مرض الرئيس .. والشعور بالضياع؟
بقلم/ محمد العلائي
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 05 مارس - آذار 2008 10:00 م

المرض شأن شخصي في العادة. وفي أحيان كثيرة لا يجد المرء غضاضة من أن يفشي سر أوجاعه الخاصة.

وبالطبع، لا يستدعي المرض الكثير من الحشمة، فثمة ما يستحق الاحتشام والاحمرار خجلا أكثر منه. ومما لا ريب فيه هو أن المرض يصلح لأي شيء عدا التشفي بأنواعه, أكان سياسيا أم شخصيا.

ويبدو جليا أن مرض الزعماء العرب عموماً لم يبارح كونه أحد أهم مركبات الأمن القومي, التي يحظر مجرد التفكير في المساس بها, فضلا عن مقاربتها إعلاميا.

ومن الثابت أن الشيء عندما يغلف بالغموض، فإنه يفتح الشهية للتأويلات والتكهنات كي تأخذ مداها. وحالما تغيب المعلومة تبدأ الشائعة تزاول مهمتها بدقة متناهية.

في اليمن لا يفتأ مرض الرئيس يبعث على القلق. وأكثر من ذلك: يولد الإحساس بالكارثة الوشيكة.. ويثير في نفوس أخرى رغبة دفينة في الفرح.

على أية حال، ففي ثقافة كثير من الأمم لا يتعاطى الإعلام مع مرض الزعيم إلا بوصفه شأناً عاماً صرفاً. وعليه فليس هناك ما يدعو لأخذ الحيطة والحذر.

قبل نحو 5 أشهر قطع التلفزيون الإسرائيلي بثه الاعتيادي فجأة. وأطل رئيس الوزراء أيهود أولمرت في مؤتمر صحافي ليعلن على الملأ، الذين هم ناخبيه، أنه مصاب بسرطان البروستاتا، وأنه سيضطر للخضوع لعملية جراحية في أحد المشافي الإسرائيلية.

بدا أولمرت وهو يتحدث مبتسماً ورابط الجأش. "لقد طلبتكم لأبلغكم بإصابتي بالمرض لأن من حق الجمهور الإسرائيلي أن يعرف الحقيقة، وأنا مواظب منذ سنوات على فحص طبي سنوي شامل، وبعد عودتي من روسيا اكتشف الأطباء أن عندي ورم سرطاني ميكروسكوبي، وأشاروا عليّ استئصاله بواسطة عملية جراحية لن تشكل خطراً على حياتي", قال أولمرت كل ذلك ولم يهدد السكينة العامة لمجتمع اليهود.

وإذ أفرغ الرجل ما بجعبته على مسامع شعبه، طلب من الصحافيين المتعطشين للمزيد التوجه بأسئلتهم إلى طبيبيه. وبالفعل أمطر الطبيبان بالأسئلة المبثوثة مباشرة عبر القنوات العبرية.

على الضفة الأخرى، وجد صحفيون مصريون أنفسهم، على حين غرة في قفص الاتهام. فقد كان الزعيم الذي توعك من فصيلة العرب، الذين يجالدون كي تبقى عللهم طي الكتمان، باعتبار أن إفشاء المرض نوع من هتك الشرف والمهابة، وإقلاق للسكينة العامة.

كل ما في الأمر أن الرئيس المصري حسني مبارك داهمه المرض. وفي حين بدأ الصحفيين تداول الخبر، ثارت ثائرة "أمناء الأسرار". وحشر الصحفيون إياهم إلى الجحيم ذوداً عن كرامة الرئيس. في الأسبوع ذاك بث التلفزيون المصري صوراً "لسيادة الريس"، عندما كان يفتتح "المدينة الذكية" في مسعى لتفنيد الشائعات. كان المعنى واضح: "الرئيس زي الحصان".

يشبه سلوك النظام المصري في إثبات صحة الرئيس, ما كان يلجأ إليه الحزب الشيوعي السوفياتي للحيلولة دون انكشاف مرض الرئيس بريجنيف.

فعندما ازداد الوضع الصحي للزعيم السوفياتي، الذي كان قد أصبح شديد الكهولة، راح إعلام الحزب ينشر صور سابقة لافتتاح بعض المشروعات, للإيهام بأن الرئيس يمضي يومياته بشكل جيد، وعلى ما يرام.

على أن ما لم يدركه موثوقو رئيسنا وكاتمو سره، هو أن لعبة الإخفاء لم تعد تفي بالغرض. لقد أصبحت حقاً لعبة مغشوشة، لاسيما في عالم بقدر ما هو معقد، أصبح خالياً من الأسرار.

في 2006 شهد المجتمع السياسي الجزائري جدلاً ساخناً. وإذ أعلنت الرئاسة الجزائرية أن الرئيس بوتفليقة يعاني من قرحة طفيفة في المعدة، فإن مصادر طبية فرنسية أفصحت عن حقيقة المرض: سرطان في الكلى.

صحيح أخلاقيات الطب تقتضي عدم كشف أسرار المريض. لكن حينما يكون الرئيس هو نفسه المريض, فلا بد أن الوضع سيأخذ منحى آخر.

خلال السنوات العشر الأخيرة, امتصت أمراضاً غير معلومة أجساد عدد من الزعماء العرب. على سبيل المثال: الملك فهد بن عبد العزيز، حافظ الأسد، الملك الحسين بن طلال، ياسر عرفات، الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، والعاهل المغربي الحسن الثاني. 

في الأوضاع العادية، تتضاءل حاجة الزعيم، أياً يكن، للتستر على مرضه. فعندما تمتلك الشعوب زمام الأمور، فسيغدو مرض الزعيم أو حتى موته من الأشياء التي تبعث على الحزن والبكاء، لكن لن يكون في مستطاعها خلق المخاوف، ولن يدب الذعر في نفس أي أحد، أبداً.

يوم الجمعة كان الرئيس يلقي محاضرة في برلين. وقد لاح الرجل متمتعاً بصحة جيدة، وذهن متقد.

كان مرحاً، وداعب مستمعيه فانفجروا ضاحكين. ولم تكن تبدو عليه علامات الإنهاك والترهل.

وفي مساء الأحد عثرت "المصدر" في أحد المواقع الألمانية, على خبر يتضمن معلومات عن نقل الرئيس اليمني إلى مستشفى مريم العذراء، بسبب مرض خطير. 

كان على طاقم الرئيس إعلان الخبر بكل بساطة، وبأي صيغة، على الأقل القول أنه أجرى فحوصات اعتيادية، أو أنه أصيب بنزله برد، أو التهابات في الأذن، وهكذا.

التكتم يزيد من حدة الإشاعات. فقبل شهر فقط ذاعت على نطاق واسع في الأوساط الشعبية شائعة فحواها أن الرئيس مات.

المؤكد أننا، في هذا البلد، لدينا ما نقلق بشأنه. فمن البين أن الرئيس سيخلف فراغاً سياسياً مخيفاً. ذلك أن الرجل البالغ من العمر 65 عاماً يسد كل الفراغات، عوضاً عن مؤسسات الدولة، وبالتالي فغيابه كارثي بالتأكيد.

نتمنى للرئيس الشفاء العاجل وطول العمر. ومثلما أسعف نفسه إلى مستشفى مريم العذراء، نأمل أن يعود فيتيح لمن يمتلكون القدرة إجراء الإسعافات اللازمة، لبلد تنخره صنوف الأمراض. 

* صحيفة المصدر