الديمقراطـية...هي العافيــة
بقلم/ دكتور/فاروق حمزة
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
الثلاثاء 05 ديسمبر-كانون الأول 2006 04:31 م

مأرب برس - خاص

أنه لمن العمق والاتساع أن تشمل مكنونان العملية الوطنية خواطرها المتكاملة... وعلى مختلف الصعد السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وهي قضية أيضا... ومرتبطة بحياة البشر المعيشية المعاشة. ويبدو أنني أبدأ الجولة الرابعة مواصلة في الكتابة بموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان لما فيه من مصلحة أساسية ومباشرة لقضايا عصرنا الراهن ومسألة الحياة العامة التي تخدم مصير البشر... لأن غالبا ما تكون الكتابة اشرف وسائل التنفيس عن النفس وهي وسيلة ذات جدوى لإبداء الآراء... وبما أن الفكر الديمقراطي ريح صافية تسمح بالجدل والأخذ والرد وتنتج رأيا...حتى ادا اشتدت الرياح أحيانا وتصادمت الآراء فان ذلك يكون كاحتكاك حجر بحجر ينتج ضؤا ينير جوانب المسألة ...وحذارا من الفكر الغوغائي الذي يخفي تحته نارا...حيث يقترب دجال وينفخ خمول الرماد ويشعل منه نارا هوجاء لاندري ما ستحدثه من دمار.

وبصرف النظر عن أي شئ إلا أنه لم يعد في يومنا هذا بالإمكان الرد على الظروف الطارئة المحلية والعالمية...فقد تغيرت خارطة القوى الاجتماعية وتوجهاتها السياسية والنفسية...كما تغيرت الظروف الخارجية بحيث لم يعد من الممكن إقناع الناس بان ماكان صالحا مندو عقود من الزمن مازال صالحا ليومنا هذا.

ثم أن الوعي قد زاد عموما في المجتمع بأهمية التحدي وضخامته وأصبحت الديمقراطية والحريات الأساسية مطلبا شعبيا ورئيسيا يتعلق بتأكيد قيمة الإنسان ودوره ومكانته وكرامته المبدئية وأصبحت مشاركة الفرد الإيجابية في حياة الجماعة السياسية هي شرط استقلالية الدولة ونزاهتها تجاه مجمل المصالح العامة... كما لم يعد من الممكن تجاهل المشاكل الثقافية التي تطرحها مسألة الهوية الوطنية وتعميق الشعور بالانتماء إلى حضارة وتاريخ محليين لاغنى عنه لتحقيق أي مشروع نهضة مستقبلية وبالتالي الشعور بالمشاركة الفعلية والإيجابية في مصير الإنسانية.

حيث أن حيثيات القناعة الصحية تكمن في عدم الحصول على أي تراكم نوعي وجدي في ميدان الخبرة الصناعية والتكنولوجيا ولا في ميدان البحث العلمي التطبيقي والأساسي الطبيعي والإنساني... ورغم وجود الدولة,إلا أن هناك بعض الممارسات الخاصة والتي تعيق تنظيم السلطة الاجتماعية والقانونية وهيكلة المجتمع المدني .

إن ما يتحتم علينا اليوم هو التفكير بجدية حتى نستطيع أن نلم بكل معالم المسألة ونحيط بها من جميع أبعادها... باختصار علينا أن نعود إلى جوهر الموضوع والى أصله ونفحص فلسفته حتى نستطيع أن نخرج بحل جديد متكامل وممكن... حيث أن القانون الاجتماعي يؤكد " أنه عندما يطرأ انحباس أو إعاقة للحركة الاجتماعية على أحد الأصعدة تتحرر الأصعدة الأخرى لا محالة"... أي في الواقع لاعادة بناء القوى الاجتماعية الفاعلة وتعبئة الجماعة وبلورة تحالفاتها الداخلية... الأمر الذي يؤهلها على مستوى المشاركة الإيجابية في الحضارة والمجموعة الدولية... فليس هدف المراجعة التجريح ولا التدمير, وانما الكشف عن عوامل الحركة والتطور والوحدة والتلاحم الفكري والمادي وابرازها وتعميقها وتوسيعها.

إن أمة لا تستطيع أن تستوعب القيم الجديدة للحضارة تخرج من التاريخ وتتقهقر نحو البربرية... لأنه ليس هناك أمة تستطيع أن تستوعب الحضارة وابد اعتها الجديدة في إطار غير ثقافتها...فالنهضة...أي مسألتنا المطلوبة ليست بالأساس إلا التقريب بين عالمين متناقضين ومختلفين,عالم الثقافة المحلية وعالم الحضارة.

 فعلينا أن نبني ذاتنا ونؤسسها كأداة فاعلة وإيجابية من خلال تقبلنا لكل التناقضات وندركها حيت تصير حبلا مشدودا بين الماضي والحاضر والحديث والقديم...أي أن تحقق للربط في الواقع والحياة... فهذا الربط ليس معطاة نظريا ولا فكريا وانما هو هدف ومطلب يتحقق بالمجاهدة والصراع...مجاهدة النفس حتى تنتصر إمكاناتها وقواها الإبداعية وصراع من أجل تأكيد الوجود أمام الآخر.

والسيطرة على الحضارة وتمثلها وموطن مكمنها وسلاحها هي الثقافة أي الوعي المنظم للخبرة الإنسانية والجماعية...فالذات هي الوعي والثقافة هي بالنسبة للجماعة هي وعي الذات ومن هنا فان بناء الذات ليس هو في الواقع إلا بناء الثقافة أي الوعي والعقل... وحتى نستطيع أن نبني هذه الثقافة المبدعة ينبغي علينا أن نفهم قوانين التغيير الثقافي .

إن تحقيق المدنية وتأكيد الذات هو الربط بين حركة البحت عن الهوية واكتشافها والاندفاع وراء الحضارة... فمبداء الحضارة يصون الجماعة من خطر التحول إلى ركام قديم... ومبدأ الهوية يصون الجماعة من الانحلال... وفي اندماجهما معا في الصراع نحول الحضارة إلى مدنية أي يتحقق تأسيسها في الثقافة العربية ويتحول التراث إلى هوية ديناميكية حية ومتجددة... أي إلي ذات فاعلة وإيجابية.

وفي الحقيقة لايمكن لنا أن نفهم الانتصارات أكانت على المستوى الوطني أو القومي أو الأممي الإنساني إلا على أساس مبدأ التمكين للقيام بدور أكثر فاعلية وواقعية بالاستناد إلى المشاركة الشعبية الطوعية في كسر الجمود الراهن والتصدي الظافر للمهمات الكبرى الراهنة... حتى وان أدى ذلك إلى تحدي القواعد ذاتها...لأنه بالأخير يرتبط بمصير أجيال ويؤدي إلى نتيجة سياسية لحقائق اقتصادية واجتماعية لا محالة.

إن المسائل الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن مرتكز قوتها الأساسية ولايمكن أن تتحول إلى حقائق إلا على أنها توازنات... الأمر الذي يتطلب منا النظر بتعمق لفهم مبدأ التوازن الاقتصادي والاجتماعي كونه الأساس في التراكم والتوزيع العادل والحصص المتساوية وخلق المجتمع المنتج والمتكافئ وهو المحور الذي يشكل القاعدة الأساسية التي يمكن أن يقوم عليها التوازن السياسي داخل المجتمع.

حيث أن التوازن السياسي يعبر عن نفسه بمؤسسات دستورية وعاء الحوار ثم هي مصدر القرار بعد الحوار...علما بأن التوازن ليس حالة نهائية أو جامدة وانما يتواكب وحركة المجتمع المتواصلة والمصطحبة بالتناقضات الجديدة بين المصالح والقوى...لهذا فان الحوار يجب أن يكون مستمرا بغير نهاية...هذه هي الديمقراطية.

ويحق لنا القول بان القوة الاقتصادية ربما تكون هي الخلل الأسمى في تعطيل القرار السياسي إذا لم تبنى على أسس من التوازنات المشارة وإذا لم تصطحب أيضا بجوانبها الاجتماعية... وهذه هي أزمتنا الأساسية في الوطن العربي... ولتوضيح هذا العطب المتأصل, نقولها صراحة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تكن إلا مجرد مؤشر بسيط لانتكاسة وانحسار أو بالأصح لعدمية وجود الديمقراطية خاصة في الوطن العربي... وعدمية الوضوح في الموقف لأصحاب المثل والقيم واالتقاليدالديمقراطية والذين يتحملون القسط الأوفر في المعاتبة كونهم تنصلوا عن مسئولياتهم تجاه شعوب المنطقة اكتفوا بقشريات القوة الاقتصادية المتمثلة بالسلطات... فالسلطات في الوطن العربي هي الثروة والتوازنات هي مجرد سلعة... والوطن والمواطن أيضا سلعة... وهذا هو جوهر الأشكال في التركيبة والمزاج وهدا هو عمق النزف والوجع وعوضا عن أن تكون الديمقراطية نتيجة سياسية تحولت أيضا إلى سلعة سياسية وفي أحسن الأحوال تعلبت وصارت تفتح كمسألة فكرية مترفة... متناسين بأنها قضية وطنية ومرتبطة بالأمن القومي العربي ... كما أنه وفي الأزمات الصاخبة وكي يتنصلون أصحاب القرار من المسئولية المطلقة يطلقوا العنان للحق قي الخوض في أمور الحرية الاجتماعية والذي عودتنا الأحداث بها دوما بأنها سرعان ما تنقض في أول احتكاكاتها وتجاربها...لذا فلا بد لنا أن نعيد تشكيل البنية الديمقراطية لمجتمعنا بحيث لا يبقى الشعب بمعزل عن مركز اتخاذ القرار.
 

إن قضية الديمقراطية هي كل شئ... وليس هناك حل لأي شئ خارج نطاق الديمقراطية .

إن جوهر الديمقراطية يعني احترام حقوق الإنسان وقدسيته, وإفساح المجال بمشاركة القوى الاجتماعية المتنامية في التعبير عن نفسها وفي الدفاع عن مصالحها والمشاركة السياسية في اتخاذ القرار ...لأن الشعب يتطلع إلى ديمقراطية الحياة العامة على نحو تحقيق العدالة والمساواة بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي وبمفهوم الديمقراطية الشامل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا... باختصار الحق في الديمقراطية لا ينفصل في الحق عن لقمة العيش.

إن المناقشة في السياسة... مناقشة القرار السياسي – هي صميم الديمقراطية... وجوهر محنتنا الآن تكمن في الكثير من حيثيات القضايا الأساسية لقضايا المجتمع...

من الذي يتخذ فيه القرار؟؟؟...كيف يتخذ هذا القرار ؟؟؟... كيف يفرض هذا القرار ؟؟؟...

وأهم تركيباتها قضايا الفكر والثقافة, ونرى أن جميعها تتفق ومشكلة الديمقراطية وليس هناك أي حلول سوى الديمقراطية.

كما أن حرية الصحافة لا تقاس بمعيار الحديث عن مشاكل المواصلات والإسكان والتلفونات..الخ...لأن المناقشة في المشاكل مسالة فرعية والحرية فيها مسألة فرعية...وانما حرية الصحافة لايمكن أن يكون لها محك إلا قدرة الصحافة على مناقشة القرار السياسي ...من الذي يحكم؟ ولصالح من يحكم؟ وما هو أسلوب الحكم ودستوره وقانونه وظوابطه وضماناته..الخ.

وحرية الصحافة لا تتأكد بمجرد الإعلان عنها وانما تتأكد حين تكون الآراء والمصالح التي تعبر عنها أي صحيفة قادرة على حماية حقها في التعبير عن نفسها.

يتحتم علينا أن نفرق بين الإلزام والالتزام... وتحذير من إخفاء الحقائق عن طريق إثارة الحماسية والانفعال وتحويل الشعارات إلى حبوب للبلع السريع وانما حرية المناقشة ليس مجرد تنفيس وانما هي قدرة على المشاركة في صنع القرار السياسي .

إن الحقائق في موازين القوى يمكن أن تكون معنوية ويمكن أن تكون تاريخية ويمكن أن تكون نفسية, لكن قوتها أحيانا أفضل من المادي المرئي.