المشهد الديمقراطي القادم..العجلة إلى أين ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 10 مارس - آذار 2008 09:37 م

 مأرب برس - خاص

أزمة الديمقراطيات العربية- باستثناء المشهد اللبناني –تعود إلى أنها نتاجا لولادة غير طبيعية أو سوية تمخضها الحاكم العربي فالقاها هبة منه ومكرمة ، ومن ثم جاءت في صورة هذا الخديج المعاق والمشوه والذي يثير التقزز والامتعاض ومنظره يتآكل يوما بعد يوم رغم هزاله الحاد..

 قصد بها الحاكم العربي أن تكون أهم أدواته في تحقيق أكثر من دور واستخدام ، فمن خلالها يتجدد ويستعيد دورته وإعادة إنتاجه كمناورة منه على مطالب الداخل في ظل بيئة لم تعد جامدة ، بل أصبحت منتعشة وتتسم بحراك ودينامية عالية ومتطورة وتتقدم بمطالب اجتماعية وسياسية ليس منها بد ، فمع تماسها بالبيئة المعولمة اليوم أصبحت العصبية الخلدونية لا تقوم بمفردها بالدور التقليدي ، إذ لا بد من رافعة أخرى هي نفسها ولكن بغير الوجه الأول تعرف على المشهد الإقليمي العربي باسم الحزب الحاكم .

 وهي -الديمقراطية العربية - الأفضل في التسويق الدولي وابتزاز المواقف في مجال المناورة التكتيكية ،فتلك الدبابة التي جاء عليها وعرف بها وظلت عنوان حرج دائم له قد تم إيداعها المتحف واستبدلت على لسانه بصندوق الاقتراع.

 ولهذه الديمقراطية كفاءة عالية وقوية في إطار المزايدات على المحيط الإقليمي وبلوغ الرغبة في الدور الإقليمي والمحوري.

 هذا النموذج للديمقراطية- أو مكرمة الحاكم -تحول في البلدان التي هو محلها إلى عبء على التنمية والاقتصاد والنهوض العام ، فبتلك الصورة تفاقمت الكلفة المالية في مجال التتويه والحلقات المفرغة ، وبددت الطاقات والموارد ، وتوحش الاستبداد بمخالب من حرير ، وأصيبت الذهنيات بالتبلد والأسن وهي تعمل في مجال النجار الذي يتحول إليه الطبيب ،

السبب هنا ليس في الديمقراطية كقيمة وإنما بتلك الولادة المسخ والغير طبيعية وبسوء الاستخدام الحاصل ، فالطبيعي أن تكون نتاجا لسلسة من النضالات السياسية وتراكم خبرات لتلدها من ثم الشعوب فتأتي مسيجة بثقافة وقيم وتقاليد وضوابط أما أن يكون الحاكم هو من تمخضها ، وأطلق عليها المسمى ، ثم كان حاديها وموجهها والمنظر والمفكر بشأنها، فلن تكون ثمارها إلا على النحو الآن .

  انقلاب

 إلا انه وبالتمادي ومع مرور الوقت ، وما أفاءت به العولمة اليوم من فضاءات ومتنفسات ، وتشابك الفكرة والهم، فضلا عن هزات مختلفة بين الفينة والأخرى وعوامل أخرى كلها ساعدت الشعوب العربية في استحضار طاقاتها النفسية وقواها من الداخل حتى هبت فعلا تنفخ الروح والحياة في هذا الخديج المعاق ، ومن ثم حصلت على الواقع اليوم صورة قوية وحادة من المغالبة والتدافع بصورة ونتائج لم تحسب لها الأنظمة العربية أو كانت تفطن إلى ذلك ، إذ أن اللعبة لم تعد بمركزية طرف فقد خرجت عن السيطرة ..

في هذه الحالة وعند هذه النقطة وهي في المنتصف فان الوضع في اشد واخطر تجلياته ، بين طرفين ربما على طرفي نقيض كلا منهما يستشعر فعلا أن يكون أو لا يكون .

الشعب من جهته تدفعه مطالبه وحقوقه وقواه الدافعة بعد أطوار عاشها ، والحاكم الذي لم يجد نفسه إلا على الكرسي مع تلك الفكرة التي سكنته وتحلق حوله مع أنفاسه حول مصيره ان حل محله آخر على وحي من التاريخ ونماذج قريبة في ظل استحقاقات تحاصره ليس منها مفر.

  المشهد اليمني

  ما سبق قراءة كحالة عامة للمشهد العربي وليس على سبيل التخصيص ، لكنه توطئة لا بد منها للاقتراب من الحالة اليمنية في استقراء المشهد للعام 2008م .

من جهة أخرى فيستحيل على من كان مهما بلغت حصافته استقراء الصورة القادمة لحالة ما أو ظاهرة دون أن يمر على خلفيتها التاريخية من بيئة ومدخلات مختلفة .

 لعل هذا العام فيما يتعلق بمسالة الحراك الديمقراطي أكثر أهمية عن ما سبقه في اهتمامات الباحث ومستشرفي المستقبل بل وصناع الحدث باعتبار أهمية تلك المتغيرات التي حفل بها العام السابق من حيث الأوزان ودرجة التأثير ، ومن الطبيعي أن تكون مدخلات إلى عملية تحويل عند النظامين الرسمي والموازي وكلا تبعا لرؤيته أكانت تتسم بالتقليدية أم الموازية والمستوعبة للحدث.

 والاعتقاد هنا بصعوبة البقاء على هذا العام من حيث تملي الصورة ، فما سبق من تفاعلات لأطراف عدة وبتلك الدرجة والمستوى والنوع من الحراك على الصعيدين السياسي والاجتماعي يوحي بفكرة أن هذا العام والذي يليه بمثابة فترة انتقالية أو محطة لنقطة استواء ستتجلى في العام 2010م بحيث قد تكون إلى الحد النسبي والمقبول من مطالب أطراف العملية ،وقد تكون إلى نقطة النفق التي حذر منها الشيخ عبدا لله الأحمر رحمه الله .

  دوائر ثلاث

 اليوم وأكثر من أي وقت مضى فان قراءة الظاهرة السياسية كالتي نحن محلها لا يمكن أن تتأتى في معزل عن قراءة عميقة ومتأنية للمشهدين الإقليمي والدولي لحصول هذا النوع من التداخل بين المتغيرات من الصعب جدا الفصل بينها .

 فعلى المستوى الدولي ، فان الولايات المتحدة الأمريكية راعية هذا النظام قد تراجعت كثيرا وعلى العلن عن الديمقراطية كأهم قيمها وأدواتها الخارجية تجاه المنطقة بشان مصالحها الإستراتيجية ، رغم أن التسويق والاحتياج الأمريكي للديمقراطية كان في أوجه عقب أحداث سبتمبر باعتبارها كانت أهم الأسباب في تفسير الحدث .

لكن هذه النظرية انقلبت تماما عقب إعلان فوز حماس في الانتخابات النيابية الأخيرة وزاد التأكيد عليها أكثر كرعب تجاه السياسات الخارجية للولايات المتحدة روجت له إسرائيل والنظام الإقليمي العربي المحوري عقب تبلور ما سمي بمحور الممانعة في المنطقة تجاه المشروع الصهيو امريكي ، وبطبيعة الحال فديمقراطية حقيقية في المنطقة ستأتي بالتيار الإسلامي الذي هو محل رفض وممانعة من الآن ..

 أما على المستوى الإقليمي ، فانه من الطبيعي أن تلك التي تدعي مركزيته ستحول بكل طاقاتها وممكناتها من نجاح أي تحول ديمقراطي في أي من دول المنطقة ، إذ أن الهموم هنا واحدة ومشتركة وستتراجع تلقائيا الخلافات الشخصية مهما كان منسوبها .

وليس بعجب أن يكون الرئيسين المصري والليبي هما أول من قدما التهنئة للرئيس صالح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل إعلان الفوز رسميا أو الاقتراب من فرز نصف الصناديق رغم كل ما تراكم سابقا في مجال تراجع الود الشخصي.

 أما بشان الدائرة الداخلية وهذا هو الأهم والذي لم نستطع اجتزاءه عن الدوائر المحيطة ، فإننا نستخلصه في هذه الفرضية كمقدمات ونتيجة وهي

--أن تراجعا كبيرا سيشهد بشان الديمقراطية كقيمة وسلوك فمن عند الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنخب المثقفة ستتراجع كرغبة وكهدف في المدى المنظور بفعل خبرات وثقافة متراكمة ، ومن عند السلطة كقناعات وسلوك متواتر اقرب إلى الجبلة –بكسر الجيم – ولعل نوع ومساحة ودرجة الحراك في الفترة الأخيرة قد صعد حالة حادة من القلق لديها ..

المعطيات

 -إن الحراك الاجتماعي والقبلي هو الآن من يتقدم وله الأولوية لدى الجميع ، فضلا عن أن المناطقية والمذهبية تجاوزت خط المحظور وهي الآن الفعل والتطبيع .

 - إن الحزب الحاكم بدا وكأنه الآن قد فرغ ذاتيا من هوية الولاء الجامع له إلى اصطفافات وكتل تقوم على مرجعية أخرى كأن تكون اجتماعية ،أو قبلية ، أو لأحزاب أخرى ،أو مذهبية .

- .معطيات تتبلور بتشكل نخبة جديدة على حساب ما تسمى بالحرس القديم في ظل تغاير حاصل بين الطرفين تفصح عنه أطراف اجتماعية ومشاهد سياسية وادوار رسمية ، ومعلوم أن التعويل هنا على حساب ما تسمى المؤسسة الديمقراطية .

 - إن السلطة كمركز قرار أصبحت تعول أكثر من ذي قبل على المؤسسة العسكرية والأمنية ، في الوقت الذي تتجه فيه إلى المركب الاجتماعي والقبلي كبناء تكوينات أو إعادة فرز .

- أما بشان الرأي العام ففي اغلبه بات يلعن الديمقراطية في اليوم أكثر من مرة ، فهي على حد تعبير البسطاء سبب البلوى لأنها لم تطعم من جوع ولم تؤمن من خوف ، بل تبتلع في مواسمها المليارات على حساب التنمية والبطون في مقابل الهباء المنثور.

الإشكالية هنا في أن المعارضة وقوى المجتمع المدني وحتى المركب الاجتماعي قد استفادوا جميعا من فرص الحراك والمتغيرات المختلفة في التجدد والنماء ومواكبة الحدث المكاني والزماني ، باستثناء السلطة التي لم تزد عن إنتاج الثمانينات والتسعينات.

Alhager2007@yahoo.com