عيد الاستقلال والقصة المحزنة لميناء ومصافي عدن
بقلم/ دكتور/محمد الصبري
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 19 يوماً
الخميس 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:56 م


مأرب برس - خاص

من الصدف العجيبة أن توقع الحكومة اليمنية مذكرة تفاهم مع موانئ دبى العالمية لتشغيل ميناء الحاويات قبل يومين فقط من مناسبة عيد الإستقلال الأربعين - وكأن يوم الدولة اليمنية بأربعين سنة شمسية - فميناء ومصافي مدينة عدن التاريخية يعتبران أهم مرفقين اقتصاديين أنشائتهما بريطانيا العظمي لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية واسعة، تسلمتهن حكومة الاستقلال وهن في قمة العطاء والانتاج، ولقد أصابهن ما أصابهن إثناء فترة الحرب الباردة ، ولن استغرق في الحديث عن ماذا حصل لهذين المرفقين الحيويين منذ فجر صبيحة يوم الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 كون الوحدة المباركة قد جاءت لتجف ما قبلها من أخطاء.

 بل أنه قد مر على تحقيق الوحدة المباركة أكثر من 17 سنة وبالتالي فأنه من المعيب أن نلوم أي تباطوء في إستغلال موقع عدن الاستراتيجي بشكل عام وهذين المرفقين الهامين بشكل خاص إلى أخطاء حكومات ما قبل الوحدة وما بعد الإستقلال، كون فترة عمر الوحدة المباركة كانت كفيلة بتحقيق معجزات اقتصادية في هذه المدينة الساحرة فيما لو أحُسنت عملية إدارة ثرواتها الاقتصادية وبنيتها التحتية المورثة من المستعمر البريطاني!.

مما لاشك فيه بأن مدينة عدن الصامدة - وإثناء حكومات الوحدة المباركة – قد شهدت تطورات واسعة في مجال البنى التحتية من خدمات مرفقية وتطورات عمرانية بحيث غيّر من ملامح شكل المدينة افقياً ورأسياً وأصبحت عدن الموحدة غير عدن التشطيرية، بل وشهدت المدينة توسعات هامة في مجال البنية التحيتة الاقتصادية كان أبرزها تلك التوسعات الباهرة في مطار عدن الدولي وميناء الحاويات لتستوعب ما لايقل عن 750 ألف حاوية في السنة أهّل المدينة ومنطقتها الحرة لتكون محل جذب وإستقطاب الاستثمارات الدولية فضلاً عن الاقليمية والمحلية. 

إلا أنه من الملاحظ بأن هذه التطورات الهائلة في المجال العمراني والخدماتي والمرفقي لم يصاحبهما تطورات في مجال العقل الانساني البشري اليمني المسئول عن إدارة هذه التطورات الهائلة بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من المنافع الاقتصادية بسبب إن الإنسان اليمني البسيط أنشغل ويشغل نفسة بمبارزات سياسية ماحقة وإختلاق معارك وهمية كان أخرها محاكم التفتيش التي نصبتها قوى الفساد الاقتصادي عبر صحف وجرائد اليمن الأهلية والحزبية وللآسف الرسمية في معارك إعلامية (حامية الوطيس) متناولة بالنقد والتجريح لإتفاقية تشغيل ميناء الحاويات مع موانئ دبي - بحق وبدون حق - أفضت في مجملها إلى إنتزاع توجيهات عليا في وضح النهار إلى مجلس النواب بتأجيل المصادقة على الإتفاقية (برغم أنها تعتبر معاهدة دولية موقعة تحت إشراف دولي) مستندة إلى حجج واهية أقل ما يقال عنها بأنها سفسطات لفظية ولغوية كان من الإمكان حلها بأسلوب ودي وأخوي مع اخواننا الأشقاء في دبي لكن عنترياتنا السياسية وهرطقاتنا الإعلامية جعلتنا نحن اليمنيين (حكومة وشعباً) ندفع الثمن غالياً جراء عدم التزامنا بالمواثيق والعهود التي نقطعها على انفسنا ونعيش في دوامة تخبط عشوائي كان أخرها هو إلغاء عملية التفاوض مع موانئ دبي في بداية شهر نوفمبر 2007 والذهاب إليهم في أخر الشهر نفسة بوفد رسمي رفيع المستوى لتوقيع مذكرة تفاهم في 28 نوفمبر بعد أن كنا نمتلك إتفاقية جاهزة، لسنا نعرف ما مضمون هذه المذكرة ولا ما محتوها لكن بالتأكيد نعرف بإنها ستكون بداية معركة إعلامية وكلامية من جديد تسئ إلى سمعة اليمن أرضاً وإنساناً.

أن محاولة تشغيل ميناء الحاويات لتعتبر من القصص المحزنة والمفجعة التي يدمي لها القلب لأي وطني غيور مستشعراً قول أبو الأحرار - بحثت عن هبة أحبوك ياوطني فلم أجد سوى قلبي الدامي- وهكذا فميناء حاويات عدن والمعلا يمتلكان من المقومات ما يجعلهما قبلة للموانئ العالمية لكن هما الآن مركونتان بدون إستغلال كامل طاقتهما الإنتاجية بل وللأسف بأنه قد فاتهما قطار التنمية الإقليمية حيث وميناء الحاويات بالتحديد قد عانى من التجارب القاسية المريرة إبتداء بتوقيع عقد تشغيل بشروط اقتصادية مجحفة مع يمنفست (Yemenvest)
نجحت الحكومة في إلغائها بتكلفة مالية باهضة تجاوزت الـ 200$ مليون دولار، وبعد مخاض عسير وإستفادة من تلك التجربة المريرة وقعت الحكومة إتفاقية مع موانئ دبي العالمية للتشغيل على ضوء سنة قانون المناقصة اليمني وهدى القوانين الدولية شهدت لها المنظمات الدولية بالمثالية في إجراءاتها وإرسائها وجدواها الاقتصادية وبشروط اقتصادية معقوله - تتناسب مع سمعة اليمن الاستثمارية الحالية التي نشوهها كل يوم بأيدينا - لكن طابور الفساد ومستشاري السوء أجهضو تلك الاتفاقية المثالية في نظري في مهدها مما أخر من عملية التشغيل وأسئ إلى بيئة اليمن الاستثمارية وها نحن الآن ما زلنا في طور المعمعة جراء تلك الفاجعة.   

أما قصة تحديث وتطوير مصافي عدن والتي هي ايضاً قصة مبكية عانت من التسويف والإهمال منذ أن سلمها المستعمر البريطاني في صبيحة 30 نوفمبر 1967 والتي ما زالت كانت حديثة فعمرها أنذاك لم يتجاوز الـ 13 عشر السنة بل والتزم حينها اللورد شاكيلتن للرئيس المرحوم الشعبي بتعويض حكومة الاستقلال بمبالغ مالية لتطوير البنية التحتية لمدينة عدن بما فيها المصافي، لكن لم تشهد المصفاة أي محاولة جادة إلا في عام 1983 عندما تم إعداد دراسة لتطويرها وتحديثها لكن تلك الدراسة ظلت حبيسة الإدراج وكأنه مكتوب عليها أن تنقضي الأربعين السنة منذ إنشائها في عام 1954 بحيث ينفذ عكس ما توصلت إلية تلك الدراسة بضربات موجعة شل حركتها في حرب صيف 1994، وبعد أن تم إعادة نشاطها بأقل من طاقتها الإنتاجية أنشغلت الحكومة بإعداد دراسات تلو الدراسات لم ينفذ منهن شئ وكأنه مكتوب على هذه المصفاة أن لا تقوم بدورها الاقتصادي خلال الـ 13 سنة الماضية، لكن أملنا كبير في همة الحكومة الحالية بتنفيذ ما سيتم التوصل إليه من نتائج الدراسة الحالية التي هي بصدد الإُعداد من قبل شركة بريطانية ذات خبرة واسعة في هذا المجال.

الشاهد في الأمر بأن الخسائر الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة التي يتكبدها الاقتصاد اليمني من جراء عدم تحديث وتطوير مصافي عدن وعدم تشغيل ميناء الحاويات تعتبر كبيرة جداً يصعب حتى حصرها كمياً، إلا أنه يمكن الاستئناس فقط بأرقام الموازنة فيما يتعلق بالخسائر الاقتصادية لعدم تحديث مصافي عدن حيث لو حُدثت وطورت مصافي عدن بشكل ديناميكي بحيث تلبي احتياجات اليمن فقط من المشتقات النفطية ليس بالضرورة منذ بداية الوحدة لكن فقط منذ عام 2000 أي منذ أن من الله على اليمن بعوائد نفطية مجزية ومنذ أن من الله على حزب المؤتمر الشعبي العام بأغلبية مريحة في مجلس النواب بحيث يضغط كيفما يشأ على الحكومة المؤتمرية بإستثمار جزء من فوائض الموازنات في مجال تطوير وتحديث مصافي عدن وتطوير مصافي جديدة بإستثمارات يمنية مالية خالصة لكانت كفت اليمن شر دعم المشتقات النفطية، فحكاية الدعم هذه تكمن في أن اليمن دولة منتجة للنفط الخام لكنها مستوردة لأكثر من 70% من إحتياجاتها للمشتقات النفطية بسبب محدودية طاقة مصافي مارب وعدن وبالتالي بقدر ما تستفيد اليمن من ارتفاع الأسعار النفطية بقدر ما تتضرر لكونها مستوردة، ولهذا لو أفترضنا جدلاً بأن الحكومة استثمرت جزء من فوائض موازنتها خلال الفترة 2000-2002 لتبني مصافي وتحديث مصافي عدن بحيث تكون جاهزة للإنتاج مع بداية عام 2003 لوفرت لخزينة الدولة تلك الدعومات كما هو موضح في الجدول المقابل والتي بلغت أكثر من 6$ مليار دولار خلال الفترة 2003-2007 بينما كان المطلوب لبناء منظومة متكاملة من المصافي بواحد مليار دولار فقط فأي جدوى أقتصادية أكبر من ذلك يبحث عنها مجلس النواب للضغط على الحكومة وتوجييها ومحاسبتها. 

  أما الخسائر الاقتصادية التي مُنيت بها اليمن جراء نكثها لإتفاقية تشغيل ميناء الحاويات بعدن فتتمثل في حدها الأدنى فيما التزمت به مواني دبي في حينة حيث ألتزمت وضمنت بمناولة 700 ألف حاوية في السنة الأولى، و800 الف حاوية في السنة الثانية، و 1.5 مليون حاوية في السنة الثالثة، ثم التزمت وضمنت بإرتفاعها إلى 2 مليون حاوية في السنة العاشرة و 2.5 مليون حاوية في السنة الخامسة عشرة، وها هو مرت على اليمن ثلاث سنوات منذ توقيع الاتفاقية ولم تبلغ إجمالي الحاويات المتناولة 500 ألف حاوية، وقضية كثرة مناولات الحاويات وإلتزام دبي في الاتفاقية لا تكمن في العوائد المالية بقدر ما تكمن في العوائد الاقتصادية غير المباشرة مثل التوظيف والتشغيل لأحواض السفن والمنطقة الحرة ككل وما سينعكس عليه من فتح آفاق جديد نحو التخزين والتصنيع في المناطق الصناعية المزمع إنشائها في محافظات الحديدة وابين ولحج وشبوة وحضرموت، لكن للأسف ظلينا نعيش في أوهام التأمر وبأن دبي ستتأمر علينا كما تأمرنا على أنفسنا خلال الأربعين السنة الماضية.

 

 

2003

2004

2005

2006

2007

الدعم بالمليار ريال

104

146

280

328

400

الدعم بالمليون دولار

523

734

1407

1648

2010

 

 

ألا آن لنا الآوان أن نقلل من السياسة ونسعى نحو الإصلاح المؤسسي لنكون دولة مؤسسات بحق وحقيقة سواءً في المجال السياسي او الاقتصادية وننتجه جميعاً نحو الاقتصاد بروح أخوية صادقة لنجنب بلادنا الهزات الاقتصادية المتوقعة جراء نضوب النفط وتنامي قوى البطالة التي هي بحق قنبلة إجتماعية جاهزة للإنفجار.