجرائية لإجراءات التقاضي حتى لايصبح النص محل اجتهاد متباين.... مع العلم أن هذا التعديل لن يحتاج لأكثر من موافقة ثلاثة أرباع أعضاء مجلس النواب فالمادة محل التعديل المُقترح ليست ضمن القواعد الدستورية التي تحتاج لتعديلها استفتاءاً عاماً على الشعب....

أما معالجة الوضع الحالي بتقديم وتأخير تصرفات فيمكن القول أنه من المعلوم أن لرئيس الجمهورية حق الطلب من مجلس النواب إعادة النظر في أي قانون يصدره المجلس خلال ثلاثين يوم من رفعه إليه بقرار مسبب وفقاً للمادة (102) من الدستور حيث جاء فيها: ((لرئيس الجمهورية حق طلب إعادة النظر في أي مشروع قانون أقره مجلس النواب، ويجب عليه حينئذٍ أن يعيده إلى مجلس النواب خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه إليه بقرار مسبب.........))

وبالتالي فإنه يُمكن الوصول إلى نتيجة مشتركة مع رئاسة الجمهورية بحيث يكون لرئيس الجمهورية طلب رأي مجلس القضاء الأعلى في القواعد القانونية المتعلقة بالقضاء في أي قانون يرفع إليه وعلى مجلس القضاء حينها دراسة هذا القانون بما تضمنه من قواعد متعلقة بالقضاء في جلسات متتابعة ورفع ملاحظاته لرئيس الجمهورية في غضون فترة لاتتجاوز العشرين يوماً لتضمينها ضمن مسببات قرار الإعادة في حال كانت ملاحظات مجلس القضاء سلبية...... وبهذه الطريقة يحتفظ المجلس باستقلال قراره وكذا بهيبته وبمكانته الأعلى بين المجالس إذ أن لا حكم على حكم القضاء......

كما أنه يمكن استحداث نص قانوني فيه أن لمجلس النواب أن يطلب رأي مجلس القضاء في مشروع القواعد المتعلقة بالقضاء المنظورة أمامه ويُمكن لمجلس القضاء الأعلى كذلك حق اختيار أحد أعضائه لحضور جلسات مجلس النواب المخصصة لمناقشة القانون المتعلق بالقضاء وبالتالي إبداء رأي مجلس القضاء ككل حال مناقشة القانون في أي قاعدة قانونية تتعلق بالقضاء....... وبهذا أيضاً يُحفظ المجلس مكانته وهيبته واستقلاله بعيداً عن شبهة التبعية.

وتبقى طريق أخيرة يمكن بها لمجلس القضاء إبداء رأيه في أي مشروع قانوني يتضمن قواعد قانونية تتعلق بالقضاء إذ يتم تقنين علاقة ما كقناة اتصال بين مجلس القضاء ومجلس الوزراء يمرر من خلالها إلزام لمجلس الوزراء بعرض مشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء على مجلس القضاء الأعلى لدراستها وإبداء رأيه حولها ومن ثم يقوم مجلس الوزراء برفع هذه الملاحظات جنباً إلى جنب مع المشروع المقر منه إلى مجلس النواب.......

إن هيبة مجلس القضاء الأعلى من هيبة القضاء ككل ولايمكن بحال من الأحوال الاعتقاد باستقلالية القضاء دون وجود نصوص تضمن ذلك وممارسات قوية تدعمها، ولا يتم ذلك إلا بتضحيات قوية يقدمها كبار القضاة قد يخسرون بها مواقعهم أي نعم لكنهم سيكسِبون الوطن قضاءاً قوياً ولنا في باكستان أسوة حسنة، وقد يتراخى مجلس القضاء في بعض المنعطفات التي يسير عليها فيبدأ بتقديم التنازلات واحداً تلو الأخر لأجل تحقيق نتائج قد لاتكون بحجم التنازلات المقدمة ليجد نفسه في الأخير عاجزاً عن إيقاف هذه التنازلات التي بلاشك ستنهمر إلى أن تصنع من نفسها سلسلة طويلة تُكبل أي تقدم في القضاء اليمني على المدى المنظور أو البعيد وهذا ما لانأمله مستقبلاً وسيبقى كل هذا محل نظر وترقب لكثيرين........... والله من وراء القصد،،،،،،،

khaledalj@hotmail.com