الحوثي والمرأة في اليمن
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: سنة و 9 أشهر و 16 يوماً
السبت 04 فبراير-شباط 2023 05:58 م
 

في شباط/ فبراير من عام 2021، وفي العاصمة اليمنية صنعاء اعتقلت ميليشيات الحوثي الفنانة اليمنية انتصار الحمادي، بتهمة «الإخلال بالآداب العامة ومخالفة أحكام الشريعة الإسلامية» ولا تزال الفنانة البالغة من العمر 22 عاماً رهن الاعتقال.

في بيان لمنظمة العفو الدولية في مايو/أيار من العام نفسه دعت المنظمة سلطات الميليشيا إلى إطلاق سراح الحمادي والتوقف عن خطط الجماعة لإجراء «فحص العذرية» على المعتقلة التي ذكرت المنظمة أنها اعتقلت بتهم «ملفقة» وحتى اليوم لا تزال انتصار الحمادي تقبع في سجون الميليشيات، كآلاف المعتقلين السياسيين لدى الميليشيا.

وقبل أيام، وفي صنعاء كذلك علق عناصر الميليشيا لافتات كبيرة في الشوارع الرئيسية تدعو العائلات إلى عدم التنزه والجلوس على جانبي «السايلة» وهي مجرى مرصوف لتصريف مياه الأمطار في صنعاء، ويستعمل كطريق سيارات كذلك، وهو في الأصل ليس مكاناً للفرجة، لكن ندرة المتنزهات جعل بعض العائلات يتخذون منه مكاناً للنزهة، الأمر الذي حدا بسلطة الميليشيا لتعليق تلك اللافتات لتحذير خروج العائلات إلى مثل هذا المكان، حفاظاً على ما تسميه الميليشيا «الهوية الإيمانية» وكي لا «نتشبه بالغرب واليهود والنصارى».

وقبل ذلك أجبرت سلطة الميليشيا الصحافي نبيل الشرعبي على كتابة تعهد بعدم دخول جامعة صنعاء التي جاء إلى إحدى قاعاتها، للمشاركة في مناقشة مشاريع تخرج عدد من طلبة كلية الإعلام، حيث شوهد خارجاً من الجامعة بمعية طالبتين في عمر ابنته دون محرم لهما، الأمر الذي نتج عنه توقيفه من قبل عناصر الأمن، وإجباره على كتابة تعهد بعدم دخول الجامعة مرة أخرى، حسب منشور له على موقع فيسبوك.

يرى أنصار الحوثي أن تصرف الميليشيا يبرره «الحرص على العفة، ومنع ممارسات غير لائقة بثقافة المجتمع اليمني» مع أن اليمنيين منذ عشرات السنين يمارسون حياتهم بشكل طبيعي، دون أن يطرح أحد قبل مجيء الحوثيين أن ذلك «تشبه باليهود والنصارى» أو مخالف لـ«الهوية الإيمانية» وهو المصطلح الذي تتحدث عنه وسائل إعلام ووعاظ الحوثيين صباح مساء، والذي يدور حول جملة من المعتقدات والسلوكيات التي تعكس في مجملها محاولة تكريس أفكار طائفية، بشكل يصدق معه إطلاق تسمية «الهوية الطائفية» لا الإيمانية عليها، لأن تلك الأفكار قائمة أصلاً على ما يسميه الحوثي «الولاء لأهل البيت» حسب مفهومه لـ«أهل البيت» الذي يعني في تصوره الولاء له، على اعتبار أنه «عَلَم الهدى» الذي تنطبق عليه شروط قيادة الأمة، حسب التصور الحوثي لهذه القيادة.

وقبل أن يتبادر إلى الأذهان أن «جماعة العفة» هذه حريصة على حشمة المرأة نورد هنا بعض الممارسات الموثقة لهذه الميليشيات، وهي ممارسات لا تنم عن حرص على عفة المرأة وصيانة المجتمع، قدر ما تنم عن توظيف لا أخلاقي مشين للمرأة، بما يخدم توجه تلك المليشيات، حيث أشارت تقارير حقوقية يمنية ودولية إلى «انتهاكات جنسية» تمارسها قيادات أمنية تابعة للميليشيات ضد معتقلات سياسيات في سجون هذه الميليشيات، بعد أن تم تلفيق تهم «مخلة بالآداب» لهن، كما تم تصويرهن في السجن، وهن في أوضاع خاصة،

لغرض ابتزازهن وابتزاز أسرهن، لضمان عدم عودتهن إلى ممارسة أية أنشطة تراها جماعة الحوثي معارضة لنهجها، ونظراً لحساسية مثل تلك المواضيع فقد آثر الكثير من السجينات والعائلات الصمت على تلك الممارسات، خوفاً من «العار» في مجتمع محافظ، الأمر الذي شجع الحوثيين على الاستمرار في هذا النهج.

وقد أدان فريق الخبراء الأمميين في تقريره للعام 2021 قيام الحوثيين باحتجاز ناشطات عارضن آراءهم سياسياً أو مهنياً، وقال التقرير إنه تم «تعذيبهن وتشويههن والاعتداء عليهن جنسياً، واستخدام مزاعم الدعارة للمعتقلات بهدف نزع الدعم المجتمعي».، كما وثق فريق الخبراء تسجيل الميليشيا «فيديوهات مخلة بالآداب احتفظت بها لمواصلة استخدامها كوسيلة ضغط ضد أي معارضة من هؤلاء النساء» ناهيك عن شهادات لناجيات من سجون الحوثيين وثقت توظيف الميليشيا لبعض الفتيات، للإيقاع بخصومهم السياسيين.

وهنا يبدو التناقض الصارخ بين ما تدعيه تلك الميليشيات من حرص على «عفة المرأة وطهارة المجتمع» من جهة، وممارساتها المشينة ضد المرأة وتوظيفها بشكل لا أخلاقي من جهة أخرى. ومع ذلك فإن الميليشيا ترى أنها تكسب سياسياً في الحالين: فمن ناحية تلعب دور الحريص على عفة اليمنيات في

مجتمع محافظ، الأمر الذي يكسبها شيئاً من المشروعية الشعبوية، كسلطة حريصة على «الالتزام بتقاليد المجتمع ودينه» ومن ناحية أخرى فإن الميليشيات لا تتورع عن القيام بممارسات لا أخلاقية في حق السجينات السياسيات من أجل الضغط والنيل منهن لأسباب سياسية، لا علاقة لها بالتهم الملفقة الموجهة لهن، حسب التقارير الأممية الموثقة.

وهنا يظهر أن سلطة الميليشيات تتعامل مع المرأة، وفقاً للأهداف التي ترجوها من وراء ممارساتها بحق المرأة، سواء كانت تلك الممارسات بالتضييق على الحريات الخاصة بدعوى الحفاظ على عفتها وحشمتها، أو بما ذكرته التقارير الدولية من ممارسات ضد الناشطات المعارضات في سجون تلك الميليشيات، وما وثقته ناشطات خرجن من سجون الحوثيين عن توظيف الجماعة غير الأخلاقي لفتيات للنيل من خصومهم السياسيين.

وبالإشارة إلى مفاهيم الميليشيا حول: «العفة والهوية الإيمانية وعدم التشبه بالغرب والثورة الثقافية والغزو الثقافي الناعم» نجد أن الجماعة قد نسخت تلك المصطلحات بشكل حرفي من السياق الثقافي والسياسي الإيراني، وذلك لاستغلالها وظيفياً في الدعاية السياسية وقمع المعارضين، تماماً كما يوظف شعار الجماعة المأخوذ من الشعار الإيراني المعروف «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل» والذي أضاف له الحوثيون «اللعنة على اليهود، النصر للإسلام» حيث يُلعن اليهود دون تمييز، ويُهتف بالنصر لإسلام مفصل على مقاساتهم الطائفية، أما الإسلام الآخر، فإنه «إسلام تكفيري، وهابي، داعشي» يستحق أن يُبدأ بقتاله، لأن «الجهاد ضده مقدم على الجهاد ضد أمريكا وإسرائيل» حسب تصريحات مكررة لقيادات الميليشيا الدينية والسياسية.