القضية الجنوبية هل تتجه نحو التدويل ؟
بقلم/ عادل امين
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 27 يوماً
السبت 26 إبريل-نيسان 2008 01:15 م

مأرب برس – خاص

حظيت القضية الجنوبية في الآونة الأخيرة باهتمام ملحوظ من قبل أطرف خارجية أخذت تتناولها بشي من التفصيل في تقاريرها الدورية ( السياسية والاقتصادية) والتي تبحث من خلالها في شئون المنطقة وتتابع باهتمام تطوراتها , وكان لافتاً بشكل خاص ذلك الاهتمام الذي أبدته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بتطورات الأوضاع في جنوب الوطن, حيث ذهبت تقاريرهما إلى التحذير من إمكانية وقوع تمرد جنوبي واسع وكبير في المحافظات الجنوبية ربما يقود إلى ثورة ـ وفقاً لتلك التقاريرـ في حال استمر النظام في مواجهة الاحتجاجات السلمية بالقوة والعنف وهو مايهدد استقرار النظام السياسي الحاكم في اليمن الذي صار عُرضة لأن يفقد واحداً من أهم انجازاته وهي الوحدة بسبب تزايد موجة الاحتجاجات الشعبية التي يجد النظام صعوبة في احتوائها بحسب ما تؤكده تلك التقارير.

وفي ذات السياق فقد حذرت معارضة الخارج السلطة من مغبة اللجوء إلى القوة في مواجهة الحراك الجنوبي , واعتبر المعارض حيدرأبوبكر العطاس أن مؤشرات الانتصار بدأت تلوح من تحت جنازير الدبابات وفوهات المدافع والرشاشات وأزيز الطائرات التي تدفع بها السلطة في محاولة لقمع الحراك السلمي المكين والهادر بحسب وصفه, وأكد العطاس (في مقال أخير له بعنوان: أوقفوا هذا العبث اللاوحدوي بالجنوب) أن شعب الجنوب المناضل قد قرر وأقسم بأن لايهدأ وأرضه وثرواته منهوبة, وسيادته على أرضه مسلوبة, وقياداته تكتظ بها سجون السلطة المأزومة, ومدنه وقراه محاصرة بقوى الظلم والطغيان بحسب ماجاء في مقالته.

هذا التصعيد في الخطاب السياسي لمعارضة الخارج يُنبئ من جهة عن فشل المفاوضات السرية بينها وبين السلطة , ويعكس إلى حدٍ ما إمكانية حدوث دفع خارجي أو تغير في الموقف ولو بنسبة ضئيلة تجاه القضية الجنوبية من جهة أخرى, ويؤكد العطاس بأن لاخيار مأمون أمام السلطة غير الخيار الوطني المتمثل بالاعتراف بالقضية الجنوبية والأزمة السياسية العميقة التي تعيشها البلاد, وطريق حل الثانية يأتي عبر حل الأولى كما يقول, ويرى بأن الحوار السلمي الجاد والمسئول هو السبيل الوحيد للوصول إلى الغايات المطلوبة على أن يتم برعاية إقليمية ودولية ليحقق النتائج المرجوة في الفترة الزمنية المعقولة .

 وعلى مايبدو فقد توصلت معارضة الخارج إلى هذا الخيار(خيار الحوار مع السلطة برعاية طرف ثالث) لتضمن جدية التنفيذ, ولتحصل على شرعية تمثيل الجنوب, وحتى لايبقى حل القضية الجنوبية رهن بمشيئة النظام, أضف إلى ذلك فإن تجربة الحوثيين (في شمال البلاد) في حل مشكلتهم مع السلطة برعاية قطرية من المؤكد أنها شجعت المعارضة الجنوبية في الخارج على اشتراط الرعاية الإقليمية والدولية لأية حوارات قادمة مع السلطة.

الحكومة اليمنية من جانبها اعترفت بوجود دعم خارجي مساند لحركة الاحتجاجات الجنوبية في الداخل, وهي على يقين بأن حركة المعارضة في الخارج باتت تحظى ببعض الرعاية من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية, وقد فسر مراقبون سياسيون جولة وزير الخارجية اليمني الأخيرة إلى دول الجوار بأنها محاولة للضغط على تلك الدول وثنيها عن فكرة تبني بعض رموز المعارضة في الخارج أو تقديم الدعم لها, وتبذل اليمن جهدها في تذكير تلك الدول بأنها تمثل العمق الاستراتيجي والأمني لها, وأن استقرار اليمن شرط لاغنى عنه لاستقرار دول المنطقة , لكن اليمن فشلت حتى الآن في تحقيق تلك المقولة, على الأقل بالنسبة للجارة الكبرى التي مازالت ترى في حدودها الجنوبية مع اليمن مصدر قلق وإزعاج دائمين لها بالنظر إلى حجم المشاكل الكثيرة العالقة التي ماتزال مستعصية على الحل.

 اللاعبون الأساسيون في ساحة المعارضة اليمنية الخارجية يمكن حصرهم في ثلاث شخصيات مهمة هي العطاس وعلي ناصر وعبدالله الأصنج , لكن هناك شخصية رابعة تُعد الأكثر أهمية من بين هؤلاء جميعاً بالرغم من عدم دخولها ساحة المعارضة حتى اللحظة , إنها شخصية نائب الرئيس اليمني الأسبق علي سالم البيض, وقد ألمح العطاس في بعض تصريحاته إلى أن البيض لن يظل طويلاً خلف أسوار الصمت, وأنه سيأتي اليوم الذي يخرج فيه للناس ويتخاطب معهم, والحقيقة أن ورقة علي سالم البيض هي أخطر ورقة يمكن أن تناور بها معارضة الخارج وتضغط بها بعض القوى الإقليمية والدولية على نظام صنعاء لإجباره على القبول بحل يُرضي أطراف الصراع في الداخل والخارج, البيض هو الورقة الأخيرة (الرابحة) للمعارضة الجنوبية وللأطراف الخارجية التي مازالت تحتفظ بها في جعبتها وتدخرها للأوقات الحرجة, لكن ظهوره على سطح الأحداث لن يكون بقرار تتخذه معارضة الخارج بل بقرار تتخذه القوى الدولية ذاتها التي ستحدد بنفسها الزمان والمكان المناسبين لظهوره كي يبدأ في أخذ مكانه ودوره في قيادة الحراك الجنوبي, هذا في حال بقيت السلطة مُصرة على عدم الاعتراف بقضية الجنوب وترفض الجلوس مع أطراف الأزمة للخروج بحل مُرض للجميع.

عندما يخرج علي سالم البيض عن صمته فمعنى ذلك أن قراراً قد اُتخذ بتدويل القضية الجنوبية, ساعتها سيكسر الصراع الداخلي حدوده ليتحول إلى شكل من أشكال النزاع الإقليمي, ويبدوا أن السلطة لاتريد أن تتعض أو تستفيد من تجربتها المريرة مع الحوثيين والتي أفضت في النهاية إلى تدخل أطراف خارجية لحل الأزمة القائمة بينهما اليوم.

المعالجات الحكومية على الساحة الجنوبية اليوم لا ترقى إلى مستوى حل الأزمة ولاتبشربقرب انتهائها, فانتخابات المحافظين دون إشراك الشارع , وتعيين بعض العناصر الجنوبية وكلاء محافظات, ومحاولة شراء الذمم وإغداق الملايين على بعض الشخصيات والوجاهات لاحتواء السخط الشعبي,واعتقال قادة الحراك السلمي, والاستعانة ببعض الرموز والهيئات القبلية من خارج المناطق الجنوبية في محاولة لإسكات صوت الشارع الجنوبي كبديل عن أساليب القمع واستخدام القوة وعسكرة المدن التي أثبتت فشلها, كل ذلك لن يؤدي في النهاية إلا إلى مزيد من الإصرار على مواجهة السلطة وانتزاع الحقوق منها بالقوة كأحد الخيارات المطروحة, و إعلان النائب صلاح الشنفره عن الكفاح المسلح هو دليل صارخ على ماذكرناه.

المعارضة من جانبها(اللقاء المشترك) تحاول تدارك الأمر قبل خروجه عن السيطرة, ويتضح ذلك من خلال دعوة القيادي محسن باصرة ( رئيس المكتب التنفيذي للإصلاح بحضرموت) إلى عقد مؤتمر وطني لتدارس القضية الجنوبية والخروج بحل لها منعاً لانجرافها على طريق العنف والتمرد والفوضى , وحتى لاتُستغل من بعض القوى الخارجية للإضرار بالوطن ووحدته , كما يعمل المشترك الان على إعداد مشروع سياسي للإنقاذ الوطني سيكون معني بوضع المعالجات للأزمة التي تمر بها البلاد اليوم على كافة الصُعد بما في ذلك القضية الجنوبية التي يرى المشترك أنها أضحت البوابة والمدخل للإصلاح الوطني الشامل في اليمن , بيد أن نجاح مشروع المشترك سيكون مرهون بمدى جدية السلطة في التعاطي معه والتعاون مع المعارضة لإخراج البلاد من أزماتها , غير أن السلطة لم تُبدِ أية بوادر مشجعة حتى الان على هذا الطريق, وهو مايعني أن المعارضة ستلجأ للشارع لطرح مشروعها السياسي عليه ومن ثم العمل معه لإنقاذ الوطن من أزماته ولو أدى ذلك إلى مزيد توتر مع السلطة .

ربما يكون مشروع الإنقاذ الوطني للمشترك هو آخر الحلول فيما يتصل بالقضية الجنوبية وآخر فرصة أمام السلطة يمكن أن تستفيد منها للخروج من مأزق القضية الجنوبية التي ماعاد بالإمكان تجاهلها أو القفز عليها, وعلى ضوء ماستقرره السلطة في كيفية تعاطيها مع هذا المشروع من عدمه سيتحدد شكل القضية الجنوبية وطريق الحل الذي ستسلكه, وما إذا كان سيظل مغلقاً في إطاره الوطني أم سيغادر الحدود إلى إطار أوسع بما يضاعف ويزيد أطراف الحل, وهذه النقطة أوصلتنا إليها السلطة في أزمة صعده ومن غير المستبعد أن تقودنا إليها مجدداً في أزمة المحافظات الجنوبية اليوم .