آخر الاخبار
الرئيس صالح محاصر بالفساد والمصالح .. من المنقذ؟
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
السبت 19 يوليو-تموز 2008 12:36 ص
بدراسة فترة حكم الرئيس صالح، نجد أن الرئيس حاول جاهدا من خلال العمل الجاد على تجاوز سلبيا الواقع وفساده، لصالح إعادة صياغته وفق المبادئ والقيم الإيجابية للمشروع الوطني، بهدف بناء مستقبل آمن، وعادة ما كانت قراراته تتسم بالحكمة والتروي، وكان سلوكه السياسي يحمل همّ تعظيم المصلحة الوطنية.

فالرئيس صالح كان ومازال أكثر نضجا وإدراكا وذكاء وفهما وتعاملا مع البيئة المحيطة،في الداخل والخارج،

مقارنة بغيره من الزعماء، وسلوكه مؤسس على عقلانية واقعية، تحكمها رؤية مثالية مستقاة من واقع أهل اليمن، كما حددها المشروع السياسي الذي عبر عنه ورسم معالمه بوضوح المشروع الوطني خلاصة تجربة الحركة الوطنية اليمنية.

وتجربته الطويلة في الحكم مكّنته من التواصل مع كافة الفواعل المجتمعية، مما جعله قادرا بامتياز على استيعاب الواقع اليمني وحاجاته، واستطاع أن يخلق أجواء ملائمة لقبول الأفكار الجديدة والحديثة الخادمة لمصالح الناس.

وبفعل قدراته الشخصية، التي منحته صفة القائد القوي، القادر على التأثير والإقناع، وصناعة الحدث، تمكن الرئيس صالح بجدارة تامة، وثقة ناضجة، من توظيف حركته، وقوة الدولة والمجتمع في الاتجاهات الخادمة للوطن ومصالح أبنائه، وكان دائما مثالا للقائد الوطني الذي لا همّ له إلا خدمة الناس، ومتابعة مصالحهم، وأيا كانت نتائج القرارات والسياسات فأن الأخطاء مسألة طبيعية لأي عمل فالبيئة المحيطة من قوى موضوعية تلعب دورا فاعلا في تحديد النتائج.

والرئيس صالح لم يتفرد بالقرار في يومٍ ما في تاريخه السياسي، بل أعتمد على التشاور والتواصل والاتصال بكل القوى الفاعلة في المجتمع والدولة، وعندما يُتخذ القرار يبدأ الرئيس في دفع الحركة باتجاه تحويل السياسات إلى واقع عملي، مع ملاحظة أن الرئيس صالح واقعي في تفكيره بتأكيده الدائم أن اتخاذ القرار مسئولية جماعية، والتنفيذ أيضا مسئولية جماعية، فتحقيق الهدف وإن كان للقائد السياسي دورٌ فاعلُ في المبادرة والمتابعة، إلا أن النجاح التام للهدف وتحققه لا يمكن أن يكون إلا بتعاون الجميع، فالكل مسئول سواء كان في الدولة أو المجتمع، وبالتكامل والإخلاص والصدق والفاعلية يصبح الإنجاز هو المحصلة النهائية.

وتلعب النخبة السياسية المؤيدة والداعمة، الدور الفاعل والقوي في صنع السياسة، وتنفيذها وتقويمها، فالدولة لا يمكنها أن تتحرك إلا بالكادر المؤهل، القادر على التعامل مع الواقع بفهمه واستيعاب حاجاته، ومعالجة مشاكله، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل تغليب مصالح الوطن والناس على المصالح الذاتية، فالمسئولية الأخلاقية لدى النخبة، تظل من أقوى الدوافع والروافع التي تسهم في نجاح السياسات وفاعليتها.

والمتابع للشأن السياسي اليمني، يلاحظ أن القائد من بداية توليه السلطة، وهو يعتمد على رجال أقوياء في الكفاءة والأمانة وحب الوطن، مثلوا الدرع الواقي للقائد والمشروع الوطني، وأسهموا في تحقيق الكثير من المنجزات، وعملوا على خدمة الوطن بجد وتفانٍ. وكانت علاقتهم بالقائد تقوم على مبادئ الالتزام بالقيم والمبادئ الوطنية، والحب والوفاء للقائد، وقد مثّل لهم رمز الفداء والشجاعة، والقوة والإخلاص والصدق في خدمة الوطن، وفيه تجسدت معاني القيم التي حملها المشروع الوطني.

إلا أن الملاحظ أن بعض أعضاء النخبة، على الرغم أن اختيارهم يتم وفق معايير الكفاءة والتمتع بصفات قيادية، وقيم خلقية ووطنية، إلا أن تلك القيادات تعمل بجد وإخلاص في بداية الأمر، ولكنها مع الوقت تصاب بالخمول، ويقل إنتاجها، وتنخرط في العمل الحكومي، ولكنها بسرعة تصاب بالجمود، وتعجز عن تطوير نفسها معرفيا في مجالات تخصصها، وتصبح غير قادرة على خلق معالم إبداعية لتطوير العمل وزيادة الإنتاج، بما يسهم في خدمة الناس وتحقيق مصالحهم.

وأصبح بعض أعضاء النخبة روتيناً في العمل، وتقليدياً في تعامله مع الأهداف، وهنا يصبح الإبداع شبه مفقود، وهذا يثير قلق القائد لأن هكذا تصرف لا يساعد القائد على الوصول بالطموحات إلى آفاق جديدة، ويجعله يتحمل الكثير من الأعباء ومتابعة الكثير من التفاصيل حتى يتأكد أن الأمور تسير على الوجه المطلوب، للحصول على النتائج المرجوة، ومتابعة القائد فعّلت الكثير من المنجزات، ولكنها جعلت جزءاً من النخبة يعتمد على القائد في حل المشاكل.

وبعض الأشخاص رغم ما كان يتمتع به من قدرات عالية على المستوى المعرفي والعملي، لكنه بعد أن حقق النجاح في الوصول إلى السلطة، ونتيجة الانخراط في خدمة الدولة، والرغبة في حماية المصالح، أصبح الشخص منهم يتحرك بطريقة مخادعة وخائفة وقلقة، وولد لنفسه قناعة أن التبعية الكاملة بمعناها السلبي للقائد هي الأسلوب الأفضل لتحقيق نجاحه الشخصي، وهذا أفقده القدرة على الإبداع وأفقده استقلاليته وأضعفته، وأصبح غير قادر على أن يلعب دورا معرفيا قويا، فالمعرفة هي التي جعلت من القائد يمنحه شرعية الحضور، وذلك أن القدرة على الإبداع والتقويم تمنحه منطقا قويا في دفاعه عن القائد ومشروعه السياسي المعبر عن طموحات الناس، والمعرفة تسهم بتطوير المشروع الوطني وتخدم الناس وتحولات الواقع.

وقد يفسر البعض ذلك أن قوة القائد مقارنة بالنخبة عمَّق اعتمادها عليه، وهذا وإن كان فيه الكثير من الإيجابية، خصوصا عندما يكون القائد وطنيا وله مشروع واضح كالرئيس صالح، ولكن اعتمادها الدائم على القائد يخلق مشاكل كثيرة لا حصر لها، أقلها الاتكالية والخمول داخل النخبة السياسية، وجعل المعارضة تركز على القائد والفاعلين داخل النخبة الداعمة، ومحاولة تدميرهم بالتشويه والتشكيك، ويصبح القائد الهدف الجوهري لكل أعداء النخبة وأعداء المشروع الوطني.

وفي تصوري أن الضعف المعرفي جعل بعض أعضاء النخبة عالة على القائد، بل وفي أحايين كثيرة معيقين لحركته، وهذا ربما يفسر الاعتراضات التي تظهر في خطابات القائد بين الحين والآخر للسلوكيات الخاطئة للبعض، وعجزهم الواضح في الاستجابة لتلبية حاجات الناس وخدمتهم.

بل يمكن القول أن جزء من النخبة السياسية الحاكمة أصبح يمثل حجر عثرة أمام القائد وهم من يصنع الأزمات ويدخل البلاد في الأنفاق المظلمة وهذا الجزء لا يؤمن إلا بمصالحه الأنانية ومكانته الاجتماعية والسياسية والعسكرية ويوظف وجوده السلطوي لتضخيم مصالحة، بل ان جزء من هؤلاء على علاقة سرية وعلنية ببعض القوى المعارضة والصحفيين الذين يتم توظيفهم في تدمير صورة النخبة المقربة من الرئيس والتي تحمل الهم الوطني ليل نهار وتعمل جاهدة على إقناع الرئيس بممارسة الضغوط على المخربين للمشروع الوطني من داخل منظومة الحكم.

وهذه الفئة التي تتعامل مع الدولة كغنيمة رغم أنها تسهم بقوة في تفجير وخلق الأزمات للرئيس إلا أنها تعتمد على القائد كليا في حل الأزمات ومواجهتها، وعلى الرغم من الفاعلية التي قد تظهر لدى بعضهم في الأزمة، إلا أن القائد في المحصلة النهائية هو الصانع الفعلي للحدث وهو من يحميهم من غضبة الشعب وحمايته لهم لا يشكل دعما للفساد بل حماية للسلم الاجتماعي وحماية للمنظومة حتى لا تنفجر، فالانفجار خطر كبير قد يعصف بالدولة والمجتمع إلى جهنم من الصراعات المدمرة.

والأخطر من القوى الفاسدة أن بعض النخب الحديثة قد أصابها التكلس والموت ورغم خطابها المجلجل إلا أنها فقدت فاعليتها رغم الصلاحيات الممنوحة وهذا الجزء من النخبة يعمل بروح مهزومة أمام المفسدين ومشكلة هذا النخبة الحديثة أنها خاملة ومهزومة نفسيا وتعمل وفق خطوط تقليدية، ولم تتفاعل بحيث تصبح قادرة على خلق مساقات إبداعية متناغمة مع أطروحات القائد، ونقلها إلى آفاق التحقق والتموضع على الواقع، لأنها الوحيدة التي تملك الحق في الفعل الشرعي داخل المفاصل المختلفة لأجهزة الدولة، ولديها قوة فاعلة في التأثير على المجتمع، بحكم تعبيرها عن فئاته وقدرتها على التغلغل فيه. وبدل من ذلك وجدت نفسها لحماية مواقعها راضخا لكل مفسد، بل أن البعض رغم قوته ووطنيته إلا أنه لم يرحل وفضل الرضوخ لتهديدات القوى الفاسدة والتي قد تستخدم كما يؤكد بعضهم القوة الإجرامية لتصفية من يقف أمامها، وهذا ربما ما جعل الجميع يرفع شارت الاستسلام على طول الخط.

والمشكلة الجوهرية أن كل أعضاء النخبة مرتبط بالقائد ومعتمد عليه، وهذه الآية المعكوسة في اعتماد النخبة على القائد، أضعفت النخبة وأضرت بالقائد وبالمشروع السياسي، أما الوجه السيئ في الأمر أن القوى الفاسدة اخترقت النظام، واحتمت بآلياته وأدواته الشرعية، وشوهت سمعة القائد والنخبة الداعمة. وشكل هجوم القوى المعارضة وتركيزهم على شرعية الرئيس وعلى تاريخه ومستقبلة مدخل القوى المخربة في النظام لترسيخ قوتها وتمكنها والمشكلة العويصة أن الرئيس صالح وجد نفسه محاصر بالقوى التقليدية والفاسدة والقوى المعارضة هي من تعمل ليل نهار على إحاطة القائد بالانتهازيين والفاشلين لأنهم ركزوا سهامهم كلها على القائد وليس على المخربين للمشروع.

 ويمكن القول أنه رغم إعلانات الرئيس وتخليه عن الفساد وأهله، إلا أن النخبة الداعمة بدورها ظلت ساكتة وخاملة وعاجزة عن الاستجابة لهذا النداء، على المستوى المعرفي والعملي، وهذا ربما يعمق من ضعفها لصالح فئات جديدة متحمسة وعازمة على الاستجابة للقائد، ولعل القوى الشابة الجديدة الباحثة عن دور ستشكل قوة معرفية وسياسية قادر على دعم وتفعيل الدور المعرفي للنخبة الداعمة للرئيس. والشرط الوحيد لنجاح هذه الفئة هو التخلص من القوى التقليدية داخل منظومة الحكم وقسرها بالقوة على الالتزام بالمشروع الوطني، ويمثل دعم الرئيس وحمايته من تهورهم مدخل أساسي حتى يتمكن من الضغط عليهم ووقفهم عند حدهم وظهره محمي على المستوى الشعبي، وإيصال القوى الفاسدة والتقليدية إلى قناعة جازمة أن أي مس بالقائد يمثل انتحار جماعي لكل القوى التقليدية والفاسدة في منظومة الحكم.

وهذا القوى الجديدة في منظومة الحكم وخارجة في تصوري تملك رؤية منفتحة على التيارات، وهي في الغالب تركز على القضايا الأساسية التي تهم الناس، وبرؤية مستوعبة للعصر وتغيراته، ويتوقع لها ان تشكل قوة وطنية قادرة على التواؤم مع طموحات القائد ودعم سياساته ، والمرحلة القادمة مرحلة حاسمة إذا لم يتمكن المشروع الوطني من تحقيق ذاته فأن الجميع خاسر والمستفيد هم المفدسين وحدهم.

وهذا القوى الجديدة على قناعة أن دعم الرئيس صالح ضرورة تاريخية، وسلوك وطني خالص، لا هدف له إلا حماية اليمن من المخاطر والمغامرات الحالمة لبعض الأطراف السياسية في الحكم والمعارضة، التي لن تهدد مستقبلنا بل ربما تدمر ما تم إنجازه.

ويمكن أن نفهم دور النخبة السياسية في تعاملها مع القائد من خلال بعض التجليات الفكرية والعملية التي يضعها القائد أمام النخبة في الحكم والمعارضة، ليتم تناولها ودراستها وإدارة النقاش والحوار حولها ووضع التساؤلات، ومحاولة الإجابة عليها والتواصل والاتصال بالناس، وأيضا محاورة القائد، كل ذلك بهدف إثراء تلك التجليات فيما يخدم الناس ويحقق مصالحهم، وهذا يمثل أرقى سلوك في الممارسة السياسية.

 الغريب في الأمر أن النخبة تتعامل مع المسألة بطريقة غريبة، إما بالصمت المطبق وانتظار القائد ليحسم الأمر، أو بممارسة ضجيج يهدم ولا يبنِ، والبعض ينظر للمسألة من زاوية أنانية ويصبح الحُكم على الرؤى المطروحة محدد بالحماية أو الرغبة بالزيادة أو الحصول على المصالح. وهذا السلوك السلبي سهل للفساد وللقوى التقليدية المتعاملة مع الدولة كغنيمة أن تعمل بفاعلية وتحاصر القائد وتشل طموحاته وأحلامه في بناء اليمن الجديد.