قطاع الإرشاد يدشن برنامج دبلوم البناء الفكري للخطباء والدعاة في حضرموت مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات بترومسيلة بحضرموت تعلن نجاح تشغيل وحدة تكرير المازوت بمناسبة اليوم العالمي للجودة...جامعة إقليم سبأ تدشن فعاليات أسبوع الجودة اعتذار رسمي في ايطاليا بسبب القدس من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟ رصد طائرات مسيرة ''مجهولة'' تحلق فوق 3 قواعد تستخدمها أميركا في بريطانيا صحيفة أميركية تتوقع أن يوجه ترمب ضربات تستهدف قادة الحوثيين وتُعيد الجماعة إلى قائمة الإرهاب مستجدات حادثة العثور على حاخام يهودي ''مقتولاً'' في الإمارات
مأرب برس - خاص
يرى الكثير من دارسي العلوم السياسية خصوصا أصحاب المدرسة الواقعية، أن كل دولة تسعى بشكل دائم نحو مصالحها الوطنية، وهي الأهداف والقيم التي تعمل الدول من اجلها تحقيقها، وتسعى الدول لتضخيم قوتها وتوظيف تلك القوة في تحقيق المصالح الوطنية، وكلما تحققت المصالح فأن ذلك يزيد من قوة الدولة وتتولد مصالح جديدة متوافقة مع قوتها، ويمكن القول أن الدولة لا تشبع أبدا. والسياسة الخارجية لأي دولة مرهونة بفهمها لمصالحها الوطنية وأي سلوك سياسي خارجي لا يمكن فهمه إلا من خلال هذه القاعدة.
إيران لا تشذ عن هذه القاعدة فالدولة الإيرانية لها مصالحها الوطنية وتسعى لتوظيف الإمكانات المتاحة إمامها لزيادة قوتها، حاولت إيران في فترة حكم الشاه أن تجعل من تحالفها مع الغرب طريق لحماية مصالحها الوطنية، وفي ظل حكومة ولاية الفقيه أصبح العداء مع الغرب والايدولوجيا السياسية من أهم الآليات لحماية تلك المصالح، وهذا التغير الذي أحدثته الثورة مرتبط بطبيعة النخب الجديدة التي سيطرة على الدولة، ولكن هذا العداء ليس ثابتا بل قابل للحركة في الاتجاه المعاكس، فالنظام الإيراني الثوري قد ينتقل إلى التعاون مع القوى التي يعاديها، فالأمر مرهون بالبيئة المحيطة والتفسير المطروح لكيفية تحقيق تلك المصالح.
في المرحلة التاريخية الراهنة نجد أن إيران مخنوقة من الشرق والشمال، فهناك دول قوية قادرة على حماية أمنها، فإيران لا يمكنها أن تخترق الأمن التركي أو الباكستاني كما أن أفغانستان رغم قدرتها على التحرك فيها فباكستان ترى في أفغانستان حديقة خلفية لها، بل أن أفغانستان قد تتحول إلى بؤرة لتهديد الأمن القومي الإيراني في حالة محاولة إيران اختراقها ناهيك عن التواجد الغربي، كما أن إيران لا تستطع الحركة في آسيا الوسط فروسيا تعاني من حساسية مفرطة تجاه أي تدخل في المنطقة، والدول التي لها مواقف سلبية من روسيا تفضل التحالف مع الغرب ناهيك عن امتلك تلك الدول القدرة على مواجهة التدخل الإيراني بقوة وحسم، كما أن إيران عاجزة عن اختراق مجتمعات تلك الدول بايدولوجيتها السياسية والتي تمثل رأس الحربة لدى نظام الملالي، وهذا ما جعل إيران تبني علاقات متوازنة مع هذه المناطق.
تشكل الدول العربية في جزيرة العرب والعراق وبلاد الشام مجال لحركة إيران وهي تعمل على توسيع مصالحها ومدّ نفوذها وإشباع رغبتها بالتفوق في هذه المنطقة، وهي في سلوكها لفرض هيمنتها على محيطها تتصرف بغريزة الدولة، ولا يمكن لها أن تتوقف عند حد في فرض هذه الهيمنة والنفوذ مادامت البيئة ملائمة.
وقد نجحت إيران رغم التواجد الأجنبي وسياسات العرب الكثيفة لمقاومة اختراق المنطقة، في أن تصل إلى العمق العربي، وتلعب التيارات الدينية التابعة للإيديولوجية الخمينية والمتشيعة سياسيا أداة إيران لاختراق المنظومة العربية، وهذا الاختراق جعل من إيران لاعب أساسي في شئون الدول العربية، بل أن الكثير من القضايا العربية الجوهرية يتم تحديد مساراتها في طهران.
فالقضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية أصبحت إيران لاعب أساسي وجوهري فيها، وكشفت الأحداث الأخيرة أن عملية السلام لا يمكن ان تحدث حتى لو حدث شبه إجماع عربي مادامت إيران غير موافقة، أما لبنان الذي يمكن ان ينفجر في وجه العرب لا يمكن ان يستقر ما لم تقرر ذلك إيران، أما فيما يخص العراق فقد ابتلعته إيران بالدبابة الأمريكية، ويمكن القول في هذا السياق رغم المعاهدات الغربية مع دول الخليج ان إيران تستطيع ان تجعل الرمال تتحرك لتهز استقرار دول مجلس التعاون.
وأخيرا وصل تأثير إيران إلى اليمن وأصبحت قادرة على تهديد صنعاء وإنهاك نظامها من خلال حركة دينية بدأت التشيع لصالح الايدولوجيا الخمينية مؤخرا، وأصبحت الحركة الحوثية من أشد المخاطر المهددة لأمن اليمن القومي رغم الاتفاق الذي تشرف عليه قطر حاليا، فالحركة تنتقل إلى مرحلة أخرى بعد ان فعّلت وجودها بالحرب وهذه المرحلة الجديدة من الصراع ستتخذ إبعاد سلمية تركز على الفكر وإعادة الادلجة.
وهنا لابد من الإشارة أن إيران ليست دولة قوية بما يجعلها قادرة على فرض إرادتها على العرب، المشكلة بضعف الداخل العربي، وقدرة إيران على اختراق المجتمع وتعبئة جزء من أبنائه لصالح الايدولوجيا السياسية الإيرانية، ناهيك عن التناقضات والإشكاليات التاريخية التي يعاني منها النظام العربي، وما زاد من المشكلة هو الاختراقات الغربية للنظام.
ومن الواضح أن الغزو الأمريكي للعراق مثّل نقلة نوعية لإستراتجية إيران القائمة على اختراق المنطقة بالايدولوجيا فصانع القرار الإيراني أصبح على قناعة تامة ان الحركات السياسية التابعة لخط الثورة الإيراني هي أفضل الأدوات لتنفيذ إستراتيجيتها في المنطقة، فقد أثبتت التجربة ان القوى العظمى والدول العربية في ظل وجود حركات تابعة لها يجعل من إستراتيجية تلك الدول مرتهنة لإيران، فهذه الحركات استطاعت أن تجعل إيران صاحبت نفوذ حقيقي ولا يمكن تجاوزها، فالعراق المحتل من أمريكا حوله الموالين لإيران إلى دولة محكومة من ملالي طهران. ويمثل تشددها في ملفها النووي جزء من ثقتها أنها قادرة على تفجير المنطقة كلها في حالة تم الهجوم عليها.
الجديد في الإستراتيجية الإيرانية هو إدخال دول عربية في صراعها المحموم لاختراق المنطقة وتشتيت طاقتها، فالعلاقات الإيرانية السورية التي تطورت مع الوقت وأصبحت قريبة من التحالف بمفهومه المتعارف عليه في العلاقات الدولية في الراهن، هدفها الجوهري بالنسبة لإيران هو تشتيت قوة النظام العربي بما يخدم أهدافها الإستراتيجية، وتحويل سوريا إلى أداة في إستراتيجيتها لحماية أمنها القومي وللحفاظ على مصالحها.
فبعد احتلال العراق وتمكن حلفاء إيران من السيطرة على الحكم، كانت إيران بحاجة لمن يقود معركتها ضد الاحتلال دون ان تخسر، فوجدت في الخوف السوري ملاذا، فتحمل الجانب السوري تبعات المقاومة العراقية وإيران هي من يحصد النتائج في العراق.
والمقاومة القادمة من الخارج بالنسبة لإيران كان وظيفتها أضعاف التواجد الأمريكي ودفع أمريكا نحو أتباع إيران فهم أكثر المتعاونين مع الاحتلال، أما الوظيفة الثانية فهي تفجير حرب طائفية تسهل للقوى الموالية لإيران قيادة المعركة ودفع الشيعة العرب إلى الحركات السياسية الموالية لها، من خلال دفع أنصارها في معارك الدفاع عن الشيعة ضد العدو السني القادم من الخارج، وهذه الحرب قد مكنت أنصار إيران من الإمساك بالدولة بموافقة أمريكية، وعزلت السنة والشيعة غير التابعين لولاية الفقية، ومن جانب آخر فأن اعتماد إستراتيجية الصراع الطائفي يساعد على اتساع الشرخ بين العراقيين مما يسهل لها ضمان ولاء أغلب الشيعة وأيضا يفقد الدولة الوطنية العراقية قوتها ويضعف المشروع الأمريكي.
إلى ذلك استغلت إيران العقدة السورية فيما يخص علاقتها بلبنان فصانع القرار السوري مقتنع بأهمية حزب الله في خدمة مصالح سوريا في عملية السلام وهيمنته على لبنان، إلا أن أي صراع قادم في لبنان لصالح إيران ربما يجر سوريا إلى معركة خاسرة، فأي معركة مع إسرائيل لن تحرر الجولان، بل ربما تضعف سوريا ايا كانت الخسائر التي يمكن ان تتلقاها اسرائيل، وربما يهدد بقاء النخبة الحاكمة في سوريا في الحكم.
أما الحفاظ على لبنان وفق العقلية القديمة للإستراتيجية السورية ربما يكون مردود ذلك عكسي على سوريا، وتصبح لبنان هي مدخل لهزيمة سوريا ورحيل نخبتها، والبديل هو إقامة علاقة متوازنة تقوم على المصالح وهذا سيجعل لبنان درع لحماية سوريا.
من ناحية أخرى تعمل إيران على تخريب اتفاقيات السلام بدعم الصراع الفلسطيني الفلسطيني، بمساعدة سورية واضحة، وليس بخافي على أحد أن إيران الدولة الوحيدة التي يهدد السلام العربي الإسرائيلي مصالحها القومية وسيحد من حركتها في المنطقة، ولهذا السبب فسوريا في المرحلة الحالية بالنسبة لإيران مهمة جدا بل ربما يؤدي إضعاف هذا التحالف إلى خسارة كبيرة لإيران لا يمكن تعويضها.
وهنا يمكن القول حتى لا يتم تفسير رؤيتنا بشكل خاطئ لا يختلف العرب مجتمعين ومنفردين أن اسرائيل هي العدو الاول للعرب، ولكن الجانب العربي بشقه الرسمي اصبح على قناعة ان السلام يمثل الطريق الأنسب لمواجهة إسرائيل، بينما إيران ترى في السلام تهديد لأمنها القومي لذا فهي تعمل بكل طاقتها لتخريب العملية السلمية وقد استطاعت بخطابها الموجهة للعرب أن تخلق ستارا قويا غير قابل للاختراق فالخطاب المتحدي والمواجهة لإسرائيل الهدف الجوهري له مصالح إيران وصرف أنظار الشارع العربي عن المخاطر الذي تمثله إيران على أمن الدول العربية.
فإيران تدرك تماما أنها لا يمكن ان تلغي إسرائيل بل الهجوم عليها والضغط عليها بواسطة حزب الله والتيارات السياسية المتشيعة لإيديولوجية الخميني وخط الثورة الإيرانية هي أداة مهمة في صراع المصالح بينها وبين الغرب وبينها وبين العرب.
الخطير في العلاقات الإيرانية السورية أن إيران حولت سوريا إلى محطة ارتكاز لنشر الإيديولوجية الخمينية، فالاتفاقيات الثقافية جعلت السفارة الإيرانية تعمل بنشاط دائم ومحموم وتحولت دمشق إلى ملتقى يسهل حركة شيعة ولاية الفقية في المنطقة العربية، وفيما يخص سوريا فقد أسست إيران العديد من الحوزات في سوريا وفق مدرسة ولاية الفقيه، وبدأت الدعوة لتشييع سوريا تقلق المحيط العربي كله.
وهنا لابد من الإشارة أن اعتقاد صانع القرار السوري ان إيران هي سنده في حالة تعرضه لأي اعتداء أمريكي أو إسرائيلي هو أقرب إلى الوهم الاستراتيجي، وهذا الوهم قائم على عدم إدراك واضح لمصالح إيران التي لا يمكن ان تتعرض لخطر من اجل سوريا، وتصريحات الساسة الإيرانيين ان امن سوريا من امن إيران هي أشبه بتصريحات محو إسرائيل من الخارطة. ومذكرة الدفاع الإيرانية السورية هدفها إسناد قوة إيران في مواجهتها المحتملة مع أمريكا وقد لعبتها إيران بذكاء لأنها بهذه الاتفاقية قد ورطت العرب في معركتها القادمة في حالة تهور سوريا، فالعرب لن يتركوا سوريا أيا كانت أخطائها.
ولأن التحالف الإيراني السوري يتناقض مع مصالح سوريا وامن الدول العربية، لذا فان التفسير المنطقي للجوء سوريا إلى إيران كما يرى بعض المحللين هو نتيجة الأزمة الداخلية وأيضا نتيجة أن المشروع القومي السوري فقد هيبته بعد ان غرق في نزوع طائفي نخبوي يدركه الجميع هذا من جانب، ومن جانب آخر فأن صانع القرار غير قادر على التجدد ومازالت النخبة تعيد إنتاج عقائدها السياسية البالية مما أصابها بالعمى الاستراتيجي وأفقدها قدرتها على إدراك مصالحها الحقيقية وافقدها أيضا القدرة على الخروج من ورطة التحالف الإيراني.
وقد توصلت بعض أطراف المعارضة السورية ونتيجة قناعتها أن هذا التحالف ضد مصالح سوريا الفعلية انه تحالف لا تفسير له إلا أنه قائم على أساس طائفي.
وهنا لابد من الإشارة أن هذه الإستراتيجية الإيرانية في صراعها على مصالحها في ظل الضعف العربي، تدفع أنظمة دول المنطقة باتجاه الولايات المتحدة، لان العرب في ظل صراع المصالح والعقائد مع إيران، أصبحت ترى في إيران شبح مخيف، فايران تسعى نحو النووي وتعمل ضد مصالح الدول والمجتمعات العربية، بل ان خطابها يحمل هدف واضح يعمل على خلق شرخ عميق بين الأنظمة وشعوبها، وإقناع الشعوب العربية أن إيران ومن يمثلها هم الأجدر بحماية مصالح العرب في ظل شارع عربي غائب في إيديولوجيات سياسية تجعل من الحرب والقتل طريق لتحقيق النصر.
وختاما حتى لا يتم تفسير التحليل بشكل خاطئ يمكن القول أن الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تتشابه مع الإستراتيجية الإيرانية فيما يخص تفكيك الدول والمجتمعات العربية وجعلها منطقة رخوة ضعيفة تحكمها دول هشة ومجتمعات مفككه وغير قادرة على تجميع قوتها للحفاظ على مصالحها الوطنية والقومية، والاختلاف بين إيران وقوى الهيمنة الدولية ينبع من تناقض المصالح فكلاهما يتصارعان على نفس الكعكة أي على الدول العربية وكلاهما يستخدم كل الوسائل والطرق المتاحة والممكنة لفرض هيمنته وأرادته على الآخر حتى يكون قادر على تحقيق مصالحه الوطنية.
فإيران ترى من أمريكا وإسرائيل تهديد لوجودها وعائق في فرض هيمنتها على العرب، وأمريكا وإسرائيل ترى في إيران تهديد حقيقي لمصالحهم والنتائج إما ان يتصارعوا ويخسر طرف فيكسب الآخر أو ان يتفقوا ويتقاسموا الغنيمة والخاسر الوحيد هم العرب في كل الحالات.
والحل الثالث وهو المستبعد أن يتحرر العرب من مشاكلهم ويصبحوا قادرين على حماية مصالحهم الوطنية وأمنهم القومي وقادرين على إقامة علاقات متوازنة مع الجميع بما يخدم مصالح الإطراف جميعها وهذه هي الطريقة الوحيدة لاستقرار المنطقة وبدون ذلك فان الصراع هو النتيجة المحتمة وعلى القوى المتصارعة ان تدرك ان الدول العربية يمكنها ان تفهم مصالح الآخرين بطريقة عقلانية كلما كانت أكثر قوة وقادرة على حماية وحفظ مصالحها.