الدولة الرسولية في اليمن :قصص مدهشة 3
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و 4 أشهر و 19 يوماً
الأحد 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 07:40 م
 

لقد كان ملوك الدولة الرسولية من العلماء الكبار ولهم جهود كبيرة في كثير من العلوم المختلفة ، وقصص حبهم للعلم والعلماء واستقطاب العلماء وإكرامهم وبناء المدارس وإنشاء المكتبات وجمع نفائس الكتب فيها مشهورة عنهم ولم يتوقف نشاطهم العلمي والمعرفي عند هذا الحد بل لملوك الدولة الرسولية مؤلفات عديدة بعضها في جوانب فريدة وعجيبة مما يدل على تمكنهم العلمي وسعة علمهم واطلاعهم ، فمن مؤلفات الملك المظفر الرسولي كتاب : ( درج السياسة في علم الفراسة وما يدل على الخيل من ملاحة وقباحة ) ، و( تيسير المطالب في تسيير الكواكب ) ، و( العقد النفيس في مفاكهة الجليس ) ، و( المخترع في فنون الصنع ) ، ومن مؤلفات الملك الأشرف ممهد الدين عمر بن المظفر الرسولي كتاب ( الأسطرلاب ) وهنا اشارة لابد من ذكرها في هذه المناسبة وهي أن ملوك بني رسول لم يتوقفوا عند تأليف الكتب وجمعها في المكتب وإنشاء المدارس العلمية وإنما قاموا باختراع أجهزة حديثة جدا وكانت تعتبر طفرة نوعية في عصرهم ، حيث عمل السلطان الأشرف مؤلف كتاب ( الأسطرلاب ) على تحويل الأسطرلاب من مجرد علم نظري إلى جهاز مصنوع فصنع آلة الاسطرلاب الفلكية والتي استخدمت لمعرفة حركة النجوم وقياس الوقت وفي الملاحة وضبط مطالع الزراعية ، ويعد اسطرلاب الملك الاشرف من بين اشهر الاسطرلابات في التاريخ العربي والإسلامي وهو حاليا محتفظ في متاحف الولايات المتحدة الامريكية حيث الكتابة باللغة العربية والوجه الاخر له مكتوب عليه باللغة اليمنية القديمة .

ومن مؤلفات الملك الأشرف الرسولي : (التبصرة في علم النجوم) ، و(تحفة الأحباب في التواريخ والأنساب) ، و( ملح الملاحة في معرفة الفلاحة) ، و(المعتمد في الأدوية المفردة) ، و) المغني في البيطرة) وغيرها .

ومن مؤلفات السلطان المجاهد علي بن المجاهد الرسولي (الأقوال الكافية في والفصول الشافية في الخيل وصفاتها وأنواعها وبيطرتها) ، و(التذكرة في معرفة البيطرة) .

 موسوعة القاموس العجيبة الفريدة

ومن مؤلفات السلطان الأفضل العباس بن علي الرسولي كتاب ( بغية ذوي الهمم في التاريخ بأنساب العرب وأصول العجم ) ، و( بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين) ، و( الشامل لمحاسن التاريخ في الجداول) وللسلطان الأفضل أيضا موسوعة (القاموس ) والذي أكد المؤرخ اسماعيل الأكوع أنه قد أحتوى على ما يقارب 1200 كلمة في التاريخ والفروسية والطب وعلم التشريح وفنون الطبخ والملابس وقد تم تدوينه بطريقة عجيبة رائعة بحيث وضعت الكلمات في اللغة العربية في العمود الأول ، وبجوار كل كلمة ترجمتها إلى اللغة الفارسية والتركية والإغريقية البيزنطية القديمة والصقلية والأرمنية والمغولية وكل لغة في عمود موازي للغة العربية .

وقد كان لفظ الجلالة " الله " أول كلمة أفتتح بها ذلك القاموس الضخم والفريد في زمانه والذي يعد بحسب الكثير من المؤرخين أول معجم من نوعه في تاريخ العرب .

ولاشك أن هذا المعجم والقاموس الكبير والهام هو جهد مؤسسي كبير وطالما تمت ترجمته إلى كل تلك اللغات في زمانه فهذا يؤكد أن السلطان العباس كان يتحدث بهذه اللغات أو بعضها أو أنه قد أستعان بفريق من تلك اللغة ما يؤكد أن ملوك الدولة الرسولية لم يكتفوا بالتأليف باللغة العربية وإنما عملوا على ترجمة مؤلفاتهم للغات الأخرى الحية وترجموا من هذه اللغات ما استحسنوه من الكتب وما احتاجوا إليه خلال النهضة العلمية والزراعية والصناعية والإدارية الكبيرة فانفتاح ملوك بني رسول على شتى اللغات والثقافات أمر لافت وإذا كان هذا القاموس لم يجد الاهتمام والحفاوة في اليمن فقد أهتم عدد من الباحثين الغربيين بمخطوطات القاموس الرسولي فحققوا ودرسوا أقساما منها.

حيث استغرق من الباحثين المختصين في هذه اللغات قرابة عشرين عاما من الدراسة والبحث في أصول مفرداته وقد قام كل من الباحث الأمريكي دانيال فارسكو والبريطاني ج. ركس سمث وهما مختصان في تاريخ وحضارة اليمن بصفة خاصة والجزيرة العربية بصفة عامة" بنشر هذه المخطوطة وإعادة ترتيب صفحاتها، لتظهر في شكل صورة شمسية مع مقدمة شاملة عن الدولة الرسولية وعهد السلطان الأفضل خاصة ، ثم عملا فهرسا تفصيلياً توصيفياً لكل قسم من أقسام هذه المخطوطة.....) وقد نوهت به جريدة " نيويورك تايمز " الأمريكية في عددها الصادر في اليوم الثالث من فبراير "شباط" سنة 1981م بهذا القاموس العجيب والمعجم الفريد .

ومؤلفات أخرى عجيبة :

ومن مؤلفات السلطان الأشرف اسماعيل الرسولي كتاب : ( العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في أخبار الخلفاء والملوك ) ، و( العقود اللؤلؤية في أخبار الدولة الرسولية ) وهذا الكتاب هو كتاب آخر غير كتاب : (العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية ) تأليف المؤرخ علي بن حسن الخزرجي ، ومن مؤلفات السلطان الأشرف اسماعيل الرسولي كتاب : ( فاكهة الزمن ومفاكهة الأدب والفن في أخبار

من ملك اليمن ) .

أما الكتب التي ألفها العلماء والأدباء والمؤرخون وأهدوها لملوك الدولة الرسولية فهي كثيرة جدا وقد ذكرت في الحلقة الأولى قصة الهدية التي وصلت للملك المؤيد وهي نسخة من كتاب ( الأغاني ) بخط ياقوت المستعصمي فمنح من أهداه الكتاب ألفين جنيه ذهبية .

لقد ملوك الدولة الرسولية يكرمون كل من يهدي إليهم الكتب ولاسيما أن يكون العالم قد ألف كتابه وكتب الاهداء عليه للملك الرسولي ، وذكرنا قصة القاضي الفقيه جمال الدين محمد الحثيثي والذي أهدى السلطان الأشرف إسماعيل كتابه الشهير ( التفقيه في شرح التنبيه ) في أربع وعشرين مجلد فاستقبل الكتاب بموكب مهيب ومنح القاضي جمال الدين 48 ألف درهم وهو ما يساوي أربعة آلاف مثقال ذهبا ، وذكر صاحب كتاب ( تاريخ اليمن ) بأنه أهدى كتابه للملك الأشرف أجازه باثني عشر ألف دينار .

وقد ألف العلامة الفيروز آبادي كتابه الشهير ( القاموس المحيط ) وأراد أن يهديه للسلطان الأشرف اسماعيل وجعل أول كل سطر يبدأ بحرف الألف أول أحرف السلطان الأشرف اسماعيل فأستعظم الأشرف هذا الكتاب وأحتفى به ووقع منه موقعا عظيما ومنح الفيروز آبادي من تأليف كتابه جعل الإهداء للسلطان فبالغ الأشرف في إكرامه إلى درجة أخجلته وتزوج بأبنته لكي يضمن بقاءه في اليمن فلما وجد الفيروز آبادي هذا الكرم من الأشرف اسماعيل ألف كتابا آخر مجاملة للملك الأشرف بعنوان ( تحفة القماعيل فيمن تسمى من الملائكة والناس باسم اسماعيل ) ، كما أن الفيروز آبادي عكف على تأليف كتابه ( الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الإجتهاد ) فلما فرغ من تأليف الكتاب حمله فوق ثلاثة رجال إلى باب قصر السلطان الأشرف في 15 شعبان سنة 800 هـ وقد أستقبل الأشرف الكتاب استقبالا عظيما واحتفالا مهيبا بالطبول والدفوف وبرجال الدولة والقضاة وطلبة العلم فلما وصل الفيروز آبادي وقدم الكتاب للملك الأشرف تصفحه بسعادة غامرة ومنحه من فوره ثلاثة الاف دينار ذهبية .

يقول القاضي اسماعيل الأكوع : ( فكان هذا الكرم الفياض والجود غير المحدود حافزا لكثير من العلماء ليولوا وجههم شطر اليمن ، فمنهم من ألقى عصا الترحال فيها واتخذها وطنا له بعد أن أنيط به من الأعمال المؤهلة ما يليق به ، كما جرى للزكي الحسن بن عمران البيلقاني الفقيه الأصولي المنطقي فإنه حين قدم إلى عدن كتب محمد بن الفارسي والي عدن إلى السلطان المظفر يوسف بن عمر الرسولي يعلمه بقدوم البيلقاني إلى عدن ، وأنه من أكابر علماء العجم ، فأجاب عليه فورا بأن يجهزه ويسيره إليه في موكب كبير فلما وصل تعز قدم إلى المظفر استقبله بموكب مهيب وأكرمه وأعظمه ومنحه الأموال الكثيرة ثم عينه بعد ذلك مدرسا في المدرسة المنصورية بعدن براتب جزيل وبسكن فاخر وظل يدرس في تلك المدرسة حتى توفي بعدن سنة 676هـ .

ومن العلماء الذين قدموا إلى اليمن في عهد الدولة الرسولية وآثر البقاء فيها الفقيه عبد الحميد بن عبد الرحمن الجيلوني من كورة جيلون في بلاد فارس حيث قدم إلى تعز سنة 717هـ من الحجاز فأجتمع به حاكم تعز عمر بن العراف وأكرمه وعين له منزلا فارها وراتبا كبيرا فظل يدرس في المدرسة الأحمدية بتعز ست سنوات ولكنه أشتاق إلى وطنه وقرر العودة وفي طريقه إلى عدن توفي في ربيع الآخر سنة 723 هـ رحمه الله ..    

 في الحلقة القادمة سوف نورد قصص العلامة الفيروز آبادي مع الملك الأشرف وهي قصص عجيبة كما سنروي قصة الكتاب الشهير " عنوان الشرف الوافي في علم الفقه والتاريخ والنحو العروض والقوافي ) والذي ألفه شرف الدين اسماعيل بن أبي بكر المقري المتوفي بزبيد سنة 837هـ وهو كتاب فريد عصره ونسيح وحده ، وسيأتي ذكره بإذن الله في الحلقة الرابعة .