العاشر من سبتمبر في أمريكا (2)
بقلم/ محمد جمال الدين
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 18 يوماً
الأحد 07 مارس - آذار 2010 01:18 م

ستقرأ في( 2):

مدينة ( Pocatello )- المسلمون في تلك المدينة والتعاون الاجتماعي بينهم- رمضان والعيد هناك- التعامل الاجتماعي المدني والرسمي.

وفي (3):

البنت تتحول إلى ولد- الغربة والشعور بالوحدة- المرأة في أمريكا والوطن العربي- اليمنيون في أمريكا- خاتمه- كلمات شكر.

عندما قال ذلك الشاب: أنا عصام جمال الدين أحسست وكأني أطير في الهواء، أو كما قال الشاعر إبراهيم ناجي:

ويدٍ تمتد نحوي كَيدٍ من خلال الموج مُدت لغريق

ضميته وتعانقنا عناقاً عربياً (بالرغم أنه في تقاليد المجتمع الأمريكي عيب أن يسلم على الرجل على الرجل في خديه بينما يجب أن تقبل المرأة في خدها وتضمها إلى صدرك). أكمل لي التعارف فقال: عصام جمال الدين أمريكي الجنسية من أصل فلسطيني أدرس صيدلة, وقد رأيت اليوم في الجامعة امرأة محجبة, فألقيت عليها السلام فردت بالعربي: وعليكم السلام وقالت لي بعد التعارف: "إن زوجي سيصل إلى المطار وليس لدي من يستقبله, فهل تقوم بذلك؟", قلت لها: سأفعل وها أنا جئت لاستقبالك.

سألني: أين حقائبك؟ فقلت له: لا أدري إلا حقيبتي اليدوية، أخذ بيدي إلى خدمات المطار وسألهم عن حقائبي، فقالوا له إن شركتهم لم تحمل له حقائبا، فأعطاهم الوصف والتذاكر السابقة ورقم هاتفه وعنوان منزلي وانطلقنا إلى المدينة.

فكنت أول يمني يطأ بقدميه المعفرتين أرض هذه المدينة، كانت الساعة تشير إلى حوالي السابعة والنصف بتوقيت تلك المدينة والتي تفرق عنا في اليمن حوالي تسع ساعات. أما الحقائب فقد وصلت إلى البيت بعد أسبوع وكما رُتبت في اليمن.

بوكاتللو ( Pocatello )

إنها مدينة صغيرة علمية (سميتها زبيد الصغرى)؛ لأن مرتاديها أغلبهم من الطلاب سواء المحليين أو الدوليين، مدينة صغيرة يحتضنها جبل من الغرب، سكانها في ذلك الحين وحسب تقريرهم حوالي ستة آلاف نسمة أغلبهم من النساء. إنها مدينة هادئة لا مشاكل فيها ولا ضجيج، ترى فيها كل الفصول الأربعة وترى فيها ثلاثة ألوان تصحبك طوال العام في الربيع والصيف تكتسي باللون الأخضر وفي الشتاء باللون الأبيض وفي الخريف باللون البني، مدينة يقابلك أهلها بالابتسامة في أي مكان ذهبت إليه. تقع هذه المدينة في الجنوب الشرقي من ولاية إيداهو ( Idaho )، وولاية ايداهو تقع في شمال أمريكا وعلى الحدود مع كندا، وتشتهر بزراعة البطاط، حيث تغطي معظم ولايات أمريكا من البطاط. وهذه المدينة أهلها متدينون لدرجة التشدد (مورمن, يحرّمون شرب الشاي والقهوة) لكنهم لا يتعرضون للديانات الأخرى بسوء, فلقد كنا نستقبل القِبلة ونصلي في ساحة الجامعة وهم ينظرون إلينا.

المسلمون والتعاون الاجتماعي

حينما وصلنا إلى تلك المدينة الصغيرة، كان المسلمون فيها مابين العشرة والاثني عشر مسلما ومسلمة منهم أمريكي وأمريكية. وهم موزعون على باكستان والهند وماليزيا وذلك الشاب الفلسطيني الأصل الذي استقبلني في المطار. تجمعنا بهم تلك الغرف التي استأجرها أحد الموسرين لتكون مسجداً نلتقي فيه كل يوم جمعة لنستمع إلى خطبة بالإنجليزي, في بداية الأمر كنت لا أفهم منها شيئاً سوى تلك الآيات القرآنية التي تتخللها، وكل جمعة يكون خطيباً؛ لأن معظمهم طلاب بكالوريوس وماجستير ودكتوراه عدا نزر قليل... قد لا يذكر غير متعلمين، كنا في ساعة صلاة الجمعة نشعر بالاطمئنان والسكينة والحمية على الإسلام والمسلمين ونتبادل التحايا والسؤال عن الأحوال والحياة، وبما أني الوحيد القادم جديداً وليس لدي سيارة لأقضي بها حوائجي.... فكل منهم يعرض خدماته ويناولني رقم هاتفه وساعات عمله أو دراسته، كي أتصل به إذا رغبت في التسوق أو الذهاب إلى مكان لي حاجة فيه، أمدُّ يدي على استحياء لتلك الأرقام وأدسها في جيبي، وأنا محرج, لم يتركوا الحرج يغطي ملامحي بل قالوا سنتصل بك نحن، وبالفعل كانوا يتصلون بي بين الحين والآخر لعرض خدماتهم ، وخاصة تلك المرأة الأمريكية المسلمة التي أصبح اسمها إيمان, كانت تلازمنا في أغلب الأوقات في التسوق والذهاب إلى المستشفى وفي التجوال، وكان عملها هذا يخفف عنا عبء الأسئلة عن الأماكن. هؤلاء المسلمون قليلون بعددهم, كثيرون بتعاونهم, أجناسهم مختلفة وألسنتهم مختلفة وتجمعهم "لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، لم أر في مسلمي بلادنا ما رأيت فيهم من الالتفاف حول بعضهم ومد يد العون لكل من يحتاج العون.

بدأت أسأل وأتحرى عن عرب في المنطقة لأتعرف عليهم، لكن دون جدوى، إلا أن هناك رجلا أردنيا يحمل الجنسية الأمريكية يدعى (أبو نادر) يعيش بالقرب من تلك المدينة هو وأسرته يبعد عنا حوالي 45 ميل، وبالفعل حصلت على رقم هاتفه وتواصلت معه وطلبت منه أن نتبادل الزيارات والاتصالات، وبالفعل حصل ذلك وكان رجلاً وفياً, كنا نتزاور في كل سبت أو أحد، في بداية الأمر كان هو الذي يأخذ أسرته ويأتي إلينا، لنقضي يوماً عربياً لغةً وطعاماً. ووجدت في هذا تخفيفاً لبعض أعبائي.

التحقت بكلية (التكنولوجيا)؛ لأواكب المجتمع لغةً وحتى أتمكن من تحضير دراستي فيما بعد. أعرج بكم على هذه الكلية.

هذه الكلية تقوم بتدريس اللغة الانجليزية و ثقافة المجتمع الأمريكي، ومهارات الحياة، كم يتمنى المرء لا تقول في اليمن فحسب بل في الوطن العربي أن يكون هناك كليات مماثلة تستقطب كل قادم من مجتمع غير عربي لنشر ثقافة المجتمع العربي وتعليم لغته، لكن للأسف.

ما كل ما يتمنى المرء يدركه/ تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

عندما وصلت إلى الكلية بصحبة زوجتي وكانت هي بمثابة ولي الأمر تذكرت أيام الطفولة حين يأخذ الأب أو الأم صغيره ويذهب به إلى المدرسة في بداية العام الدراسي. أخذت تتحدث ... مع الدكتورة المسئولة عن الدراسة بلغة لم أفهم منها شيئا، فناولتها ورقة قامت بتعبئتها، فسألتُ زوجتي عما يدور؟, فقالت: تم تسجيلك وستبدأ الدراسة من الساعة الثامنة كل يوم حتى الساعة الثانية عشرة.

بدأت الدراسة فأحضروا لي تلفزيوناً وفيديو وقامت الدكتورة بوضع السماعة على أذني، فبدأت أشاهد أشرطة الفيديو شريطاً شريطاً حوالي أسبوع, وكان مضمون الأشرطة عبارة عن كلمات إنجليزية وأمامها مدلولها أي بالصورة ثم قصة ومدلولها, بعد انتهاء الأسبوع الأول كان لدي حصيلة لا بأس بها من الكلمات الإنجليزية, بعدها طلبت الدكتورة أستاذا وأستاذة يتناوبان على تدريسي كل يوم من الساعة الثامنة حتى التاسعة, وبعد التاسعة انضم إلى محاضراتها، وكم من مجهودٍ بذل من ذلك الأستاذ وتلك الأستاذة, حين كان يصعب عليَّ فهم بعض الكلمات يقومان بالبحث عن صورة تقرب لي المعنى وفي حالة عجزهما عن أيجاد صورة يقومان برسمها وتفسيرها بكلمات أخرى بمعنى (إنجليزي – إنجليزي). أخذت الأيام تمضي وأخذت ألمُّ باللغة الإنجليزية وخاصة أن المحيط كان يساعد على التعلم، وبدأت أفهم أشياء من عادات وتقاليد المجتمع الأمريكي. وكنا في قي قاعة الدرس من العديد من الدول وأغلب الطلاب لا يجيدون اللغة الانجليزية, وكنا بالفعل كأنا في مدرسة البكم نتفاهم بلغة الإشارة حتى أني رشحت لغة الإشارة على أنها اللغة العالمية التي يجتمع عليها البشر.

رمضان هناك

بدأت الأيام تقترب من شهر رمضان الذي صادف في أكتوبر وبدأنا نبحث عن الأشياء التي نحتاجها في رمضان وخاصة التمر، ولم يكن التمر موجودا في أسواقهم ولكن بمجرد اقتراب رمضان وجدناه يملأ الأسواق وكأنهم يدركون ذلك بل هم يحسبون حساب ذلك.

اقترب حلول الشهر واقترب وأخذنا نبحث عن وسيلة تعلمنا بالمواقيت وليس أمامنا سوى الإنترنت وتلك الاتصالات التي نجريها مع المسلمين هناك, فقد أكدوا لنا أنه ليس هناك صعوبة فسوف نبلغكم في حينها عن بدء الصيام وعن مواقيت الإفطار فنحن نتبع هيئة المسلمين في شمال أمريكا- ربما صام المسلمون في جنوب أمريكا ولم يصم المسلمون في شمالها بعض الأحيان والعكس.

وبالفعل بُلّغنا أن يوم غدٍ هو أول أيام رمضان ووصلت معلومات عبر الإنترنت عن موعد الإمساك والإفطار، وصمنا أول يوم . لم نشاهد تلك الأجواء الرمضانية المعتادة في الوطن العربي، فالناس يأكلون ويشربون ويدخنون. وما أدهشني في أول يوم أصمه هناك أن الدكتورة قبل بداية المحاضرة سألتني ( you are faster ?) أي أنت صائم؟ فأجبتها بالإيجاب، فقالت ( congratulations ) أي مبارك رمضان, وبدأت تشرح للطلاب الذين هم من ألمانيا والصين والمكسيك وتايلند وروسيا ودول أخرى, عن الصوم عند المسلمين وعند غير المسلمين.

أما بالنسبة للمسلمين فكنا بعد الإفطار نصلي المغرب في بيوتنا ونتعشى ثم نأخذ معنا بعضاً من الحلوى والقهوة, وخاصة القهوة اليمنية التي كان الكل ينتظرها، نأخذها ونذهب إلى المسجد, فنصلي العشاء ثم نصلي التراويح, نقرأ في الركعة صفحتين أو ثلاث من القرآن, كي لا نطيل فأغلب المسلمين طلاب ودكاترة ولديهم أعمال في اليوم الثاني, هذا بالنسبة لأيام العمل, أما يوم السبت والأحد فله رونق آخر حيث كنا نذهب إلى المسجد مصطحبين فطورنا وعشاءنا وتكون هناك مائدة فيها أنواع الأكلات, فالصحن الماليزي المُسكّر، والزربيان الهندي وبنت الصحن اليمنية، والحلوى بأنواعها، فنفطر ونصلي المغرب ثم نتناول وجبة العشاء ونصلي العشاء، ونقيم التراويح (علماً بأن هناك مصلى للنساء في الغرفة الخلفية لغرفة الرجال).. وأريد أن أنقل لكم أيها القراء بعض المشاعر عن هذه الطقوس..

إن الشعور بالإسلام وإقامة الصلاة والصوم هناك له إحساس آخر تحس بوحدة المسلمين, تحس بمشاعر أنك تؤدي الصلاة إيماناً بها لا تقليداً ولا مراءاة ولا خوفاً من أن يقال إنك لا تصلي، فإن لم تصل فلن يقال عنك شيء, وإن لم تصم فلن يقال إنك مفطر, وبعد أيام من رمضان ومن تلك الاجتماعات اليومية والأسبوعية حضر معنا أحد مراسلي الصحف فأجلسناه معنا وبدأ يراقب ما نفعل ابتداءً من الوضوء وانتهاء بالإفطار والأذان وأداء الصلاة وتناول الوجبة وصلاة التراويح, حضر معنا أكثر من ثلاث مرات وكتب عن المسلمين صفحة كاملة في جريدة الولاية (أتمنى من موقع مأرب برس أن يرفق صفحة تلك الجريدة).

أما العيد فكان احتفاله بشكل أوسع، نؤدي الصلاة في المسجد ونقدم التهاني لبعضنا, وفي أقرب سبت أو أحد يقوم مسئول المسجد باستئجار إحدى قاعات الجامعة الكبرى، ثم يحدد موعد الحضور للاحتفال بالعيد, فنقوم بوضع الموائد على طاولات في ركن القاعة موائد مليئة بأصناف المأكولات والمشروبات، وندعو أصدقاءنا من الأمريكيين وغيرهم ومسئول الطلاب الدوليين والشخصيات المهمة في الجامعة لحضور تلك المائدة والتي يحضرها مسلمون من المدن المجاورة لمدينتنا فيزداد عددنا, ويتم توافدنا من حوالي الساعة الحادية عشرة صباحاً, حيث نبدأ بترتيب الطاولات وترتيب الطعام ونقوم بفرش سجاد الصلاة في إحدى الزوايا ويبدأ الحضور بالتوافد والجلوس على الطاولات, أما نحن فنتهيأ لصلاة الظهر ويقوم أحد المسلمين بالأذان, وما أجمل (الله أكبر الله أكبر) في ذلك المكان الذي لا تسمع فيه إلا رنين النواقيس، نصلي ثم نقوم بلف السجاد، وندعو ضيوفنا للمرور على أصناف الطعام؛ ليأخذ كل واحد منهم ما يكفيه ثم يعود لطاولته، ونفعل نحن كذلك، وبعد الانتهاء من تناول الطعام نهيأ طاولة وثلاثة كراسي أجلس في إحداها وبجانبي ذلك الشاب الفلسطيني وتلك المرأة المسلمة نجيب عن الأسئلة التي تدور في أذهان غير المسلمين وبالرغم من أن لغتي لم تصل إلى ذروتها إلا أني كنت أستعين بـ(عصام جمال الدين) في الترجمة. قد يتبادر إلى ذهن القارئ بأنا مفتين، لا فنحن لسنا كذلك ولا في موقف إفتاء؛ ولكن توضيح. وإذا سُئلنا عن أمور دينية فقهية لا نستطيع الإجابة عنها نقول لهم هذه أمور أكبر منا ولها مختصون.

المهم كان من أهم أسئلتهم، لماذا تضع المرأة المسلمة الغطاء على رأسها؟ وكيف تصومون؟ وكم مرة تصلون؟ يعني أسئلة بديهية، والأهم من ذلك كله هي الأسئلة التي توجه إلى المرأة المسلمة الأمريكية, لماذا أسلمت؟ وكيف وجدت الحياة بعد إسلامك؟ وبعد الانتهاء من تلك الحلقة، نبدأ نبحث عن الجوانب الترفيهية فيقوم البعض بإجراء المسابقات, ويقوم الآخر بالذهاب إلى صالة الألعاب، فنقضي يوماً من أجمل الأيام.

نلتقي في 3.

*للاطلاع على "العاشر من سبتمبر في أمريكا (1)", انقر هنـــا.