مات البوعزيزي ليعيد الحياة لشعوب أمة بأكملها
بقلم/ الحامد عوض الحامد
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 3 أيام
الأربعاء 19 يناير-كانون الثاني 2011 07:49 م

مات البوعزيزي.. نعم مات وجسده الآن يواري الثراء بجوار ربه جلا وعلا, لكن هل كل شيء انتهى بمجرد دفن البوعزيزي؟؟ الواقع يخبرنا بأن المسالة لم تنتهي بعد.. ليس في تونس فحسب بل ربما في كل ربوع العالم العربي, الذي نتمنى أن يشهد خلال الفترة المقبلة تغييرا جذريا ونهاية وخيمة للأنظمة العربية الاستبدادية المتسلطة والتي تحكمنا منذ عقود, والتي ستسقط على أيدي شعوبها التي بدأت الحياة تدب فيها من جديد.

نعم لقد مات البوعزيزي مشعلا النار في جسده ليضيء الطريق نحو حياة أفضل للملايين من شباب أمته, الذي كانوا يسيرون في طرق مظلمة ووعرة وموحشة, تلك الطرق التي وضعها وارتضى بها لهم الحكام العرب لهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى..

مات البوعزيزي ليعيد الحياة والكرامة والإنسانية للملايين من أبناء بلده وكل البلاد العربية..

مات البوعزيزي دون أن يشاهد أو يسمع ما حصل من تغيير لم يسبق له مثيل في تونس اليوم وفي العالم العربي غدا..

مات البوعزيزي وهو يردد لا لحياة الذل والمهانة والفقر فنحن امة أكرمنا واعزنا الله بالإسلام..

مات البوعزيزي لكنه سيبقى أشبه بكابوس وشبح مفزع يراود الحكام العرب في منامهم لينغصهم من لذة النوم رغم ما تعانيه شعوبهم ليل نهار..

مات البوعزيزي وهو يقول من الآن لا أنت يا أمريكا ولا أنت يا أوروبا من يختار ويحدد من يحكمنا بل هي الشعوب..

مات البوعزيزي وهو يرسل للحكام العرب رسالة مفادها بأن ولائكم للخارج أكثر من الداخل, أي أن تنفيذكم أجندة ومطالب الخارج "أميركا تحديدا" وعلى حساب مصالح شعوبكم, لن يفيدكم ولن يضمن لكم البقاء أكثر في السلطة, طالما أن شعوبكم تتضور جوعا ومكتومة أنفاسها..

مات البوعزيزي وهو محذرا الحكام العرب من مغبة الاستمرار في استبداد شعوبها وتجريعها من كاس المر والمهانة..

مات البوعزيزي ليقول للعالم أجمع إن شعوب أمتي لم تمت بعد, كما يعتقد الغرب ويدعي ذالك..

مات البوعزيزي وهو لا يعلم بأنه سيضع حدا فاصلا ونهائيا لكل من تجبر وطغى وأذل وأحرم شعبه من حقوقه..

مات البوعزيزي وهو مرددا: كفانا عبودية ومهانة وفقرا وتخلفا وإقصاءً وتهميشا..

مات البوعزيزي ليثبت للعالم بأن الحاكم مهما كانت سلطته وبلغت قوته وتوسع ثراءه, فإنه حتما سيسقط ويصبح ذليلا صاغرا على يد الشعب عندما يثور ويغضب ويتفجر مثل حمم البركان الذي يصعب إخماده..

مات البوعزيزي ليجيب بــ"نعم" عن سؤال يتبادر في ذهن الملايين من الشباب العربي الذي يتساءل: هل التغيير قادم؟ هل يمكن أن نشهد غدا أفضل؟ هل يمكن أن تتغير تلك الأنظمة العربية "الشائخة والعتيقة"؟؟..

مات البوعزيزي ليقول للشباب العربي إنه من حقكم وبأن عليكم أن تكون لديكم أحلاما سياسية, أي بأن تطمحوا لأن تكونوا أنتم من يقود البلدان العربية غدا, فكفانا رئاسات مدى الحياة, وكفانا أنظمة جمهورية وملكية وراثية "رجعية متخلفة".. كفانا أنظمة تمارس القمع والإرهاب والترويع ضد شعوبها..

مات البوعزيزي دون أن يعلم بأنه سيتحول من شخص بائع خضار إلى بطل قومي ورمزا للحرية والكرامة التي سلبت من أمته العربية على أيدي حكامها التابعين للخارج..

مات البوعزيزي ليخبر شعوب الدنيا بأن الشعوب العربية لديها من العزة والكرامة ما يكفي لكل البشرية وأنها شعوب محبة للسلام وتواقة للحرية وساعية نحو التقدم والأزهار..

مات البوعزيزي ليوقظ الضمير العربي النائم لدى أكثر من أربعمائة مليون عربي..

إنني أشعر بغصة ألم في نفسي كلما كتبت "مات البوعزيزي" الذي كنت أنا والملايين الذين تمنينا له أن يعيش ليرى ثمار شجاعة ما أقدم عليه, وإن حياته لم تذهب سدى..

أخي وحبيبي البوعزيزي اليوم أنت لم تمت, فروحك الطاهرة لا تزال وستظل تحوم بين الملايين من أبناء أمتك الذين أصبحت في نظرهم شابا بطلا وشجاعا جسورا, إذ حررتهم من العبودية والجهل ومنقذهم من الخلاص والموت البطء على أيدي حكامهم الذين جرعوهم كل أصناف العذاب والذل.. أنت لم تمت فالملايين لا تزال تذكرك وتتباكى عليك وتتمنى رؤياك وتتمنى احتضانك لتشم رائحتك الطيبة الطاهرة.. الملايين من الشباب العربي لن يسونك بل ستبقى قدوة صالحة لهم, ليس قدوة لشجاعتك على ما أقدمت عليه, بل قدوة في عدم قبولك ورضائك بواقعك وواقع الملايين من مثلك واقع الذل والجبروت والمهانة والخزي, الذي ارتضت به كل الزعامات العربية لشعوبهم دون رحمة أو شفقة من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر.. لقد دخلت التاريخ من أوسع أبوابة كرجل منقذ ومعيد العزة والكرامة للأمة بطولها وعرضها.. لقد رحلت لكنك ستبقى خالدا مخلدا في قلوب وعقول الملايين من أبناء أمتك..

وأخيرا فلو أن كل ما يتمناه الإنسان يتحقق له على الفور, لكانت أمنيتي الوحيدة أن أزور وأتجول في البلدة التي نشأت وترعرعت بها, وأن أقبل يد ورأس أمك, تلك الأم الحنونة المنكسرة التي تحملت عناء حملك ببطنها لتقدمك بعدها فداء للأمة كمخلص لها من القهر والظلم.. تلك الأم التي ظهرت أمام الشاشات ودموعها التي لا تتوقف حزنا وحسرة على فقدانك, وفخورة بك وعلى ما أقدمت عليه, وما جنيته من خير وحرية وسعادة للأمة التونسية والعربية..

رحمك الله يا حبيبنا وملهمنا وأخانا محمد البوعزيزي, وأسكنك فسيح جناته..

*لمشاهدة أسرة البوعزيزي, انقر هــــــــــــــــــــنا.