ثقافة الحوار بين التأصيل الديني والموروث الاجتماعي
بقلم/ د. عبدالله محمد الشامي
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 27 يوماً
السبت 21 أغسطس-آب 2010 01:21 ص

تحولت ثقافة الحوار سمه من سمات العصر الذي نعيشه، حيث أضحت الشغل الشاغل للأمم والمجتمعات والحكومات ،كما تجلت في أدبيات الفكر والسياسة والاقتصاد والإعلام والاجتماع .فمن حوار الحضارات إلى حوار الشمال والجنوب ، و الحوار العربي الأوربي ، و الحوار الإسلامي المسيحي ،والحوار الإسلامي الإسلامي..........الخ.

 وكأن البشرية أمام اكتشاف مثير كانت غافله عنه وباكتشافها هذا سوف تعيد التوازن إلى حالة الانسداد التي وصلة إليه في طريقة معالجة قضايا الاختلاف ،صحيح أن التطور المعرفي الهائل الذي تشهده البشرية وما افرز من مشكلات يتطلب حوار هادف بين الثقافات والحضارات بهدف إقامة جسور من التفاهم بين الأمم والشعوب لبلوغ مستوى من التعايش الثقافي والحضاري وكوننا كأمه إسلاميه وعربيه بشكل عام وشعب يمني بشكل خاص معنيين بما يدور حولنا وملزمين بتقديم مالدينا من أفكار وتصورات تجاه مجمل القضايا والتحديات التي تواجهها البشرية والتي تمثل في مواقع كثيرة نقاط اختلاف مع الأخر.

غير انه ولكي نكون عنصر فاعل ومؤثر في مسيرة البشرية وينظر إلى دورنا باحترام واهتمام، يتطلب ذلك إجراء مراجعه لطريقة وأسلوب تحاورنا والثقافة الحاكمة لمنطق الحوار السائد بيننا وتشخيص أي ثقافة حواريه نعتمدها وأي منطق نتبناه قبل الولوج في محاورة من يقف في الجانب الأخر ,فقد لايجانبنا الصواب إذا قلنا إن أكثر مشكلانا إفرازات حقيقة لغياب ثقافة الحوار,وهذا يقودنا إلى سؤلا محوري مانوع الثقافة الحوارية التي تحكمنا ؟والتي ندير بها خلافاتنا؟

بأقلام تسيل دماء المتحاربين بسيوف الألفاظ والفكر المعقد والمسلك المتشنج وثقافة إن لم تكن معي فأنت ضدي .ثقافة يغلب عليها الاستعلاء والتكبر وعدم الاعتراف بالأخر أورثت مشكلات وأزمات وصراعات طاحنه يتسلح كل طرف في مواجهة الطرف الأخر بالدين كوسيلة كاسحه للتغلب على الخصم .

وهذا يقودنا إلى سؤل أخر هل الإسلام يشكل المكون الأساسي لثقافتنا الحوارية؟ والاجابه لاتاخذ من الباحث عناء البحث والتفكير فالمخزون الديني قدم لنا صوره مغايره لواقع الحال قدم ابهاء وانصع صور الحوار ابتداء من حوار المولى عز وجل مع الملائكة (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الد ماءونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني اعلم ملا تعلمون)الى أخر الحوار,بالإضافة الى حوار الله عز وجل مع إبليس (قال مانعك الاتسجد اذا إمرتك قال إنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك ان تتكبر فيها فاخرج انك من الصاغرين.......).والذي جراء بين المتناقضين بين الحق المطلق والشر المطلق لكن المولى عز وجل أراد أن يرسي ثقافة حواريه بين بني البشر حتى ولو كانت مع النقيض وهذه المشاهد الحوارية تتكرر في مواطن كثيرة من القران الكريم حوار الله عز وجل مع نبي الله إبراهيم عندما سأل الله ان يريه كيف يحيي الموتى وفي مشهد أخر حوار الله مع نبيه عيسى ومع نبيه موسى ,بالاضافه الى حوار نبي الله نوح مع ابنه في قصة الطوفان عندما رفض الصعود إلى السفينة ليحتمي بقمم الجبال والمجال لايتسع للمشاهد الحواريه التى قدمها القران الكريم والتي تقوم على احترام الإنسان ومحاورته أيا كانت عقيدته أو جنسيته او عصبيته او موقفه المغاير والمعادي من دون إلغاء اوعصبيه او استئصال يقول المولى عز وجل(وإنا وإياكم لعل هدى او في ضلال مبين )فالإسلام بني احترام الإنسان ايآ كانت عقيدته لذلك فقد بنى الإسلام إطار واسع من الاستعداد لتقبل الفكر الأخر والرجوع إلى الحق وعدم الاستئثار بالرأي.

لقد بني الإسلام منهج للتفكير والإقناع قايم على المنطق والحجة عند النظر في مجمل القضايا والعلاقات ابتداء من العلاقة بين الحاكم والمحكوم وانتهاء بين الزوج وزوجته والأب وابنه والمعلم وتلاميذه ....

فإذ كان الله عز وجل قد ارتضى الحوار مع كافة مخلوقاته بل مع أكثرهم شرا (إبليس) فما بال الإنسان بأخيه الإنسان

الذي يشير واقع الحال إلى إننا نعيش ثقافة منفصلة عن ذلك الإرث العظيم تتجسد في كافة الأنساق الاجتماعية ,فعلى المستوى الديني نجد من يذم الاختلاف والمختلفين بشتى التهم التي تخرجهم عن الملة والوطن ,باعتبار إن العقيدة الصحيحة واحده وأصحابها يدخلون الجنة متناسين قول المولى عز وجل (ولو شاء ربك لجعل الناس أمه واحده)

ولذلك خلقهم ليختلفون ويتنافسون في أعمار الأرض وإثراء الحياة وبالتالي فالقران جعل من الاختلاف حقيقة كونيه وإنسانيه ثابتة إلى قيام الساعة ’ومانعاتي منه دينيا يتجلى بوضوح سياسيا فثقافة الإلغاء في اعتم صورها من عدم القبول بالفكرة المعارضة وان كل مكون سواء كان حزب وتنظيم وجماعه او فرد يملك حق الاختلاف والتعبير عن تصوره تجاه القضايا المختلفة انطلاقا من مبداء انه لايوجد طرف يملك الحقيقة الكاملة والرؤية الشاملة في إدارة هذا البلد

فنحن لاستطيع استيعاب كل وجهات النظر والتأمل فيها وإعطائها ماتستحق من الدار اسه والتحليل ولعل هذا الواقع المر قد أسهمت التربية بإنتاجه والتي تكرست عبر سنوات طويلة ,ترسخت فيها صيغ الأمر كأسلوب وطريقه لتوجيه السلوك ،حيث تحول الطالب إلى متلقي وتحول المعلم إلى المرشد والموجه الذي يبتكر ويبدع ويحاور ويقنع دون نقاش اومشاركه او اعتراض من احد وهو ماافرز أجيال غير قادرة على المشاركة والعطاء في كافة المؤسسات فالأب والمسؤل والمدير والأخ الكبير وشيخ القبيلة ينظر إلى أفكارهم بنوع من التقديس ولايجوز مخالفتهم ,فعلى الجميع تقبلها ومن يخالفها يتهم بالعقوق وسوء الأدب وفي أحيان كثيرة خروج عن الدين هذا ما أفرزته التربية التي أدمجت الدين بالموروث الاجتماعي الملون بالجهل والتخلف والضعف والعجز والخصومة والعداوة والصراع .

 إزاء هذا الواقع المرير فإننا مطالبون أكثر من أي وقت مضى إعادة النظر في منظومتنا التعليمية كونها المدخل الإجباري لإحداث أي مراجعه اوفحص وتقويم وفرز ماهر من مورثات التعصب والكراهية والاستعلاء ورفض الأخر

والتأكيد على ثقافة الحوار وروح التسامح والتوازن وقبول الأخر انطلاقا من مبدأ الإمام علي الذي اعتبر الخلق صنفان إما ا خ لك في الدين او نضير لك في الخلق والذي اعتبرته الأمم المتحدة في العام 2002م كمصدر تشريع للأمم المتحدة يشيع العدالة والرأي الأخر واحترام جميع حقوق الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين

Alshami20032000@Yahoo.com