فضائية (سُهيل) والغباء الحاكم
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 12 يوماً
الثلاثاء 01 سبتمبر-أيلول 2009 02:14 م

اثناء قراءتي لخبر ترحيب المصدر الإعلامي (المجهول) بقرار الحكومة الكويتية بإيقاف بث قناة (سُهيل), كدتُ أسقط أرضاً جراء نوبة ضحك أصابتني, وساعدني على عدم السقوط حالة حزن لحقت بي على وطن يُدفع به إلى حافة الهاوية بفضل (الغباء) الحاكم.

في خبر الترحيب بـ "هذا القرار الإيجابي لقي إرتياحاً كبيراً في الأوساط الشعب اليمني", كانت هذه العبارة وحدها مثاراً للضحك والحسرة معاً بصورة مضاعفة.

 فلأن (غباءنا) الحاكم - عفواً أقصد نظامنا الحاكم - يمتلك قدرات سحرية غير التي نعرفها, فقد نفذ خلال يومين إستطلاعات رأي عام ورصدت عدساته الصدئة مسيرات شعبية في مختلف محافظات ومديريات اليمن تعبر عن الفرحة والإرتياح للقرار الكويتي بإغلاق بث (قناة مُقلقة) ليس بمضمونها, لكن بالتوجه الذي تمثله والشخص المتهمة بتبعيتها له. 

بل أن ذلك الإرتياح الشعبي (العارم) ذكرني بقصة مماثلة تكشف الآليات العصرية التي يقيس بها النظام الحاكم حالات الشارع العام سواءاً كانت إرتياح أو غضب.

 ففي عام 2006م أثناء زيارة الوفد البرلماني لمحافظة صعدة لتهدئة سبقت الإنتخابات الرئاسية, فيما نحن متوجهين لحضور مهرجان إحتفائي في منطقة مران بالقرب من منزل حسين الحوثي, حيث أنطلقت شرارة الحرب الأولى, وصلتني رسالة خبرية عبر الموبايل ضمن خدمات صحيفة 26 سبتمبر.

بالتأكيد سيصدق القاريء مضمون الرسالة الخبرية لخبرتنا الطويلة بهذا الغباء الحاكم, ففيما كان الموكب البرلماني يسير في مديرية ساقين بإتجاه مران, ولا زال أمامنا جبال شاهقة وطرق وعرة حتى نصل, أفادت الرسالة بأن "أبناء مران بصعدة يؤكدون إلتزامهم بالثوابت الوطنية ونبذهم للعنف والتطرف".

طبعاً, الزميل موفد صحيفة 26 سبتمبر كان هو من أرسل الخبر وهو برفقتنا في ذات السيارة ولا يزال أمامنا ساعتين تقريباً حتى يتسنى له نقل مايحدث في مران سواءاً ترحيب أو تأكيد أو إرتياح أو غيره.

 والمفاجأة أنه بمجرد الوصول إلى مران وتفحص المشاركين في المهرجان لاحظت عدم وجود أبناء مران, فالمحتشدين كانوا النواب ومرافقيهم والقيادات العسكرية والأمنية والإدارية ومرافقيهم ونحن والعسكريين المرابطين في المنطقة. 

وعودةً إلى خبر الترحيب, فقد برر الإرتياح الشعبي الكبير, لما كانت تبثه "تلك القناة من برامج تروج لسموم الفتنة والفرقة وتضليل الرأي العام وتسيء لليمن والشعب اليمني", ولأني واحد من الذين فُجعوا بأداء القناة الهزيل والركيك في الشكل والمضمون, تسمرت أمام هذه العبارة وعجزت عن الحركة تماماً.

لقد أحبط (الغباء) الحاكم حملات النقد والتشنيع التي أقودها والكثير من الزملاء ضد إدارة القناة بسبب الشكل والمضمون الهزيل الذي ظهرت به, فالأغبياء دفعونا إلى رصيف (الفرغة) والإنشغال بحرب صعدة وإطفاءات الكهرباء وأحتجاجات المياه بعد أن وجدنا فيها وإدارتها (شباك مرمى) نوجه إليه أهداف و(أجوال) النقد.

حكامنا (الأذكياء) لم تعجبهم تلك المواعظ والخواطر الدينية حول الوحدة ونبذ الفرقة والتشتت, ووجدوا في الأناشيد الداعية للوحدة والمتغنية باليمن شمالاً وجنوباً, شرقاً وغرباً, سموم فتنة وفرقة, وسببت لهم تلك الحوارات (هزيلة الصوت, ركيكة الصورة, ضعيفة الأداء) مغصاً وأوجاعاً في المعدة دفعتهم للإعتقاد أنها تضلل الرأي العام وتسيء لليمن وشعبها.

لقد أحبطوا مخططاتنا ومؤامراتنا وأجهضوا مشاريعنا في النقد والسلخ والتشنيع, نحن فُجعنا بقناة كنا – والكثيرين - ننتظرها يمنية خالصة, تعكس صورة اليمن سلباً وإيجاباً, وترسم مايدور فيه في السياسة والإقتصاد والمجتمع والرياضة والفن والثقافة وبمختلف الألوان الصحفية والتلفزيونية وتهتم بالرجل والمرأة والطفل والعامل والمعلم والسياسي والتاجر والفلاح وربة البيت.

 وجدناها قناة تقدم مواداً أغلبها مواعظ ومحاضرات وأناشيد دينية (محلية وعربية) لا تختلف كثيراً عما تبثه قنوات دينية تمتلك إمكانيات مادية وبشرية وفنية أفضل منها بكثير, ولن تكون (سُهيل) أفضل منها, ولن تتميز إلا بكونها يمنية خالصة, مهنية جادة, وموضوعية شاملة.

لكن للغباء الحاكم حكمه, وكان بإمكانهم على الأقل السكوت ليستمروا في جعجعتهم عن الديمقراطية وحرية الصحافة, لننشغل بالبحث عن سبب إيقاف القناة والمسئول عنه, فيما نحن المتذمرين سنجد لأنفسنا فرصاً لتحميل إدارة القناة المسئولية ونجعلها (كبش) عيد الفطر القادم. 

المصدر الإعلامي المتشبع بثقافة الغباء والعنجهية لا يختلف في تبجحه حول سبب الإرتياح الشعبي (المزعوم) لإيقاف بث القناة من الأراضي الكويتية, عن التبجح الرسمي القائم على إنكار إيقاف 8 صحف, فصحيفة الأيام توقفت بقرار ذاتي بحسب ذلك, وليس تحت الحصار العسكري في عدن ومعاول لجان الدفاع عن الوحدة التي أتلفت عشرات الآلاف من النسخ خلال 3 أيام فقط.

علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا, ونتحرك لمطالبة (الغباء) الحاكم بأمرين لا ثالث لهما: إلغاء الأحزاب والمنظمات والصحف ومجالس النواب والمحليات والعودة بالتشريعات والتصريحات إلى ماقبل 22 مايو 1990م إتساقاً مع الواقع, أو العودة بالواقع إلى مايتفق مع نصوص الدستور والتصريحات الممجوجة حول الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية وحرية الصحافة.