قبيلة خولان الطيال: موئل الرجال ومهد الأبطال
بقلم/ احمد الظرافي
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 29 يوماً
الثلاثاء 25 مارس - آذار 2008 02:32 ص

النشأة الأولى: 

خولان قبيلة عربية أصيلة ، من قبائل اليمن القحطانية ، ذات عدة وسطوة وشهرة في تاريخ اليمن خصوصا ، والعرب والاسلام عموما ، وهي تعتبر موئلا للرجال ومهدا للأبطال ، والذين عند ذكرها تتداعى في الأذهان اسماء العديد منهم . وقد نبتت أرومتها وتجذرت في أعماق أرض اليمن ، ونمت وتفرعت على ظهرها منذ عهود سحيقة من الزمن ، حيث يرجع تاريخ نشأتها إلى ماقبل عصر الدولة الحميرية التي حكمت اليمن خلال الفترة بين عامي 115ق. م و 315م ، وكانت آخر الدول المدنية التي قامت في تاريخ اليمن القديم . وقد كانت خولان مكون أساسي من مكونات هذه الدولة التي تحققت في ظلها وحدة اليمن الطبيعي من أقصاه إلى أقصاه - سياسيا وجغرافيا - وشمل حكمها أجزاء واسعة من منطقة شبه الجزيرة العربية ، ووصلت الحضارة اليمنية في عهدها إلى ذروة الأزدهار والتقدم والرقي .

وبعد سقوط الدولة الحميرية في أوائل القرن الرابع الميلادي ، وزوال نظام الحكم المدني في اليمن على أثر الغزو الحبشي الأول لليمن ، عاد النظام العشائري القبلي من جديد ، وخرجت من رحم ذلك الحكم المدني العديد من القبائل التي كانت منضوية تحت العباءة الحميرية ، والتي لا يزال كثير منها باق حتى اليوم ، وكانت قبيلة خولان إحدى هذه القبائل ، والتي فرضت نفسها بكل قوة وجدارة واقتدار على الساحة اليمنية ، وكانت خولان – ولا زالت – تنزل في منطقة واسعة في شرقي اليمن بين صنعاء ومأرب ، ولها سلطان تلك الديار ، وكانت مستقلة في ممارسة هذا السلطان ومتحررة من سيطرة أي قبيلة اخرى عليها بما في ذلك القبائل الثلاث الكبرى في اليمن حاشد وبكيل ومذحج ، إنما كان انقيادها وطاعتها لرجال من شيوخها اجتمعت عليهم كلمتها.

خولان في الجاهلية :

وكانت حياتها تقوم خلال هذه الفترة وفقا للنظام القبلي الذي كان سائدا في معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية - بعاداته وتقاليده وخيره وشره ومحاسنه ومساوئه.

وفي هذا العصر - عصر الجاهلية - الحافل بالتنافس ، والحروب والصراعات بين القبائل العربية بعضها بعضا ، خاضت خولان – منفردة أو متحدة مع أخواتها من قبائل الجنوب القحطانية - العديد من الحروب القبلية ضد قبائل الشمال العدنانية ، كما خاضت حروبا أخرى مع إخواتها من القبائل القحطانية ذاتها ، وكانت اشرس حروبها وأيامها مع جارتها القوية والعنيدة ، وذائعة الصيت : قبيلة مراد في مأرب .

ويتميز رجالات خولان – بشكل عام - بقاماتهم السامقة ، وبنيتهم القوية ، وابدانهم السمراء ، وافرة الصحة ، والتي اعتادت على الصبر والجلد وتحمل المشاق ، وقد اشتهروا – كغيرهم من رجالات قبائل اليمن خاصة والعرب عامة – بالفروسية وشدة البأس والحماسة في القتال ، وبالأنفة والغيرة ومقارعة الظلم والعدوان ، والتضحية بالغالي والنفيس دفاعا عن الأرض والعرض ، وعدم الاستكانة والخضوع إلا لله سبحانه وتعالى . كما اشتهروا بالكرم والوفاء والمروءة والنجدة – في أوقات السلم - وبغير ذلك من الصفات والمحامد التي توارثها أبناء القبيلة كابرا عن كابر .

وعرف عن أبناء قبيلة خولان اهتمامهم بتربية الخيول العربية الأصيلة ، وكان لبعض خيولهم شهرة واسعة في مختلف بلاد العرب ، ومن جيادهم المشهورة الطيار: فرس ريسان الخولاني ، وذو الريش: فرس السمح بن هند الخولاني ، كما كان لبعض سيوفهم نفس هذه الشهرة تقريبا، ومن سيوفهم ذائعة الصيت ، زبير: سيف عبد الملك بن غافل الخولاني .
 

 

وعلاوة على ذلك كان لقبيلة خولان صوت عالٍ في مجال الشعر ، ومن شعرائها القدامى : امرؤ القيس بن الفاخر بن الطماح الخولاني ، والذي أدرك الاسلام فاسلم ، وشهد فتح مصر وقد ذكر أن له صحبة .

بيد أن قبيلة خولان في الجاهلية – ورغم تلك الصفات والخصائل الحميدة التي اشتهرت بها ونتيجة لغياب الدين الهادي من حياتها – كانت - كغيرها من قبائل العرب في مجتمع شبه الجزيرة العربية – قد انحرفت عن جادة الحق والتوحيد ، وانغمست في الشرك والوثنية وزاغت عن عن قيم الحق والخير والصلاح . وقد أبتليت خولان بعبادة " عم أنس " . ولم يكن " عم أنس " هذا سوى صنم من الأصنام المنحوتة من الحجارة ، اختصت خولان نفسها به – كعلامة على استقلالها – وجعلته شريكا لله في العبادة وفي الضر والنفع ، وكانت تهرع إليه وقت الشدة مستغيثة به ، ومستجيرة بكنفه ، وكانت تقدم له أغلى ماتملك من القرابين ، ولهم في ذلك قصص عجيبة وغريبة تبعث على الأسى والأسف ، وتدل على مدى التناقض الرهيب الذي كان يعاني منه أهل الجاهلية ، الذين كانوا يتباهون بالعقول والأحلام ويصفونها بانها تزن الجبال رزانة .

وفد خولان وإسلامها

ودارت عجلة التاريخ ، وشاء الله الهداية والعزة لهذه الأمة ، فبعث منها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم رسولا إليها وإلى الناس كافة ، بعثه: " بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا " وبهداه خرجت أمة العرب من الظلمات إلى النور ، وعلى يديه : انتقلت من الأنقسام إلى الوحدة ومن حرب " داحس والغبراء " إلى مصارعة أكبر أمبراطوريتين " الفارسية والبيزنطية " [1] وصارت أمةً خيرة ، متميزة بوسطيتها وتوازنها واعتدالها ، متبعة للحق والهدى وغير ذلك من الصفات التي أهلتها لقيادة الأمم ، ولتولي واجب الشهادة عليها وتذكيرها بآيات الله ، ودعوتها إليه سبحانه وتعالى على بصيرة " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " - البقرة : 143 –

فقد دخل الناس في دين الله أفواجا بعد فتح مكة سنة 8هـ ، وأخذت منذ ذلك الحين طلائع وفود القبائل من مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية تفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لتعلن انضمامها إلى الدين الجديد ، وكانت القبائل اليمنية سباقة في هذا المجال ، فقد وصلت وفودها تترى إلى المدينة ، بمجرد أن بلغتها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، واسلمت جميعها طائعة مختارة ومن دون أي قتال . وكان وفد قبيلة خولان من أبرز تلك الوفود ، وكان ذلك في شهر شعبان سنة 10هـ ، وكان قوام هذا الوفد عشرة من الرؤساء والشيوخ الذين يمثلون مختلف بطون قبيلة خولان . ومن وجوه خولان الذين وفدوا – معدي كرب بن ابرهة الخولاني والذي اقطعه الرسول ما أسلم عليه من أرض خولان .. وأبو مكنف عبد رضا الخولاني ، كتب له كتابا إلى معاذ بن جبل عامله على اليمن .

ويذكر أن محاورة طريفة جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أعضاء هذا الوفد ، وكانت بالتحديد حول صنمهم - عم أنس - ، والذي تركته خولان وراء ظهرها – بعد أن اسلمت - وأصبح من مخلفات الماضي البغيض .

كما تجدر الأشارة إلى أن بعض اليمنيين – ومنهم بعض رجالات خولان - كانوا قد اسلموا بشكل فردي قبل ذلك الوقت بكثير وكان لهم شرف الصحبة والجهاد تحت راية رسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى رأس هؤلاء ذؤيب بن كليب بن ربيعة الخولاني و " كان أول من أسلم من اليمن " فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله وكان صحابيا جليلا صاحب كرامات ، وكان في وجهه نور ووسامة ، حتى قيل أنه شبيه بالخليل صلى الله عليه وسلم ، وله قصة مع الأسود العنسي الكذاب - رأس المرتدين في اليمن – قيل أنه القاه في النار ليبتليه لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم فلم تضره النار . [2] ومن هؤلاء السابقين أيضا سفيان بن وهب الخولاني ، وكان يحدث الناس : أنه كان تحت ظل راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع . 

جهود خولان في نشر الإسلام :

وبعد أن اسلمت خولان وضعت امكاناتها وسيوفها في خدمة الدين الجديد ، وقد هبت – ومعها العديد من قبائل اليمن – لنشر دين الله والجهاد تحت راية الاسلام ، وكان أبناؤها أول الملبين لهذا النداء وأول المنضمين للجيوش العربية التي خرجت من المدينة لفتوح الشام والعراق في عهد الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . وقد اسهم أبناء قبيلة خولان مساهمة فعالة وأبلوا أحسن البلاء في معظم الفتوحات والمعارك التي خاضتها الجيوش الأسلامية ضد جيوش أمبراطوريتي البغي: فارس والروم ، وفي مختلف الجبهات . وضرب أبناء خولان – كغيرهم من أبناء اليمن – بسهم وافر في ميادين البطولة والفداء ، لإعلاء كلمة الله ، ولنشر دينه – الاسلام – عز العرب في الماضي والحاضر والمستقبل ، ولاعز لهم بدونه – مهما فعلوا - . ومن أشهر المعارك التي كان لأبناء قبيلة خولان حضورا واضحا ودورا بارزا فيها معركة اليرموك الحاسمة في الشام سنة 14هـ ، والتي خاضها المسلمون ضد جيوش روما البيزنطية ، أقوى امبراطورية في العالم حينذاك . وقد عُبأت خولان – مع قبائل يمنية اخرى – في جناح الميسرة يومئذٍ – . الذي كان يقوده الصحابي الجليل يزيد بن ابي سفيان رضي الله ، ويذكر بعض المؤرخين – الواقدي تحديدا - أن رحى الحرب الطاحنة درات على خولان في بداية هذه المعركة الضارية - والتي تعتبر أكبر معركة يخوضها المسلمون ضد الروم - ، بيد أن جحافل الروم لم يجدوا من خولان ومن جميع المسلمين من مختلف القبائل سوى الصمود والتصدي والحرص على إحدى الحسنيين . فكان أن نصرهم الله نصرا مؤزرا وفتح عليهم الشام وأورثهم أرضها المباركة .

ومن الشام انطلقت القوات العربية المسلمة لفتح مصر بقيادة القائد الداهية المحنك عمر بن العاص ، وكان معظم جيشه من قبائل اليمن - ومن بينهم أبناء قبيلة خولان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن التابعين لهم باحسان – ومضى هذا الجيش من نصر إلى نصر وفتح الله بجهوده وسيوفه أرض الكنانه ، ورفرفت راية الأسلام في سمائها عالية خفاقة .

ومن مصر خرجت العديد من الجيوش الإسلامية لفتح أفريقية والمغرب ، مع جيوش اخرى كانت تخرج لتعزيزها من الشام ، وكان ابناء خولان في الصفوف الأولى في تلك الجيوش ، سواء بقيادة معاوية بن حديج أوعقبة بن نافع أو دينار أو زهير بن قيس أو حسان بن النعمان الغساني ، ثم آخيرا – وليس آخرا - بقيادة موسى بن نصير ، والذي انهى المسلمون في عهده فتح المغرب ، ثم عبروا من خلالها إلى اسبانيا عم 92هـ التي سماها المسلمون الأندلس فيما بعد . وكان اليمنيون يشكلون غالبية الجيش العربي في هذا الفتح .

ولم يكن أبناء خولان في الفتوحات المتوالية لهذه الأمصار جنودا فقط ، بل كان منهم قادة فيالق، وأمراء سريا ، وخبراء في التخطيط والمشورة والرأي وقد أرتبط تاريخ فتح هذه الأمصار باسماء العديد من هؤلاء القادة من رواد الفتح الأوئل . وعلى رأسهم السمح بن مالك الخولاني ، القائد والبطل اليماني المسلم والذي لايذكر الأندلس إلا وذكر اسمه مقترنا باسماء القادة الكبار الفاتحين لها من أمثال موسى بن نصير وطارق بن زياد وعبد ارحمن الغافي وغيرهم ..

وبهذه الأمصار التي اكتسحتها الجيوش الأسلامية استقر كثيرمن أبناء خولان واليمنيين والعرب عموما ، وشكلوا فيها جاليات ساهمت بشكل فاعل في عمارتها وفي تطورها الحضاري في ظل الأسلام ، كما شهدت بذلك آثارهم – وكانت توجد قرية بالقرب من دمشق تدعى " خولان " على اسم قبيلة خولان .

وفي مصر - وبخاصة في الفسطاط الذي اختطها عمرو بن العاص - كان لهم " قطيعة خولان " وهو حي سكنته خولان وفيه مصلى عرف بـ " مصلى خولان " ، وكان نزول القبائل العربية في هذه المدينة تحت إشراف لجنة من القادة العسكريين ، كان أحدهم من قبيلة خولان .

وفي المغرب والأندلس وبخاصة في الأندلس - استقر كثير من اليمنيين من خولان ومن غير خولان ، ولاسيما في اقاليمه الجنوبية - لكونها الأخصب أرضا والأشد حرارة والأقرب من عدوة المغرب - وكانت لهم فيها حضارة زاهية ، وآثار خالدة تشهد على عظمتهم وبراعتهم ، ولا زالت بصماتهم فيها ماثلة حتى اليوم .

على أن دور خولان في خدمة الأسلام والدولة الأسلامية ، لم يقتصر على الجانب العسكري والأداري والمادي فقط ، وإنما شمل أيضا المجالين الروحي والتعليمي فبرز منهم العديد من الدعاة والفقهاء والمحديثين والقضاة ، وإلى قبيلة خولان ينتمي أعظم الفقهاء والقضاة الذين أنجبتهم الحضارة الإسلامية في فجر الأسلام ، وعلى رأسهم عائذ الله بن عبدالله أبو أدريس الخولاني القارىء العابد والمحدث الزاهد أبوه صحابي ، وكان هو من كبار التابعين ، وكان أعلم أهل زمانه ومن اشهر الفقهاء الذين تولوا القضاء في الشام في عصره . مات سنة 80هـ .

ومنهم أبو أيمن الخولاني المصري له صحبة ورواية وغزا المغرب وسكن مصر وبها مات

ومنهم أبوالمغيرة عبد القدوس الخولاني - ت 212هـ - محدث الشام ، واحد الرواة عن طبقة الأوزاعي ، واحد المتعلمين المتخشعين – من شيوخ الأمام أحمد بن حنبل - . 

ومنهم أيضا بحر بن نصر الخولاني ، وبشير بن أبي عمرو الخولاني، وعبيدالله الخولاني ، وابو طلحة الخولاني ، وابو مسلم الخولاني ، وشرحبيل من مسلم الخولاني ، وأبو هانئ الخولاني والحسن بن علي الخولاني عقيل بن عبد الرحمن الخولاني قاضي الموصل ، وقائمة طويلة من المحدثين والفقهاء والذين لامجال لذكرهم هنا .

* هذا الجهد عبارة عن مقدمة تمهيدية لدراسة متعثرة حول سيرة أحد أبطال الفتوحات اليمنيين تحت عنوان ( السمح بن مالك الخولاني رائد الفتوحات الإسلامية في فرنسا )