جنود الاحتلال والهوس الجنسي وديمقراطية اغتصاب العراقيات
بقلم/ علي كاش
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 5 أيام
الأحد 17 فبراير-شباط 2008 05:39 م

مأرب برس – خاص

من النتائج الكارثية للغزو الأمريكي للعراق والذي طال كل مفاصل الحياة ما تتعرض له المرأة العراقية من انتهاكات على أيدي قوات الاحتلال وربيبها الشرطة العراقية من عنف واغتصاب يندى له جبين الإنسانية وتتفطر له القلوب كأرض شققها الزلزال, فمنذ عام الغزو المشئوم تحدثت الكثير من النساء العراقيات عن ظاهرة الاغتصاب الذي تعرضن له في مراكز الاعتقال والسجون ولكن كلامهن لم يلق صدى عند الحكومة العراقية أو الرأي العام العربي والعالمي, وكانت هناك محاولات للتمويه على هذه الحالة وتقزيمها, حتى بدأت فضائح سجن أبو غريب تكشف للملأ وهي فضائح تكاد أن تكون من مخلفات محاكم التفتيش في القرون الوسطى وليس من معالم الألفية الثالثة خصوصا إن أبطالها يدعون بأنهم حملة مشاعل الديمقراطية وحقوق الإنسان.

في البدء اعلنت منظمة( مراقب حقوق الإنسان) في تقرير لها عام 2005 عن تعرض المعتقلات العراقيات في سجون الاحتلال وأقبية وزارة الداخلية إلى الاغتصاب, وتحدثت أيضا( منظمة العفو الدولية) عن فتاة عراقية لا يتجاوز عمرها السادسة عشر إلى اغتصاب أمام والدها الذي كان ضابطا كبيرا في الجيش العراقي السابق, وأشارت إلى اغتصاب عدة فتيات إثناء الاجتياح الأمريكي لمدينة حديثة, كما أشار تقرير صادر عن (شبكة المرأة العربية) في مايس من نفس العام إلى أن 52% من النساء العراقيات معرضات للتهديد والعنف على أيدي قوات الاحتلال, وهو ما أكدته بدورها منظمة الصليب الأحمر الدولية في تقاريرها حيث رصدت مثل هذه الانتهاكات.

كما تحدثت تقارير دولية عن تعرض أكثر من(400) امرأة عراقية إلى الخطف, بمعدل(5- 10) أسبوعيا, وقد تعرضن معظمهن إلى الاغتصاب, واتهمت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة القوات الأمريكية والبريطانية باغتصاب العشرات من نساء وأطفال العراق, كما سجلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان(57) حالة اغتصاب لنساء بالغات و(27) حالة اغتصاب لأطفال منها(11) حالة على أيدي القوات البريطانية و(3) على أيدي القوات الدنمركية. وذكرت د.شذى جعفر من الأعضاء المؤسسين لهيئة المرأة العراقية بأن النساء اللواتي اعتقلن تعرضن إلى الاغتصاب وبعضهن بيع لدول مجاورة, ويشاطرها الرأي محمد ادهام رئيس اتحاد الأسرى والسجناء الذي تمكن من توثيق عدد من حالات الاغتصاب في أبو غريب, ونفس الرأي أكدته السيدة إيمان خميس مديرة المركز الدولي لرصد الاحتلال حيث أشارت إلى أن إحدى المعتقلات اغتصبها عدد من أفراد الشرطة (17) مرة تحت مرأى الأمريكان.

وأكدت ممثلة اتحاد الأسرى والسجناء السياسيين العراقيين المحامية سحر الياسري بأن عدد السجون في كافة محافظات العراق يبلغ (36) سجنا عدا أبو غريب الذي يعد الأكثر رحمة بين السجون رغم فضائحه المريعة و في حوار علي هامش مؤتمر نظمته اللجنة العالمية لمناهضة العزل بالتعاون مع جامعة بروكسيل الحرة بعنوان " إرهاب الحرب الأمريكية علي الإرهاب " وأضافت بأن عدد السجناء العراقيين يصل الي 400 ألف سجين منهم 6500 حدث و 10 آلاف امرأة ، تم اغتصاب 95% منهن "ما أستطيع قوله هو أن 95% من هؤلاء السجناء تم اغتصابهم نظرا لأهمية الشرف عند العرب والمسلمين وأن 5% هددوا بالاغتصاب وخاصة النساء المحسوبات علي التيارات الإسلامية" . وأكدت الياسري بأن الاغتصاب سياسة أمريكية منهجية في التعذيب ولم يسلم منه حدث أو امرأة أو رجل ولعل الرأي العام مشدود لما يجري في سجن أبو غريب مؤكدة بان الصور التي خرجت إلي العلن عن فضائح وانتهاكات أبو غريب فضحت جزءا يسيرا لكنها لم تظهر كل الحقيقة في بقية السجون, وربما كان سجن أبو غريب أرحم من بقية السجون الأخرى.

وكانت هذه الحالات بعيدة عن أنظار الرأي العام الأمريكي إلى أن ظهرت صورة أثارت حفيظته فقد ظهر جندي يحمل طفلان احدهم يحمل يافطة كتب فيها" هذا الجندي الذي بجواري اغتصب أختي" وطالب مجلس العلاقات الإسلامية في أمريكا بفتح تحقيق فوري بالحادث, كما نشر المجلس نفسه اعترافا لجندي أمريكي باغتصاب قاصرات عراقيات, وتلاها القصة التي نشرتها صحيفة(روبنز بنورث) حول اغتصاب خمسة جنود أمريكان لامرأة عراقية من البصرة تدعى سهيلة, كما تحدث الكاتب (ديفيد كول) عن قيام أربعة جنود أمريكان باغتصاب زوجة المواطن صدر حسن زيد خلال اقتحام منزله. تبعه الكاتب (وليم بود) الذي روى لصحيفة (ويست بومفريث) عن عمليات اغتصاب لنساء عراقيات بمقال سماه( الاغتصاب الديمقراطي) ذكر فيه" إن الرئيس بوش ترك جنوده يغتصبون عدد من النساء العراقيات بلغن24امرأة" .

في لقاء صحفي للغارديان مع د.هدى شاكر أستاذة العلوم السياسية في جامعة بغداد ذكرت شهادات مخيفة عن حالات الاغتصاب في سجن أبو غريب .

تتوالى الأسماء الحقيقية والرمزية للنساء المغتصبات فمن هدى العزاوي ونور الدليمي وصابرين وسهيلة إلى عروسة الرافدين الشهيدة عبير قاسم حمزة التي اغتصبت وأحرقت مع عائلتها في عملية خسيسة يتعفف عنها البرابرة في مجاهل أفريقيا الذين لم تزحف لهم الحضارة بعد. والحقيقة أن العدد الحقيقي للمغتصبات يبلغ الآلاف من النساء, ولكن بسبب الخوف من انتشار الفضيحة إضافة إلى عادات غسل العار والمحافظة على قيم المجتمع العشائري, علاوة على التهديدات التي يتعرضن لها المغتصبات من قبل قوات الاحتلال والشرطة العراقية, وانتحار عد من المغتصبات أو هروبهن إلى جهة مجهولة كذلك التخلص من جثثهن بدفنهن في أماكن مجهولة, وتكتم الحكومة العراقية على الأمر يجعل من الصعب التعرف على عددهن الحقيقي.

ولابد من دراسة هذه الحالة الشاذة المصاحبة للاحتلال ونشرها على الإسماع كي تصل إلى صاحب كل نخوة في العالم ليدركوا حقيقة القيم الديمقراطية التي جلبها الغزو للعراق, ويستعيذوا بالله من شرها وشرارها.

لابد للرجوع إلى الخلف قليلا لمعرفة حقيقة هذه الظاهرة الشاذة عن العراق والمألوفة في الولايات المتحدة الأمريكية فهي لم تأت من فراغ وإنما هي نتاج أمريكي الصنع, فقد نشر الكاتب الأمريكي ديفيد بارتون كتاباً وسمه بعنوان غريب" أمريكا تصلي أم لا تصلي" ورفعه إلى الرئيس الأمريكي جاء فيه من المعلومات ما يوقف شعر الرأس عن حقيقة هذا المجتمع الذي يصدر القيم الديمقراطية للغير ويتمسك بحقوق المرأة, فقد ورد أن 80% من الأمريكيات يتعرضن للاغتصاب مرة واحدة على الأقل في حياتهن, وان 20% منهم يغتصبن من قبل آبائهن, وان المعدل اليومي للاغتصاب(1900) امرأة يوميا, وان 30% من الفتيات الأمريكيات يتعرضن للحمل والإجهاض؟

من جانبه أكد المركز الوطني الأمريكي للضحايا بأن معدل الاغتصاب في أمريكا(1,3) امرأة في الدقيقة الواحدة أي (683) ألف حالة في السنة, وان امرأة واحدة من كل ثمان تتعرض للاغتصاب, وأن 61% من حالات الاغتصاب لقاصرات دون ربيعهن الثامن عشر, و29% هي حالات اغتصاب الأطفال دون سن الحادية عشر, بل انه في عام 1997 سجلت حالة اغتصاب واحد لكل(3) ثواني في أمريكا.

لاشك إن هذه البيانات تكشف حقيقة هذا المجتمع القذر الذي تجند منه القوات الأمريكية وترسل للعراق وبقية دول العالم, علاوة على جنود المرتزقة وان هذه الرواسب المتعفنة في عقول قوات الاحتلال ستجد حتما لها منفذا للتسلل في المناطق الخاضعة للاحتلال الأمريكي, فكما ورد في الأحاديث " كل إناء ينضح بما فيه" وهذا واقع حال لا يمن نكرانه.

ولم يقتصر المجتمع الأمريكي الديمقراطي على هذه الحالات الشاذة وإنما تجاوزها في السفالة إلى حالات السفاح, وهي حالة ليس جديدة على المجتمع الأمريكي إذا استذكرنا حديث ( مارلين فان ديو) ملكة جمال أمريكا عام 1958 عندما شكت من أبيها " اغتصبني أبي وكان عمري 14 عاما واستمر في ذلك عندما بلغت الثامنة عشر" وعندما استمعت أختها الكبرى إلى هذا الاعتراف المذهل صرخت" وأنا كذلك اغتصبني"؟

تشير المعلومات بأن الدول التي حاربتها أو استعمرتها الولايات المتحدة الأمريكية تعرضت نسائها إلى حالات اغتصاب مماثلة لما يحدث في العراق, ففي فيتنام تعرضت الآلاف من النسوة إلى الاغتصاب, كما ارتكب المارينز في الفلبين جريمة اغتصاب(5000) امرأة ولم تتم محاسبة أي من الجنود البرابرة بسبب القانون الذي وضعه الأمريكان بعدم مسائلة جنودهم عن جرائم الاغتصاب من قبل حكومات الدول التي يتواجدون على أرضها.

كما طالعتنا الأخبار حديثا عن اغتصاب جندي من المارينز لفتاة يابانية عمرها(14) عاماً في مدينة اوكيانو في مقاطعة شانتون التي يرابط فيها الجنود الأمريكان, وكانت حوادث اغتصاب عديدة شهدتها المدينة منها اغتصاب ثلاثة من المارينز لتلميذة عمرها 12 سنة في عام 1995, وبموجب اتفاقية بين اليابان والقوات الأمريكية يحق لهذه القوات الأخيرة التحفظ على تسليم جنودها المجرمين إلى السلطات اليابانية.

لم تقتصر حالة الاغتصاب على السجينات العراقيات فقد طالعتنا الأخبار بأن عدد من المجندات الأمريكيات تعرضن للاغتصاب أيضا على أيدي زملائهن الجنود وهذا الأمر لا يعنينا فشرهم بينهم ولكن لغرض التنويه فقط.

وهناك عدة عوامل ساهمت في تفاقم هذه المأساة منها القانون الذي وضعه بريمر برقم (17) عام 2003 الذي نص على أن عناصر القوة المتعددة الجنسية والبعثات الدبلوماسية وكل الموظفين غير العراقيين مدنيين أو عسكريين يتمتعون بالحصانة تجاه أي إجراء قانوني عراقي, وهو نفس القانون الذي تتبعه أمريكا في أفغانستان واليابان وغيرها من الدول, ومن المعروف إن عدم مطالبة الحكومة العراقية بتعديل هذا القانون الجائر رغم أن هذا الموضوع يدخل في صميم السيادة المزعومة جعله ساري المفعول, ومن المعروف إن اليابان بعد تعرض فتاة إلى الاغتصاب من قبل قوات المارينز تعنتت في موقفها مما أسفر عن اتفاق يقضي بتسليم الجيش الأمريكي العناصر التي تورطت بجرائم كبرى إلى السلطات اليابانية للحقيق.

ومن المؤسف أن تقوم الحكومة العراقية بكبح جماح إثارة مثل هذه المواضيع لكونها تكشف عن ضعفها وتنصلها من الحفاظ على كرامة شعبها وانصياعها لإرادة الاحتلال, كما انه يكشف زيف إدعاءات السيادة, عندما تعجز الحكومة برئيسها وسلطاتها القانونية عن ملاحقة جندي أمريكي مجرم أغتصب أو قتل مواطنين أبرياء فأي خير يرتجى منها.

من جهة أخرى فأن عدد من الأجهزة الحكومية كالشرطة وقوات الحرس الوطني متورطة في مثل هذه الجرائم ومن شأن إذكائها أن يلحق الضرر بسمعة هذه الأجهزة, وقد كشفت الكثير من المعتقلات العراقيات عن تعرضهن للاغتصاب على أيدي حماة الوطن والساهرين على أمن شعبه!

كما تشترك قوات الاحتلال مع الأجهزة الحكومية و عناصر الميليشيات في عمليات الاغتصاب فكل منهم دلى بدلوه في هذا البئر المتعفن, وطالما أن العراق يحكم حاليا من قبل هذه المجموعات الثلاث وهم يشتركون بنفس الجريمة فأن السكوت عنها في مصلحتهم جميعا.

علاوة على ضعف المنظمات الوطنية والعربية والدولية المعنية بمثل هذه الحالات ولاسيما مؤسسات المجتمع الدولي والمراكز المعنية بشؤون المرأة وكذلك المنظمات المعنية بحقوق المرأة, فبالرغم من التقارير المتواضعة الصادرة بهذا الشأن لكنها لا تتناسب وحجم الجريمة وآثارها مما يعد ثلمه في جهودها .

على المستوى الرسمي لم يحظى هذا الموضوع بأهمية في وزارة حقوق الإنسان ولجنة المرأة في البرلمان العراقي, فبالرغم من فداحة الجرائم لكن مجلس النواب والجهات الرسمية تخفي رأسها كالنعامة ولم تناقش مثل هذه الجرائم أو تستنكرها على الأقل, وما عدا النائبة صفية السهيل التي استنكرت منفردة اغتصاب الشهيدة عبير قاسم حمزة ولم نسمع أصوات البقية من النواب والنائبات سيما وان معظمهم من الحجيج ويعرفون حدود الدين كما يفترض.في حين أن تعرض الفتاة اليابانية للاغتصاب أثار حفيظة الحكومة اليابانية التي قدمت مذكرة احتجاج رسمية للحكومة الأمريكية, وندد عدد كبير من المسئولين بهذه الجريمة التي وصفها ( هوريكازو ناكيما) حاكم اوكيناوا " إنها تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان, وهي جريمة لا يمكن التغاضي عنها" .

قلة الوعي في الشارع العراقي بحجم هذه المأساة فلم تخرج تظاهرة واحدة للتنديد بهذه الجرائم رغم بشاعتها, في حين جرت تظاهرات في قضايا أقل شأنا منها, ومن المؤسف أن تمر بهذه السهولة رغم الأعراف والتقاليد المتشددة في هذا الجانب وما عرف عن مجتمعنا المتحفظ والملتزم بشعائر الإسلام, فقد اندلعت موجات عارمة من التظاهرات في اليابان بسبب اغتصاب طفلة وطالبت بإنهاء الوجود الأمريكي فيها, في حين الآلاف من المغتصبات العراقيات لم يثرن نخوة الشارع العراقي. ومن المؤسف أن مأساة عبير وصابرين ونادية لم تستأثر بالرأي العام وطويت في غياهب النسيان في حين ما تزال كلمات المجندة الأمريكية ماري مدوية عندما خاطبت السيدة نادية بالقول" لقد خلقتن لنستمتع بكن".

أن تهان بلا وجه حق ظلم ولكن أن تهان في عقر دارك فتلك جريمة وجريمة لا تغتفر, وان ينفذ القانون على ابن الوطن ويستثنى منه المحتل عار ما بعده عار, وعندما لا يشعر رئيس الدولة وزبانيته من المسئولين بان عبير وصابرين ونادية وسهيلة ونور وغيرهن بأنهن بناته وأخواته فإقراء عندئذ سورة الفاتحة عليهم وعلى السيادة والضمير والكرامة.

أما رجال الدين فلا خير يرتجى منهم فان حثهم السذج والجهلاء على المتعة وترويجها بأسم الدين قد فتح الأبواب على مصراعيها لتوظيف عدد من المغتصبات في دكاكين الملالي لترويج بضاعتهم الفاسدة. ولاشك أن هذه المآسي ترفد مشاريعهم ومشاريع أسيادهم المحتلين في تدمير الشعب العراقي.

إن القلب لينفطر وان العين لتدمع وان العقل ليأسى لمثل هذا العار الذي يلحق بنا كل يوم بسبب الاحتلال وإذنابه, وأي مأساة اكبر من وطن مغتصب وشرف منتهك, والى متى تلبس حكومتنا عباءة العار المطرزة بخيوط الذل والهوان.والى متى يتجاهل العرب والمسلمون مأساتنا ومتى يمدون أيديهم لإسعاف الجريح الذي لم ينساهم وهو في أوج محنته.

 علي الكاش

Alialkash2005@hotmail.com