الإيدز! .. إحصائيات مخيفة .. وعلاجات ضعيفة
بقلم/ أحمد بن حسن المعلم
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 22 يوماً
السبت 04 ديسمبر-كانون الأول 2010 07:03 م

الحمد لله الذي لا أغير منه على المحارم ولا أبغض منه للفواحش والجرائم , ينتقم من المجرمين ويقطع دابر الظالمين ، عذب قوم لوط عذابا ً لم يعذب به أحداً من العالمين فقال وهو أصدق القائلين ( فلما جاء أمر ربك جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) ، والصلاة والسلام على من بُعث ليتمم مكارم الأخلاق ويطهّر من الفحشاء والمنكر سائر الآفاق , وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .

احتفل العالم يوم أمس الأول من ديسمبر باليوم العالمي للايدز ، ذلك الوباء المريع والداء الشنيع الذي أقضى مضاجع العالم وأقلق الدول والشعوب وروع سكان الأرض أجمعين , لما يتميز به من انتشار سريع ، وآثار مدمرة واستعصاء على الحلول والمعالجات , يقف أمامه العالم بكل ما يملك من إمكانيات وقدرات علمية ومادية مبهوتا ً مذعورا ً لا يستطيع مقاومته ولا القضاء عليه ولا حتى الحد من انتشاره لأنه عقاب من الله ومن ذا يستطيع أن يقف أمام عقاب الله ؟ !

إنما هو التاريخ يعيد نفسه وصور البغي والكبرياء تتكرر فمثل هؤلاء مثل قارون الذي رد على قومه بقوله ( إنما أوتيته على علم عندي ) فقال الله راداً عليه ( أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ً ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ( .

نعم لقد حصد هذا الوباء من الأنفس ما لم تحصده الحروب والحوادث المختلفة ، عشرات الملايين الذين هلكوا بسببه وعشرات الملايين الذين ينتظرون الهلاك حيث حملوا الفيروس الخبيث المدمر وعشرات الملايين معرضة للإصابة به ، هذا في العالم وفي يمننا الحبيب الحالات المسجلة من عام 97 إلى 2010 ( 3560 ) حالة ويتوقع أن تكون عدد الحالات فعليا ً( 30000 ) حالة , وحسبنا أن نعلم أن عدد الحالات المصابة بالإيدز والمسجلة في محافظتنا حضرموت فقط من يناير إلى أكتوبر هذه السنة ( 40 ) حالة معظمها في الساحل وإذا حسبناها كما يرى المختصون بأن وراء كل حالة مسجلة عشر حالات غير مسجلة فإن الحالات الفعلية قد تصل في حضرموت إلى ( 400 ) حالة فقط في عشرة أشهر أي في كل شهر ( 40 ) حالة فتصوروا حجم الكارثة المترتبة على هذا الوباء .

وما دمنا قد تصورنا حجم الكارثة فيجب إن نعرف سببها ليمكننا الحديث عن علاجها .

لقد خرجت منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات بأن نحو 93% من أسباب انتشار مرض الإيدز هي العلاقات الجنسية ، والعلاقات الجنسية الشاذة أكثر بأضعاف المرات من العلاقات العادية , وأثبت تاريخ المرض أن أول من عرف انه أصيب به أهل اللواط في أمريكا , ويحدثنا المهتمون بأمر الايدز في بلادنا بان أكثر الإصابات به كان سببها اللواط وهذه حقائق علمية وتاريخية وواقعية قبل أن تكون استنتاجات فقهية أو وعظية .

ولكن واجب البيان يحتم علينا أن نردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لنعلم كيف سلطت على هذا العالم .

وعندما ترجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تجد أن أمر الله تعالى يقول ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (

ويقول : ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون (

ويقول معللا ًإغراق قوم فرعون وإهلاكهم : ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين )

وعندما نرده إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نجده يقول ( إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلو بأنفسهم عذاب الله رواه الطبراني والحاكم عند ابن عباس وهو صحيح ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها , إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ) رواه ابن ماجه والحاكم عند ابن عمر وهو صحيح .

وهاهي ذنوب الناس ومعاصيهم وكفر بعضهم وإلحاده ومحاربته لله ورسوله وللمؤمنين قد ظهرت بشكل لا يكاد يوجد له مثيل من قبل , وهاهي الفاحشة من الزنا واللواط والخمور والمخدرات وأنواع الفواحش ما ظهر منها وما بطن قد أعلنت بل قد قننت ورخصت وأصبح ملاما ً من ينكرها أو يدعو لمحاربتها ويعد متعديا ً على الحرية وحقوق الإنسان .

إن دعاة الرذيلة لم يعدو مجرد مذنبين أو دعاة للفاحشة ومحبين أن تشيع في الناس ولكنهم تعدو ذلك فاعتدوا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها واعتدوا على القيم التي ترعرت الأمم عليها وتوارثتها جيلا ً بعد جيل ، إن دعاة الرذيلة لم يقفوا عند الدعوة الصريحة للفاحشة بل تعدو إلى تجريم من ينكر الفاحشة كما قال قوم لوط ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) فإن من دعاة الفاحشة اليوم قد سنوا القوانين وابرموا الاتفاقات ونشروا المفاهيم التي تجعل من كل من يقاوم الفاحشة مجرما ً يستحق أنواع من العقوبات .

إن العصابات الممسكة بقيادة عدد من المنظمات الدولية ذات السلطة الواسعة في العالم تجر العالم بأسره على غضب من الله وانتقام لم يسبق له مثيل لأنها قد حاربت الله والفطرة التي فطر الناس عليها بما لم يحارب به أحد من العالمين فيما مضى , وليس غريبا ً أن يمضي ذلك ويمر على الكافرين ولكن الغريب حقا ً أن يتابعهم على ذلك بعض الدول التي تنتمي للإسلام ويدين شعبها به .

نعم لقد شرعت الفاحشة من زنا ولواط من معظم بلدان العالم غير الإسلامي وفي بعض دول العالم الإسلامي ولا حول ولا قوة الا بالله .

وأكبر من ذلك فقد قننت عددا ً من الدول الزواج المثلي أي أن يتزوج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وتجري عقود ذلك رسميا ً وتقام له الحفلات كما تقام للزواج المعتاد تماما ً وباسم حقوق الإنسان ليعد من ينكر ذلك مجرما ً تفرض عليه العقوبة فماذا ننتظر بعد ذلك .

وحينما علموا انه لا يمكن تسويق ذلك بهذا الوضوح والصراحة في بلاد العرب والمسلمين لجأوا إلى مقدماته فأرغموا عدد من الدول على التوقيع على اتفاقية السيداو وتبني مفهوم النوع الاجتماعي الذين يعنيان برفض جميع أنواع التمييز بين الرجل والمرأة في كل شي , وما ذلك إلا خطوة نحو الوصول إلى ما وصلت اليه بعض دول الغرب من تلك التشريعات التي تعكس جميع أنواع الفطرة والقيم الأخلاقية والأحكام الشرعية والإنسانية , هذا بالإضافة إلى تسويق وسائل الإثارة الجنسية المؤدية إلى ارتكاب الفاحشة مثل القنوات والمواقع الإباحية والصور وغيرها .

وإذا كانت بعض الدول قد تبنت ما تفرضه المنظمات المنحرفة بل المحاربين للفطرة , فإن بعض الأفراد قد باعوا أنفسهم للشيطان من شياطين الجن والأنس فتبنوا نشر القنوات الإباحية غير المشفرات والمواقع الإباحية عبر بعض مقاهي الانترنت والأفلام والسيديهات التي يتداولها الشباب وتتولى بثها بعض الفنادق واللوكندات ، هذا كله موجود والدول متغاظية النظر عنه والناس عنه غافلون وكثير من الأسر قد غزاها ذلك إلى داخل بيوتها ووصلت شروره إلى أبنائها وبناتها وهم عنهم في غفلة .

وهذه هي صرخة النذير فهل من سامع هل من منتبه هل من متحرك لإنقاذ البلاد والعباد من شر بدأت علاماته وظهرت سحبه يقول عنها البعض هذا عارض ممطرنا وحيث في الحقيقة كما قال تعالى ( بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب اليم , تدمر كل شي بأمر ربها)

إن مرض الإيدز إنما هو عقوبة الاهية على ماوصل اليه العالم من انحراف ومحاربة للفطرة ونشر للفاحشة ومجاهرة بها فهل يعقل الناس ذلك , وهل يتّعضون ويعتبرون ويرجعون إلى ربهم فيتوبون مما هم فيه كما قال تعالى ( فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا ) هذا الواجب ولكن الواقع عكس ذلك كما قال تعالى عن إخوان لهم سابقين ( ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) ثم تأتي النتيجة المرة : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شي حتى إذا فرحو بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون , فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين)

وهذا ما ينتظر العالم إذا لم يأخذوا على أيدي المجرمين ويأمروهم على الحق .

إن الملاحظ أن الجهود التي يبذلها العالم لمحاربة الايدز والقضاء عليه جهود فاشلة لن تؤدي إلى نتائج حاسمة ولا علاج ناجح لأنهم مع معرفتهم الكاملة بالسبب الحقيقي لانتشار المرض وهو الفاحشة والشذوذ نجدهم يفصلون هذا السبب ولا يعملون على إزالته بل بالعكس ما زالوا يعمقونه ويرسخونه ويشرعونه , وبدل أن يعملوا على إزالته نجدهم يتواطئون على إبقائه ويسعون فقط لجعله آمنا ًباتجاه وسائل تجعل الزاني واللوطي يستمران في ممارسة فواحشهما ولكن بطرق تمنع من انتشار المرض ولن يصلوا بذلك إلا إلى مزيد من المعاناة والمرض ( إن الله لا يصلح عمل المفسدين )

ولئن كان أولائك القوم كفارا ً لا يرجون لله وقارا ً بل يعبدون أهواءهم وشهواتهم وفروجهم , فإن الواجب علينا معشر المسلمين ألا نؤمل الخير من قبلهم ولا ننتظر الحلول من جهتهم ولا نعلق آمالنا بهم ولا نربط مصيرنا بمصيرهم بل يجب أن نبحث لأنفسنا عن الحلول والمعالجات فيما عندنا من الهدى ودين الحق وفيما ورثه لنا إسلامنا من الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة ونحارب ما يخالف ذلك ويتعارض معه .

وعندما نوقن بعظم الخطر وفداحة المشكلة فيجب أن نلتفت إلى ذاتنا وأعمالنا ونقلع مما أوجب لنا ذلك , قال تعالى ( سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو متخف بالليل وسارب بالنهار , له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له وما لهم من دونه من وال )

علينا أن نرجع إلى دستورنا العظيم ومعجزة نبينا الخالدة القرآن الكريم الذي وصفه منزله سبحانه بأنه هدى و شفاء ، وهدى إلى كل خير وصلاح وفلاح يخرج من اتبعه من كل خطر و كارثة وبيلة , وشفاء عام لكل مرض روحي أو جسدي عام أو خاص صحي أو اجتماعي ، اقتصادي أو سياسي لكل أنواع الأمراض قال تعالى ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) وقال تعالى ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ً)

وقال تعالى ( ولو جعلناه قرأنا أعجميا ً لقالوا لولا فصلت آياته , أعجمي وعربي قل هو للذين امنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد)

هذا هو كتاب الله هذا هو القرآن الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور وهو لا يزال كذلك .

إننا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم وجدناه قد نهانا عن الاقتراب من أسباب الفاحشة سيما هذا المرض فقال تعالى ( ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا ) وقال ناهيا ًعن الزنا واللواط وكل أنواع الفواحش : ( ولاتقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) وقال واصفا ً عباده المؤمنين الصالحين ( والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش)

إن الله تعالى لم ينه عن مواقعة الزنا بل نهى عن قربانه ويفهم من ذلك النهي عن كل ما يؤدي إلى الزنا وكذلك قوله ( ولا تقربوا الفواحش ) يؤدي نفس المعنى ، وهكذا وصف الصالحين باجتناب كبائر الإثم والفواحش يدل على أنهم يكونون في جنب آخر غير الجنب الذي فيه تلك الذنوب والفواحش وإذا كان الأمر كذلك فيجب علينا أن نتجنب كل أسباب الوقوع في الفواحش ،ومن ذلك منع الاختلاط في جميع المرافق بين الجنسين ، ومنه منع جميع وسائل الإثارة والشهوات من مسموع ومرئي سواء كانت أفلام أو أقراص كمبيوتر من القنوات والمواقع الالكترونية وغيرها , ويعاقب كل من يروج لذلك لأنه أقوى سبب لانتشار الفاحشة ، ومنه إحسان تربية الأطفال والشباب ذكورا وإناثا ًحتى يتحلوا بالفضائل ويتخلوا عن الرذائل ، ومنه إقامة الحدود والتعازير الشرعية على كل من يثبت عليه ما يوجب ذلك ويشيع ذلك ويظهره كما قال تعالى ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ليكون زاجرا ً لكل من تسول له نفسه ذلك ، ومنه تيسير أمر الزواج وإزالة العوائق من أمامه ويدخل في ذلك عدم تحديد سن معين للزواج حتى يتمكن كل أحد من النظر لما فيه مصلحته ومصلحة من تحت يده .

ومن أسباب الوقاية من هذا المرض أيضاً ضبط حدود البلاد ومنع الحاملين له من الاختلاط بالناس ونشر بلائهم فيهم ، ومنه ضبط المرافق الصحية والأطباء العاملين الصحيين لمنع انتقاله عبر الدماء الملوثة والحاملين له ، ومنه حسن التصرف مع المرضى بهذا المرض , إذ ليس كل مريض بالإيدز هو زان فلا يجوز عد وتصنيف المرضى بأنهم زناة أو لوطيين وليس كلهم مذنبين ، ولكن اللائق بنا أن نحسن معاملتهم ونرفع من معنوياتهم ونأخذ بأيديهم إلى التوبة والصلاح لان في ذلك خيرهم وخير المجتمع وكبح لشرهم عن الآخرين .

بينما إذا قنطناهم من رحمة الله وأوحينا إليهم أنهم منبوذين وممقوتين وأنهم أعداء لأنفسهم والمجتمع فسوف تمتلئ نفوسهم بالحقد على الجميع ويحاولون الانتقام من الكل ويبذلون كل ما في وسعهم لنشر هذا المرض فيمن حولهم وبالتالي نساهم من حيث لا نشعر في تفشي المرض وزيادة المشكلة .

* أصل الموضوع خطبة الجمعة بتاريخ 27 / ذي الحجة / 1431هـ بجامع خالد بن الوليد بمدينة المكلا – حضرموت .

** رئيس مجلس علماء أهل السنة بحضرموت ، مستشار وزارة الأوقاف والإرشاد ، عضو جمعية علماء اليمن ، رئيس جمعية الحكمة اليمانية الخيرية بحضرموت ، رئيس منتدى المعلم الثقافي الإجتماعي بالمكلا .