الفرق بين اليمن و غيرها .. مشكلة في عقولنا نحن اليمنيين
بقلم/ احمد طه خليفة
نشر منذ: 13 سنة و شهرين و يومين
الأحد 23 يناير-كانون الثاني 2011 09:07 م

قبل أيام شاهدت مقطع فيديو لأم فاضلة تقف أمام المتظاهرين في جامعة صنعاء وتصفهم بالكلاب والعملاء والمخربين فقط لأنهم كانوا يطالبون بالتغيير وفي نفس اليوم شاهدت فيديو للفضلي وهو يحرق كل شيء فوصفه زميل عزيز لي بالمولد فقط لأنه يدعو للانفصال ويختلف معه زميلي لذلك أو لكونه من الجنوب فهل هذه نظرة زميلي لي فقط لأني من الجنوب!! ثم قرأت تعليقات على الفيس بوك تصف توكل كرمان بالمولدة فقط لأنها تعارض الحاكم ونفس الطريقة تم التعامل بها من إعلام الحاكم مع باسندوة وباعوم وغيرهما .. وتجد المواطن البسيط والمثقف بعد أن يعدد السلع التي أرتفعت أسعارها والمعاناة التي يعانيها يقول قد المؤتمر أخرج من المعارضة ثم يذيل كلامه بالسؤال ماذا فعلت لنا المعارضة؟؟ لذلك وغيره ندرك أن الفرق بيننا وبين تونس وبقية شعوب العالم مشكلة في عقولنا نحن اليمنيين..

تلك الأم الفاضلة تحركت نحو تلك الجماهير الشابة من منطلق خوفها على بلدها من الفتنة التي ينشرها المعارضون للنظام بحسب ما تسمع وترى من إذاعات وتلفزيون النظام الذي يكيل كل التهم لمعارضيه بما فيها وقف التنمية والناس البسطاء يصدقون ما يقوله التلفزيون .. ما إن يشاهدوا طبيبا في التلفزيون حتى يتوجه كل واحد منهم لعيادته لأنه ظهر على التلفزيون وكل شيخ يظهر على التلفزيون تنهال الاتصالات عليه طلبا للفتوى وهكذا فتأثير الإعلام المحلي ثابت وقديم وراسخ في عقول البسطاء بل هو حتى في عقول كثير من المتعلمين والمتسيسين لذلك هذه مشكلة عقول بحاجة إلى حلول..

مشكلة أخرى وفرق آخر وهو إلغاء المخالف فالمخالف إما عميل أو خائن أو مخالف لشرع الله أو مولد!! وعلى الرغم من أن الكثير من اليمنيين قد هاجروا إلي دول عدة وعملوا وتزوجوا وأنجبوا وحولوا أموالا وعادوا إلى بلدهم وكانوا أحد أسباب استمراره قبل الثورة في وجه الظالم و المستعمر وبعد الثورة في البناء والتعمير إلا أن أبناءهم يوصمون بالمولدين بسبب العقلية المتخلفة وهذه العقلية جعلت الدستور يتحفظ على تقلدهم مناصب عليا في الدولة .. وبهذا ألغوا سياسيا وأبناؤهم كذلك من بعدهم .. ولكن ما الذي يدفع الناس بوصف مخالفيهم بالمولدين - مع أنهم ليسوا كذلك ولو كانوا كذلك ما كان هذا عيب إلا في الذين يصفونهم بذلك - إلا لأن هؤلاء يدركون وجود نقص فيهم نتيجة تفوق غيرهم عليهم بالقدرة أو الحجة فلا يكون أمامهم سوى لفظ هذا مولد وهؤلاء مولدون وكأنهم قدموا الحجة التي لايمكن ضحدها أو الرد عليها وبدلا من تقديم الحجج ورد الحجة بالحجة يكون رد المولد الذي يدل على هشاشة في العقل وضحالة في التفكير وسقوط في القيم..

لقد أثارت مثل هذه اللفظة في نفوس أبناء الجنوب من الغضب والثوران أكثر بكثير من الغضب المطلبي أو الحقوقي وهم يدركون أن المولدين إخوانهم في اليمن وهم مسلمون مثلهم ثم أن هناك مناطق جنوبية شاسعة لم يأتها استعمار قط لا حبشي ولا فارسي ولا تركي ولا إنجليزي ولا غيره فمن من حقه أن يوصم غيره بذلك أن كان في ذلك وصمة عار.. لكنهم يدركون أن مثل هذا يراد القول من ورائه بأن ليس لهم حق في أرضهم وأنهم مجرد مقيمون فيها..

ثم نأتي إلى السؤال الذكي جدا ماذا فعلت المعارضة لنا؟؟ والجواب لم تفعل شيئا ولن تفعل شيئا ما لم تفعل أنت لها .. المعارضة لا تنشئ مستشفيات ولا تبني طرق ومدارس ولا توزع الدقيق والقمح ولا تستورد الدواء فهذا دور الحاكم .. لكن دورها أن تتابع قيامه بذلك وتظهر خطأ تصرفاته وعبثية قراراته وتنبه الشعب إلى ما قد تجره تلك القرارات من ويلات ..وتقدم له برامج بديلة لبرنامج الحاكم فيتبناه الشعب ويغير الحاكم فتصبح المعارضة حاكمة والحاكم معارض .. فيمارس نفس دور المعارضة السابق ليثبت فشلها فإن صح قوله وضع برنامجا انتخب من أجله ليكون الحاكم وهكذا.. وإحساس الحاكم أنه مراقب ويمكن تغييره خلال أربع سنوات أو أقل يجعله يقلل من أخطائه ويصوب من قراراته لصالح الشعب وعندما يصيبه الخمول الشيخوخة يعمل الشعب على تغييره وهكذا.. وبهذه الطريقة دائما ما نرى وزارات وحكومات متغيرة ومتجددة في الدول الديمقراطية .. وعلى الرغم من تغير الأحزاب الحاكمة والسياسات تقفز تلك الأمم إلى الأمام..

ولقد حرم الشعب التونسي وغيره من الشعوب العربية من مثل ذلك.. ولكن التعليم الذي يكسر كل الحواجز دفع الجميع لأن يهبوا في وجه الطغيان ويزيح الشعب الطاغية الظالم وشعوب عربية أخرى مرشحة لذلك ورصيدها العلم والإيمان والحكمة في تنفيذ سنة الله في التغيير والتطوير .. لكننا في بلد الأيمان والحكمة نفقد العلم فكثير من الناس حرموا من ذلك.. والمتعلمون حرموا من الثقافة بفعل الضائقة المعيشية.. والمثقفون حرموا من التعبير عن أنفسهم إما لأنهم رأوا أنفسهم أكبر من ذلك ومن غيرهم أو لأنهم مكبلون بأعراف وعادات تربوا عليها في طاعة الشيخ والرئيس أو لأنهم يخافون على أنفسهم أو لأنهم لم يتم الالتفات إليهم من قوى المعارضة والسلطة معا .. وإما لأن فتاوى خرجت تحرم عليهم تنوير الناس بعوار الحاكم لأنه لا يجوز الخروج عليه ولا يجوز مناصحته علنا لأن مناصحته علنا قد تسيء إليه وقد تدفعه للعناد .. ومع أن مثل هذا مردود عليه وسنفرغ له قريبا لكن بصدق اليمن بحاجة إلى دورة مكثفة من إعادة بناء العقول وهذه مشقة كبرى أظن أنها صعبة جدا جدا جدا..

أما مسألة أن الذي قد يأتي بعد التغيير ربما يكون أسوأ من الموجود فهذا قد يكون صحيحا وهو مجرد شك وظن لن يرتق إلى مرتبة اليقين إلا إذا حدث التغيير فعلا وعندها إذا لم يعجب الشعب التغيير فعليه أن يعيد الوضع كما كان.. ولأن الشك لا ينفي اليقين وهذه قاعدة فقهية حيث مثلا لا يجب الوضوء للصلاة على من شك أنه قد أحدث ما يوجب الوضوء لأن اليقين أنه مازال على وضوئه ..كذلك بالنسبة لفكرة التغيير فلا يمكن الحكم على القادم حتى يأت فعلا.. وهناك مسألة شك الناس في أنفسهم وأبنائهم من أن يكون فيهم من هم على خير .. وأنا أؤمن بأن الخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أخبرنا .. وأؤمن بأن اليمن بلد الإيمان والحكمة كما ورد عنه ..وأؤمن بأن سنته صلى الله عليه وسلم وحي منكرها يخرج من الملة وأرجو أن لا يكون ما ورد عنه عن قوم سبقونا أو يأتون من بعدنا وأسأل الله أن نكون كلنا معنيون بذلك..

توكل كرمان

ستبقى توكل كرمان أشجع رجل أنجبته اليمن في تاريخها المعاصر ولن نفقد إيماننا بضرورة التغيير لأن التغيير يمثل أمل لمستقبل نسأل الله أن يكون أفضل مما نحن فيه واعتقال كرمان ما هو إلا دليل أكيد على تخبط السلطة الحاكمة ومستشاريها فبقاء كرمان في السجن المركزي سيثير كثير من السخط والثورة والحساسيات وإطلاقها سيثبت للناس تخبط السلطة وضعفها والأيام حبلى بالأحداث الغير متوقعة ..

والحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة ..