هل سقطت العاصمة العربية الخامسة في يد إيران؟
بقلم/ أمل عبد العزيز الهزاني
نشر منذ: 5 سنوات و 5 أشهر و 19 يوماً
الأربعاء 05 يونيو-حزيران 2019 07:05 م
 

تعمدت إيران إحراج النظام القطري أمام دول الخليج، وحمله على التحفظ على بيان القمتين الخليجية والعربية الطارئتين اللتين عقدتا في مكة المكرمة، بعد انتهائهما بثلاثة أيام.

كان موقف العراق المتحفظ على بيان القمة العربية الذي يدين التدخل الإيراني في شؤون المنطقة متوقعاً، بحكم الظروف التي أخضعت العراق للسيادة الإيرانية بعد سقوط نظام صدام حسين، لكن العراق استطاع، ومع الضغوط عليه، أن يقف في المنتصف، برفضه الاعتداء على دول الخليج، خصوصاً السعودية والإمارات العربية. حتى لبنان، الذي اختار سياسة النأي بالنفس عن الميل إلى أي محور، يحاول قدر المستطاع الحفاظ على المساحة الضيقة التي تسمح بها هذه السياسة. ونظام المحاصصة الذي يعتمده لبنان والعراق يتيح لهما تعددية المواقف والأصوات. وكما قال رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي، بعد انتهاء قمم مكة، فإن العراق وجد تفهماً من أشقائه العرب حول اعتراضه على بيان القمة العربية الذي يدين إيران.

الدول الخليجية والعربية تتفهم الموقف اللبناني والعراقي، وإن كانت لا تقبله، وتحاول أن يكون لها حضور حتى لا تسلب إيران كامل هذه الدول، وتحيلها إلى محافظات ملحقة بها.

لكن قطر، المرشحة إلى الانضمام إلى قائمة العواصم العربية التي تهيمن عليها إيران، لا يوجد ما يبرر سلوكها. رئيس الوزراء القطري عبد الله آل ثاني حضر القمتين الخليجية والعربية، ولم يعلق بشأن بيانيهما الختاميين، وحضر القمة الإسلامية، وانسحب أمام ممثلي خمسين دولة إسلامية اتفقت على موقف موحد من القضايا الرئيسية.

بعد عودته إلى بلاده، صرح وزير خارجيته بأن قطر تتحفظ على بيان القمتين الخليجية والعربية في إدانتهما لإيران. بهذا الفعل، إيران وجهت رسالة لدول مجلس التعاون الخليجي بأنه مخترق، وأنها تستطيع أن تجبر دولة عضواً في المجلس على اتخاذ أي موقف سياسي، حتى لو كان مثيراً للسخرية، كما فعلت. الرسالة وصلت وتأكدت أن قطر تتكلم حين يراد لها ذلك، وتصمت حين تؤمر بذلك.

فهل أصبحت إيران تهيمن على خمس عواصم عربية؟

في الواقع، إن العواصم العربية الأربع المعروفة، بيروت وبغداد ودمشق وصنعاء، مرت بتجارب مريرة واحتراب قاسٍ بين محاور النزاع، وبذلت إيران مليارات الدولارات وآلافاً من أرواح ميليشياتها حتى استطاعت اختراق هذه الدول وبسط هيمنتها عليها، ولا يزال الوجود الإيراني في هذه العواصم يعتمد على استمرار الانشقاق بين ساستها وتفكيك صفوفهم. هذه الظروف نعايشها في المنطقة منذ الحرب الأهلية اللبنانية نهاية السبعينات الماضية حتى انقلاب الحوثيين من خلال ميليشيا «أنصار الشريعة» في اليمن على الحكومة الشرعية قبل خمسة أعوام. هذه الظروف لا تتوفر في الحالة القطرية؛ قطر دولة مستقرة، غنية، داخل منظومة خليجية تعتبر الأمثل في العالم، من حيث الترابط بين دول المنظومة مهما تباينت المواقف الأحادية. دخول إيران إلى قطر لم يكن عسيراً، بل بدعوة وترحيب من نظامها، وبكامل إرادته. لا نعرف لماذا اختارت الدوحة أن تكون تابعاً لنظام ثيوقراطي متخلف خاضع لعقوبات دولية لسوء سلوكه.

على كل حال، أكثر ما يعنينا في هذه القضية هو المستقبل القريب الذي تترقبه المنطقة، وحالة الغليان التي تنذر بالمزيد من التوتر نتيجة مواجهة متوقعة بين واشنطن وطهران. الخلاف مع قطر لم يؤثر على العمل الخليجي المشترك، ولن يكون له تأثير في القضايا الكبرى المتعلقة بالعلاقات الإقليمية لدول الخليج العربي، خصوصاً السعودية والإمارات.

وعكس ما يحاول الإعلام القطري الترويج له، فإن قطر في موقف لا تحسد عليه، ليس بسبب المقاطعة، بل لأن النظام الحاكم فيها ربط مصيره وبقاءه بمصير وبقاء نظام الحكم الإيراني. وهذه المعادلة عملياً ستجلب الكثير من الصعوبات على الدوحة، وستصبح مواقفها السياسية من طهران وواشنطن وأنقرة عبارة عن تسويات، تشتري بها سكوت أطراف النزاع عن مواقفها المتباينة. قطر ترفض إدانة إيران لأن «الحرس الثوري» يحمي أركان النظام القطري، وفي الوقت نفسه لو قررت واشنطن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، فستنطلق ضرباتها من القاعدة العسكرية الأميركية في قطر. التحدي الكبير الذي يواجه النظام القطري هو الإجابة عن السؤال التالي: إلى متى يستطيع هذا النظام أن يصمد أمام استحقاقات علاقاته مع محاور الصراع؟ وكم من الأموال والصفقات والتسويات ستقدمها الدوحة للحفاظ على توازنها على حبل مشدود؟

الرياض، أبوظبي، القاهرة، هذه العواصم العربية تمثل جبهة المقاومة للتوغل الإيراني لاحتلال الدول العربية، والموقف الأميركي من دعمه هو موقف ضد الإرهاب السني والشيعي بكل صورهما. خلال تلاطم أمواج هذا الصراع، بأبعاده الاقتصادية والأمنية، ستجد قطر نفسها في مهب الريح، ومراهنتها هي وإيران على خسارة ترمب في الانتخابات مراهنة خطيرة لأن الوقت لا يمر في صالحهما.