توريث مناصب المعارضة
بقلم/ سامي وجيه الدين
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 12 يوماً
الجمعة 14 سبتمبر-أيلول 2007 10:01 ص

مأرب برس – خاص

ترهق المعارضة الاسماع بالحديث عن مخاوف توريث السلطة في اليمن ، في وقت لم تصل مرتبة مثالية تؤهلها للتحسس من قضية كهذه، ناهيك عن العمل على مناهضته. لم تتحلل المعارضة من نظرية الارتقاء كغاية وان كانت الوسيلة على حساب مستقبلها والبلد، وفي الغالب تتخذ من الشخصيات سلما للارتقاء وتغفل البرامج ومؤسسات الاحزاب..

هي او ربما قياداتها لم تتخلص بعد من موروث تقديس الذات، لتلجأ عند اول محطة اختبار لديمقراطيتها الى تدوير المناصب القيادية في مغالطة باتت برهانا على حرص النخب المعارضة على كراسيها الفارغة، وكأن الاحزاب تفتقر إلى جيل آخر قادر على الاستمرار، او هكذا يصورون الامر بداعي تراك م الخبرات للقيادات التاريخية.

مطلع الاسبوع هللت المعارضة، خصوصا حزب الاصلاح، بما اسمته صفعة تلقاها الحزب الحاكم في الانتخابات التكميلية في الدائرة 21 بمحافظة عدن، بفوز سهيل عبدالرزاق بالمقعد الشاغر الذي خلفته وفاة اخيه اشفاق قبل اشهر بحادث مروري، معتبرة ذلك ردا من الشعب على فشل سياسات الحزب الحاكم. قبيل انتخابات 2003 البرلمانية فاز علي حسين عشال عن حزب الاصلاح في الانتخابات التكميلية لمقعد شاغر خلفه موت عمه ايضا، وخرج الاصلاح بمقعد يتيم من افقر محافظة في الجمهورية في انتخابات 2003، حظي به أحد ابناء المشايخ، كما حظي اخوه ايضا بمقعد عن المؤتمر، ومثل الإصلاح عن محافظة عمران الشيخ الأحمر ونجلاه فقط.

في وضع سوي وفي ديمقراطية بحد ادنى من المثالية لن يكون مستغربا ان يترشح الابن خلفا لابيه، طالما ان الاختيار سيكون للبرنامج والفيصل صوت الناخب في صندوق الاقتراع..

ما حدث ان المعارضة تسعى في تجربتها الاخيرة، كما في سابقاتها، الى الحفاظ على المقعد، باستغلال التعاطف الفطري في المجتمع اليمني مع شقيق الراحل، الذي كان مثلا في الاخلاق والاستقامة والنزاهة، دون ادنى اعتبار لتبعات هذا الموقف مستقبلا على الديمقراطية العقيمة في البلاد، والتي تعد المعارضة من اهم اسباب عقمها.. سهيل اكد انه رفض الترشح، غير ان الجماهير الحت عليه، اذ لا يوجد من يشغل فراغ اخيه -رحمه الله- غيره، والاصلاح لم يكلف نفسه عناء البحث عن بديل طالما ان هناك ثقة بعودة مقعد الكتلة المفقود الى رحابها.. استند النائب سهيل على السمعة الطيبة التي تحلى بها اخوه، يضاف اليها تعاطف فطري لابناء الدائرة وشهامة، تدفع بالكثيرين الى العمل على اعادة سهيل الى مقعد اخيه، وهو ما اكده بطريقة اخرى في حديثه لجريدة الصحوة قبل الانتخابات، ذلك مضاف الى مزايا يتمتع بها الرجل ذاته ربما كانت تؤهله للمنافسة على المنصب، حتى لو لم يكن شقيقا للمرحوم..

حتى الحزب الحاكم بدا اخلاقيا للغاية، اذ رفض -كما تقول مصادره- منافسة سهيل تقديرا لاخيه، وكما يرفض منافسة الشيخ الاحمر تقديرا لمكانته، واستخدامه كذريعة يبتز بها الاصلاح عن اول اعتراض منه على اداء البرلمان، ولجأ الى ذات اساليبه الملتوية المعتادة بترشيح شخصية مؤتمرية، لا تحمل رمز الحصان على ورقة الاقتراع.

قد يكون الوافدون الجدد افضل من سابقيهم، رحمهم الله، لكن الطريقة التي استغلتها المعارضة لايصالهم الى البرلمان لا تخدم العملية الديمقراطية في البلد ذات الاغلبية الامية التي لم تستوعب بعد من اهمية الانتخابات سوى ايصال اشخاص الى مصاف الطبقات البرجوازية عن طريق مقاعد في البرلمان ينعمون بموجبها بامتيازات ، وتحجب عنهم سلطة القانون. دون ان يكون لهم في الغالب اي دور رقابي او تشريعي على الواقع.

ما يؤخذ هنا على الاحزاب هو عدم ثقتها ببرامجها او ربما بالجمهور، وعدم استعدادها للتضحية بالمقاعد مقابل تعزيز المبادئ والقيم. هي لا تجرؤ على المغامرة بخوض غمار انتخابات لقياس مدى ثقة الشارع المحتقن - ضد السلطة والحزب - بها كبديل بعيدا عن حساب الربح المضمون، ما يشير الى ان المعارضة لا زالت تحسب حساباتها بعيدا عن اجواء المساواة والبرامج، واختبار الثقل السياسي لها بعيدا عن نفوذ الشخصية.. ليس عيبا ان يخسر الاصلاح او المشترك دائرة النائب اشفاق عبدالرزاق، في ظل ظروف معلوم بالضرورة أنها غير متكافئة، لكن العيب ان تغالط الاحزاب نفسها بتكريس مزيد من التخلف الديمقراطي، وتتهرب من معرفة حجمها الحقيقي وثقلها كأحزاب تقدم نفسها كبديل للسلطة، بارتكانها الى رصيد شخصي يختاره الناس دون ان يكون خيارهم بالضرورة معبرا عن قناعاتهم بمثالية الحزب الذي يمثله، وهذا ما ستصطدم به المعارضة في اول محطة يفصلنا عنها اقل من عام ونصف، والتي يبدو راجحا انها لن تكون احسن حظاً بالنسبة لهم من سابقتها، خصوصا انهم حتى اللحظة لم يصعدوا من اجل اصلاح آليات الانتخابات، التي بات معتادا البدء بتناولها قبل اشهر من الاستحقاقات وكأن هناك تعمدا لدى المعارضة لتأخير المسألة طمعا في استغلال حرج الوقت حينها لتبرير عجزها الانتخابي القادم.. ما سبق يدعو للتساؤل حول موقف المعارضة لو كان الرئيس منتميا الى احد احزابها، هل ستعدم بديلا تقدمه نيابة عنه في الدورة الرئاسية التالية؟ ام ستلجأ الى احد ورثته لتُقدّمه بديلا ضامناً للكرسي والسلطة، مستندا على رصيد تاريخي ومنجزات سلفه..

ان معارضة لم تبد استعدادها للتضحية بمقعد نيابي لترقية ديمقراطية الشعب، لن تكون مستعدة لتسليم السلطة اذا وصلت قمة الهرم يوما ما، وسيظل الكرسي حكرا على نخبها وارثا بين سادتها، وتجربتها الحالية تكرس المزيد من الاحباط السياسي وفقدان الثقة لدى الشارع بالسلطة والمعارضة، والمؤتمر مستفيد معنويا اكثر من احتلال النائب سهيل مقعد أخيه.

حينما ننقُد المعارضة، فإننا ندافع عن حقها في البقاء الطبيعي لا البقاء بحالة موت سريري بآليات المحاباة ذاتها التي يكرسها نافذو الحزب الحاكم والمعارضة، ان تكون احزابا بالمعنى الحقيقي، بما يمكّنها من مواجهة التحديات، ومقاومة عوامل التعرية والارتقاء بثقافة الشعب وان دفعت ثمنا من مصالحها المحتملة، لا ان تبقى متحصنة بهاجس السلطة وثقل الشخصيات، بعيدا عن ثقافة القانون والمؤسسات والبرامج، وسيذكر لها التاريخ يوما-ان فعلت- وسيسجل في رصيدها انها مبكراً غامرت بالمنافسة مدنياً وبآليات حديثة آمنت بها في غير وقتها، لأننا كشعب، وهي كأحزاب في الصدارة، سنحتاج جميعا أن نمر بمرحلة كهذه مستقبلا، ولها الخيار في ان تكون او لا تكون..

saminsw@gmail.com